مصر تتحرك نحو تطهير سوق العمل من التحرش

عقوبات مشددة ضد المتحرشين وظيفيا تختبر شجاعة الضحية وأسرتها.
السبت 2025/03/15
وقفة حازمة ضد المتحرشين

غلظ المشرع المصري عقوبة المتحرش بالمرأة في مكان العمل لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن 7 سنوات وصولا إلى 10 سنوات، إذا كان المتحرش ممن لهم سلطة إدارية على المجني عليها. كما جرى الاستقرار على تعريفات جديدة تتعلق بمستجدات وقائع التعرض للأنثى بعيدا عن المغازلات التقليدية. ويهدف القانون الجديد إلى أن تكون لدى الحكومة مبررات لتفعيل النصوص الخاصة بمكافحة التحرش الوظيفي.

القاهرة - أكد توجه مجلس النواب المصري نحو تحديد نصوص قانونية في مشروع قانون العمل الجديد لمواجهة التحرش الجنسي، وجود توجه عام للقضاء على التحرش الوظيفي ضد النساء، بعد أن جرى الاستقرار على تعريفات جديدة تتعلق بمستجدات وقائع التعرض للأنثى بعيدا عن المغازلات التقليدية.

وصنف مشروع قانون العمل التحرش الجنسي ضد المرأة على أنه “كل فعل أو سلوك في مكان العمل أو مرتبط به، يشكل تعرضا للأنثى بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، بالإشارة أو القول أو بالفعل بأي وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية أو الإلكترونية، أو أي وسيلة تقنية”.

وتهدف هذه المادة في مشروع قانون العمل إلى أن تكون لدى الحكومة مبررات لتفعيل النصوص الخاصة بمكافحة جرائم التحرش الوظيفي، وتصل إلى الحبس المشدد سواء أكان الاعتداء اللفظي أو الجسدي على الأنثى حدث في أماكن عمل رسمية أم لا، كأداة لترهيب وردع ضد المتحرشين.

ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وتصل إلى خمس سنوات، وغرامة تصل إلى مئتي ألف جنيه (نحو 4 آلاف دولار) كل من تعرض لأنثى فـي مكان العمل، وإذا كان المتحرش ممن لهم سلطة وظيفية أو إدارية على المجني عليها، تكون العقوبة بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات وتصل إلى عشر سنوات.

ترى منظمات حقوقية معنية بشؤون المرأة أن تخصيص مواد في مشروع قانون العمل تتعلق بالتحرش الوظيفي، يحمل اعترافا غير مباشر بحجم المعاناة التي تتعرض لها بعض النساء في مقار عملهن من أذى نفسي وجسدي ومعنوي، جراء وقائع تحرش وتلميحات جنسية لم تكن تواجه بصرامة لغياب العقوبات.

وجود عقوبات خاصة بالتحرش في بيئة العمل خطوة إيجابية تتوقف قيمتها بتطبيقها على الأرض

ويحمل توجه الحكومة لمواجهة التحرش الوظيفي نوايا حسنة تعبّر عن صرامة في مواجهة بعض العناصر التي تستهدف النساء قولا وفعلا، لكن هذا التحرك لا يزال يصطدم بانتشار ثقافة التسامح النسائي مع المتهمين بالمطاردات والإيحاءات الجنسية، وعدم اللجوء إلى القصاص والتقدم بشكوى ضدهم.

وصوّت نواب البرلمان بأغلبية مطلقة على تطهير المجتمع الوظيفي من التحرش الجنسي، لكن العبرة في خوف بعض النساء من التعامل معهن بنوع من الاستهداف والترهيب، أو التشهير بهن داخل بيئة العمل أو تدخل وسطاء للعفو عن المتهم حفاظا على مستقبله، وهي مخاوف لا يوجد لها حل واقعي.

وتلك المرة الأولى التي تتحرك فيها الحكومة للحد من التحرش الوظيفي بصرامة، فيما يرى البعض من الخبراء أن وجود عقوبات مشددة ضد المتحرشين في أماكن العمل لا يكفي إذا استمرت سلبية النساء وغابت عنهن جرأة المواجهة والاعتراف بتعرضهن لاعتداء لفظي أو جسدي أو تلميح جنسي من زملائهن ورؤساؤهن.

وتخشى أي امرة في مصر أن تبوح بتعرضها للتحرش، خاصة إذا كانت عاملة، خوفا من ردة فعل البيئة الوظيفية والتشكيك في أخلاقها، مع وجود حالة من التحفز ضدها في أحيان كثيرة، بتعمد لومها رغم أنها ضحية، أو الطعن في روايتها للإيحاء بأنها تدّعي الواقعة كنوع من الابتزاز أو محاولة جني مكاسب.

وفي أحيان كثيرة تقود تلك الشكوك إلى أن تعزف بعض النساء عن السير في إجراءات شكوى المتحرش، لأن من يستسهلون تقديم مبررات استباقية للواقعة ومحاولة تزييف الحقيقة يكون صوتهم أعلى، ويصبح التسامح مع الجاني فرض عين على هذه الفئة النسوية إلا لو كانت المرأة تمتلك الشجاعة التي تجلب لها حقها.

وأوحت ردود فعل العديد من النساء على التحرك البرلماني – الحكومي لمواجهة المتحرشين وظيفيا، بأن أغلبية المصريات كن يتطلعن إلى حمايتهن من العنف اللفظي والجسدي في أماكن العمل، لكن بينهن من يتحدثن عن استمرار صعوبة إثبات الواقعة وحمايتهن من ضياع مستقبلهن بخسارة الوظيفة إذا تجرأن.

هذه المادة في مشروع قانون العمل تهدف إلى أن تكون لدى الحكومة مبررات لتفعيل النصوص الخاصة بمكافحة جرائم التحرش الوظيفي

وترى شريحة نسوية أن إقرار عقوبات ضد التحرش في بيئات العمل دون مظلة حماية حكومية تنصف من تمتلك شجاعة المواجهة سوف يظل بلا قيمة حقيقية، لأن المؤسسات الوظيفية ليست لديها آلية للتحقق من شكوى ضحية التحرش، وعدم توفير الأمان الكامل إذا قررت الحصول على حقها من خلال القانون.

وتخشى من تتعرض لمضايقات في العمل من أن تخسر ماديا أو يتم التنكيل بها في ظل الحاجة الملحة إلى الوظيفة والمال أمام سوء الأوضاع المعيشية، لذلك قد يظل الصمت أمرا واقعا، لأن المجتمع نفسه يحتاج إلى وقت طويل كي يغير نظرته بشكل إيجابي ويتعاطف مع ضحية التحرش دون أن يصنفها أحيانا مذنبة.

ويرى خبراء في العلاقات الأسرية أن وجود عقوبات خاصة بالتحرش في بيئة العمل خطوة إيجابية تتوقف قيمتها بتطبيقها على الأرض، وهذا يتطلب وجود دعم أسري للضحية نفسها، لأن العائلة إذا ظلت سلبية وتركتها وحيدة تواجه المجهول أو تُجبر على الصمت كي لا تخسر الوظيفة فلن يُطبق القانون.

ويعتقد هؤلاء الخبراء أن الدعم الأسري لضحية التحرش بغض النظر عن وضعها الوظيفي، يظل أكبر حافز لها على الانتصار في معركة القصاص من الجاني مهما كانت سلطته في بيئة العمل، لأن المرأة الباحثة عن حقها ضد المتحرش تحتاج أولا إلى تشجيع عائلي بعيدا عن الخوف من الاستهداف أو التهديد بضياع المستقبل.

أكدت هالة حماد، استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة، أن شجاعة المرأة وحدها من تحدد معاقبة المتحرش أم لا، سواء أكانت عاملة أم ربة منزل، ولا ينفصل ذلك عن نمط تربيتها وعلاقتها بعائلتها، لكن تظل المشكلة في قناعة بعض الأسر بأن التحرش تصرف قد لا يستحق المحاسبة.

وأضافت في تصريح لـ “العرب” أن جزءا من مشكلة التحرش الوظيفي قد يُحل بالاعتذار أو التدخلات والضغوط التي تكون على المرأة، وثمة من تعتبر ذلك نوعا من الغزل، مع أن ذلك يُعطي المتحرش الحق في المزيد من الممارسات غير الأخلاقية، وتبقى العبرة في تطبيق القانون بقوة وشجاعة الأنثى نفسها.

وإذا كانت المرأة ضحية التحرش الوظيفي جريئة وصارمة في القصاص لنفسها، فإنها قد تُجبر على التنازل من الزوج أو الأب أو العائلة برمتها، من بوابة أن المجتمع نفسه اقتنع بأن النبش في قضية مرتبطة بجسد المرأة يمسّ شرفها، مع أن الحكومة قررت أن توفر لها الحماية إذا بلّغت عن تعرضها لتهديد أو ابتزاز.

ويمكن البناء على ذلك أن الحكومة إذا أرادت مواجهة صارمة مع المتحرشين في بيئات العمل عليها أن تلغي تنازل ضحية التحرش على مقاضاة الجاني، لأن ذلك لا يحدث إلا بضغوط تفوق قدرة المرأة على التحمل، من عناصر لها نفوذ وظيفي أو عائلتها، وتضطر إلى القبول بالتصالح بثغرة لم يغلقها القانون.

15