مصر تتجه لتكريس إلزامية التعليم للحد من التسرّب المدرسي والجهل الأسري

تشريع جديد يعاقب على عدم تعليم الأبناء لمجابهة الأمية داخل الأسر.
الاثنين 2022/11/07
الدعم الحكومي للأسرة سيكون مرتبطا بمدى انتظام الأبناء في الدراسة

فاقم صمت الحكومات المصرية السابقة عن مواجهة تسريب الأبناء لتشغيلهم في حرف تدر دخلا ماديا من انتشار الظاهرة، وتسعى الحكومة الحالية لسن تشريع جديد يعاقب على عدم تعليم الأبناء. ورغم أن الحكومة لم تفصح عن طبيعة العقوبات المقرر فرضها على الأسر التي تحرم الأبناء من الحق في التعليم، إلا أن هناك إشارة إلى إمكانية ربط الدعم الحكومي لأي عائلة بمدى انتظام الأبناء في الدراسة.

القاهرة - تتجه الحكومة المصرية إلى إقرار تشريع جديد يستهدف مواجهة ظاهرة التسرب من التعليم وما يترتب عنه من اتساع دائرة الجهل بين أرباب الأسر مستقبلا، وكثرة حالات الزواج المبكر بين الفتيات، واستسهال ضياع حقوق الأبناء في التعليم، لمجرد أن الأبوين قررا من تلقاء نفسيهما عدم استكمال دراسة الأبناء لأسباب مختلفة.

وأعلن رضا حجازي وزير التربية والتعليم أمام مجلس النواب قبل أيام أن الحكومة ستتقدم بمشروع قانون يعاقب الأسرة التي تتعمد تسريب أولادها من التعليم وعدم استكمال الدراسة، لأن ذلك يتسبب في مشكلات أسرية قد يصعب حلها، ما يتطلب فرض عقوبات صارمة تجبر الأسرة على استكمال دراسة الأبناء بلا انقطاع.

وتعاني مصر من ارتفاع معدلات الأمية، إذ وصلت إلى 25 في المئة من تعداد السكان، 17 في المئة منهم تقل أعمارهم عن 45 عاما، أي الغالبية من الشباب والفتيات، وذلك جراء صمت الحكومات السابقة عن مواجهة الظاهرة بتشريعات تُجبر الأسر على ضمان حقوق الأبناء في التعليم وعدم تسريبهم لتشغيلهم في حرف تدر دخلا ماديا.

هالة حماد: إلزام الأسر بتعليم أبنائها لن يتحقق بالنصائح والإرشادات والتحذير من خطورة الأمية
هالة حماد: إلزام الأسر بتعليم أبنائها لن يتحقق بالنصائح والإرشادات والتحذير من خطورة الأمية

ولم تفصح الحكومة عن طبيعة العقوبات المقرر فرضها على الأسر التي تحرم الأبناء من الحق في التعليم، لكن عددا من نواب البرلمان تحدثوا عن إمكانية ربط الدعم الحكومي لأي عائلة بمدى انتظام الأبناء في الدراسة، مع حرمان أرباب الأسر الذين يسربونهم من التعليم من أي خدمات حكومية إلى حين عودة المتسرب إلى الدراسة.

وتجاهل ياسين محمد، وهو حارس عقار سكني بحي المطرية الشعبي في القاهرة، الاهتمام بعقوبات قد تفرضها الحكومة على الأسر التي يتسرب أبناؤها من التعليم، مبررا موقفه بأن لديه أربعة أطفال أكبرهم في الخامسة عشر من العمر، وجميعهم يعملون في حرف يدوية ويجلبون له مبالغ مالية بشكل شهري، ومهما بلغت مزايا الحكومة فلن تعوضه عن تلك المكاسب.

وقال الأب لـ”العرب” إن التعليم لم يعد ذا أهمية كبيرة لكثير من الفئات البسيطة في ظل غلاء المعيشة، فالأهالي ليست لديهم إمكانيات تجعلهم ينفقون على تعليم الأولاد مع شُح الموارد وقلة الدخول وتوقف الوظائف الحكومية، ولم يعد هناك بديل عن استغلال الأطفال في عمل يجلب للأسرة عوائد مالية.

وحال قررت الحكومة تطبيق هذا التشريع، تمسك ياسين بموقفه وأنه لن يُقدم على إلحاق أولاده بالتعليم لأنهم يساعدون الأسرة في النجاة من العوز وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة.

هكذا يفكر الكثير من البسطاء في الوقت الراهن، والأهم أن الوظائف في نظرهم تذهب إلى أبناء الأسر الميسورة، ولم يعد لأبناء محدودي الدخل حظوظ فيها.

ويبلغ عدد المتسربين من التعليم حوالي 150 ألف طفل سنويا، وهو رقم ضخم إذا ما علمنا أنه بعد أعوام قليلة سوف يصبح هؤلاء مسؤولين عن تكوين أسر في المستقبل، ما يكرس الجهل والأمية، ويضاعف التسرب التعليمي بين الأجيال، طالما أن الأبوين لا يدركان قيمة التعلم ولا يعيرونه اهتماما.

البيئة التعليمية لدى الأسر البسيطة طاردة، وهذا الشعور يتنامى بالتزامن مع موجات الغلاء المتصاعدة وتدهور المعيشة

ويرى خبراء أن العبرة ليست في سن عقوبات على الأسر تمنع التسرب من التعليم، بقدر ما تتحمل الحكومة جزءا من انتشار الظاهرة، حيث رفعت تكاليف الدراسة على الأسر ولم يعد عدد كبير منها قادرا على تلبيتها، ما يجعلها لا تقبل على تعليم أبنائها، خاصة مع تراجع دور المدارس والسماح بهيمنة الدروس الخصوصية على قطاع التعليم ما يتطلب إنفاقا ماديا كبيرا.

ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن البيئة التعليمية في مستويات الأسر البسيطة طاردة، والمشكلة أن هذا الشعور يتنامى بالتزامن مع موجات الغلاء المتصاعدة وتدهور مستوى المعيشة وارتفاع مصروفات المدارس وتنصل الحكومة من تطبيق مجانية التعليم التي أقرها الدستور، وكلها أسباب دفعت أرباب الأسر إلى تسريب الأبناء.

وتدرك الحكومة أن استمرار ظاهرة تسرب الأبناء من التعليم سوف يكرس الجهل الأسري في المجتمع، لأن هؤلاء سيرثون نفس الأفكار والخرافات والعادات التي تجاهد الدولة للقضاء عليها مثل الزواج المبكر وختان الإناث، وهي ملامح أصلها يعود إلى انتشار الأمية من خلال وقوع هذه الفئة فريسة لتقاليد خاطئة، ما يضع العراقيل أمام أي حكومة لتأسيس أسر متحضرة.

وتتعالى أصوات بشأن حتمية سن عقوبات على من يمتنعون عن تعليم الأبناء طالما أن الكثير من الأسر البسيطة لا تبالي بهذا الحق الإنساني، ويدعم أصحاب هذا الاتجاه مقترح ربط الخدمات الحكومية بالتزام الأبناء بالتعليم بشكل يدفع كل عائلة إلى مراجعة حساباتها، فلن يستطيع أحد التخلي عمّا تقدمه الدولة من خدمات أساسية، مثل التعليم والصحة وبرامج الحماية الاجتماعية.

وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية في القاهرة إن إلزام الأسر بتعليم أبنائها لن يتحقق بالنصائح والإرشادات والتحذير من خطورة الأمية، لأن الخطاب الإعلامي والثقافي والديني لن يصل إلى فئة تنظر إلى الأبناء بمنطق القوة الاقتصادية، ومن ثم لا بديل عن استخدام سياسة الترهيب مع تقديم إغراءات ومزايا للأسر الملتزمة.

Thumbnail

وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن بعض الأسر في مناطق ريفية وشعبية وقبلية تتعامل مع تعليم الفتاة كأنه من الأمور المعيبة، وورثت هذه الأفكار من الأجداد، على اعتبار أن الفتاة مكانها منزل والدها أو زوجها ولا قيمة لتعليمها، فهي في النهاية لن تذهب إلى وظيفة وسوف تصبح ربة منزل وعائلة لزوجها وأولادها ليس أكثر.

وأكدت أن القضاء على زواج القاصرات يبدأ من تطبيق إلزامية التعليم، لأن أغلب المراهقات اللاتي أصبحن أمهات تزوجن في سن صغيرة بعد تسربهن من المدارس، وإذا كان الزواج المبكر أساسه عدم استكمال التعليم فلا بديل عن التصدي للظاهرة بمعالجة أسباب الأزمة، لأن الجهل يؤدي إلى تكوين أرباب أسر جهلاء يفتقرون إلى الحد الأدنى من الوعي والفهم والتكيف مع مقتضيات العصر.

وبدت الحكومة المصرية أخيرا متقبلة لفشلها في محاربة الظواهر الأسرية السلبية، بسبب جهل أغلب أرباب العائلات بالحد الأدنى من التعليم، ولذلك أخفقت في غرس فكرة تنظيم الإنجاب للحد من الزيادة السكانية لدى المنتمين إلى هذه الفئة، كذلك لم تنجح في وقف ختان الإناث والتصدي للزواج المبكر للفتيات والمراهقين بسبب الجهل.

وبغض النظر عن إقرار عقوبات للحد من التسرب التعليمي أم لا، فالحكومة مطالبة بمعرفة الأسباب التي دفعت الأسر إلى هذا المسار، بحيث تكون الحلول مرتبطة بمشكلات الأسرة لتعالجها المؤسسات المسؤولة بعيدا عن سلاح الترهيب الذي لم يعد كافيا لعائلات أصبحت ترى أن الدعم الحكومي هو والعدم سواء.

17