مصر تتجه للحد من القروض خوفا من تأثيراتها السياسية

الحكومة تضع شروطا صارمة للقروض بمشاركة الأجهزة الأمنية والرقابية.
الأحد 2024/11/03
بالنهاية نعرف من يحمل العبء الحقيقي

القاهرة- أكد قرار الحكومة المصرية بتشكيل لجنة إدارة ملف الديون وتنظيم الاقتراض الخارجي، وجود إرادة سياسية لاتخاذ إجراءات واقعية لفرملة تراكم الديون والحد من القروض، بعد تحول هذا الملف إلى أزمة تؤرق علاقة الحكومة بالمواطنين، وتجلب عليها منغصات سياسية، كونها تعثرت في إدارة الملف الاقتصادي برمته.

وتتشكل لجنة إدارة الديون والاقتراض برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية محافظ البنك المركزي، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ووزير المالية، ووزير الاستثمار والتجارة الخارجية، وممثل عن جهاز المخابرات العامة، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية، في إشارة بأن ملف الديون بات تحت متابعة صارمة من أبرز جهازين (أمني ورقابي) في الدولة.

وقالت دوائر مصرية إن التحرك نحو وضع حد للديون الخارجية هو رسالة سياسية أكثر منها اقتصادية، مفادها أن الحكومة ليست منفصلة عن مطالب الشارع والمعارضة بغلق ملف الديون أو على الأقل تحجيمه، ما يلقى تأييدا حكوميا يتناغم مع طموحات المواطنين بألاّ يعيشوا طوال الوقت تحت رحمة الاستدانة.

ويرفض أغلب المصريين أن يكون اقتصاد بلادهم قائما على المساعدات الخارجية والقروض، لأن ذلك سيجعل الحكومة تتخذ قراراتها وتضع سياستها وفق أجندة تتناغم مع الجهة المانحة، وما يترتب عليها من تراجع في الاستقلال السياسي، مقابل الانصياع لشروط قد يدفع ثمنها المواطن مستقبلا.

160.6

مليار دولار قيمة تراجع الدين الخارجي لمصر بنهاية مارس الماضي، مقابل 164.5 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الماضي

ووفقا لمشروع قرار الحكومة، فإن لجنة إدارة ملف الدين الخارجي تختص بإدارة ديون مصر دون استثناء، مع وضع حد أقصى للاقتراض الخارجي سنويا، يتحدد في ضوء معايير الاستدامة المالية، ولا يجوز الخروج عليه إلا في حالات الضرورة القصوى، وبموافقة مجلس الوزراء، ما يعني أن ملف الديون والاقتراض لن يخضع لرؤية أشخاص أو دوائر حكومية بعينها.

وتختص اللجنة بمناقشة بدائل سد الفجوة التمويلية بالعملات الأجنبية من المصادر الخارجية، وتحديد حجم الاقتراض الخارجي المطلوب، من خلال المصادر التمويلية المختلفة، بما لا يتخطى الحد الأقصى للاقتراض الخارجي (سقف الدين)، إضافة إلى تطبيق نظام حوكمة دقيق لتنظيم الحصول على سائر أدوات الدين الخارجي، بما يُكرّس الشفافية والمصارحة مع الداخل والخارج.

ويحق للجنة إدارة ملف الديون الموافقة أو رفض الحصول على قروض خارجية، ترغب فيها أيّ جهة مصرية، وإذا كانت هناك وزارة ترغب في الاقتراض لإنجاز مشروع تنموي عليها أولا تقديم دراسة جدوى مكتملة وبيان قدرة الدولة على سداد القرض، والعوائد التي سوف تجنيها من وراء المشروع.

وتوحي هذه الخطوة بأن الحكومة المصرية تعلمت من دروس الماضي بعد أن قررت التوقف عن الاقتراض العشوائي لأهداف تنموية لم يثبت جدواها على المدى القصير، ما جلب عليها غضبا شعبيا واسعا، لذلك قررت ربط أيّ اقتراض بوجود عوائد مباشرة للمشروع المستهدف.

وتوسعت الحكومة في مشروعات البنى التحتية والمدن الجديدة والطرق والجسور العملاقة من خلال الاقتراض الخارجي، بغرض تقديم صورة حضارية للدولة، لكن كل المشروعات ظلت تحظى بتحفظات من المعارضة لأنها أثقلت كاهل الناس بأعباء مالية عبر رفع الأسعار، وكي تنجح الدولة في سداد تكلفة القروض وجزء من الديون.

وتقرر رفض التعاقد مع أيّ شركة لتنفيذ مشروعات تحتاج إلى مكون أجنبي، طالما أن هناك بديلا محليا لنفس المشروعات، وأن تكون الأولوية لتمويل الاحتياجات الإستراتيجية، مع مراجعة ملف الديون بشكل دوريّ، ربع سنوي، والاتجاه إلى القروض التنموية التي تدعم السيولة وتقلل الفجوة الدولارية، بشروط ميسرة وآجال سداد طويلة وفائدة بسيطة.

وتتم مراجعة موقف الدين الخارجي ومؤشراته واستدامته وفوائده بمعرفة اللجنة كل ثلاثة أشهر، في خطوة تستهدف توصيل رسالة سياسية بأن الملف لا يُدار بشكل عشوائي، أو تتعمد الحكومة غض الطرف عنه، لكنها أصبحت لديها إرادة لتخفيف هذا العبء تدريجيا، على أن يُدار ملف الديون والقروض بشكل مؤسسي.

وقال الخبير الاقتصادي خالد الشافعي إن تشكيل لجنة عليا لإدارة ملف الديون خطوة جيدة يمكن البناء عليها لتحجيم القروض الخارجية، والتعامل معها وفق معايير صارمة، ومن المهم أن يشعر الناس بعوائد ذلك، مع وجود خطاب رسمي يقنع الناس بدعم الخطوة وتحمّل تبعات ما يمكن أن يؤدي لبعض الأعباء الإضافية.

خالد الشافعي: المصريون يدعمون خلاص بلادهم من الديون والقروض
خالد الشافعي: المصريون يدعمون خلاص بلادهم من الديون والقروض

وأضاف لـ”العرب” أن المصريين يدعمون خلاص بلادهم من الديون والقروض، لكنهم يريدون تحركات جادة لتفعيل الخطوة على الأرض، فالكثير منهم على قناعة بأن الصعوبات التي يعانون منها جزء منها سببه الديون والقروض، ويجب مشاركتهم في ما يحدث من إجراءات بالملفين لكسب دعمهم ورفع معنوياتهم.

ويبدو أن تلك الخطوة مرتبطة برد الفعل الإيجابي من بعض المصريين حول نجاح الحكومة في سداد نحو 24 مليار دولار من الديون الخارجية مؤخرا، بما يمكن البناء عليه لتتخلص بلادهم من أعباء الدين والكف عن القروض التي أثقلت موازنة الدولة، وتسببت في تدهور الأوضاع المعيشية للكثيرين، وقادت لارتفاع كبير في التضخم.

ووفق بيانات البنك المركزي المصري فإن الدين الخارجي لمصر تراجع ليسجل 160.6 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، مقابل 164.5 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الماضي، حيث عززت التدفقات الدولارية التي دخلت البلاد، مثل صفقة رأس الحكمة، وتعويم الجنيه والقضاء على السوق الموازية للعملة، سداد المستحق من الديون بواسطة تلك السيولة.

وهناك أصوات معارضة لا تعوّل على تشكيل لجنة لتحجيم الديون، وتراها بلا جدوى، باعتبار أن هناك قرارات تخص القروض تُظهر الدولة كأنها تدار بفكر قائم على الرؤية الواحدة، وإذا كانت الحكومة جادة في فرملة الديون عليها الاستعانة بمتخصصين مستقلين أكثر من المسؤولين التنفيذيين الخاضعين لسلطتها.

وتبني هذه الأصوات رؤيتها على أن الحكومة تورطت في مشاريع عملاقة من خلال قروض كان يمكن الاستغناء عنها أو جزء منها، لكنها حدثت من خلال تخطيط عشوائي، دون الاستماع إلى رؤى متخصصين، إذ حذّر بعضهم من أن تلك المشاريع سوف تؤثر على الأزمة التمويلية في مصر، وتثقل كاهلها بالديون.

وبعيدا عن كون الحكومة جادة في فرملة الديون والقروض من عدمها أصبحت مطالبة الآن بالكف عن التعامل مع الملف الاقتصادي باعتباره يخصها وحدها دون مشاركة الخبراء والمواطنين في التصورات لتكون تحركاتها مبنية على قناعة مجتمعية تضمن عدم الصدام، وتعيد بناء ثقة المصريين بها من جديد.

 

اقرأ أيضا:

        • تحويل العيادات إلى منشآت إدارية يولد صداما بين الأطباء والحكومة المصرية

1