مصر تبدأ مبكرا حجز مكانها في عملية إعادة إعمار ليبيا

تكثف مصر جهودها للانطلاق نحو السوق الليبية مبكرا للحصول على العديد من فرص الاستثمار في مجال إعادة الإعمار. وظهرت ملامح خطة تتضافر فيها الجهود الحكومية مع جهود القطاع الخاص لتعزيز التوجه نحو سوق من المتوقع أن تكون الأسرع نموا خلال الفترة المقبلة نتيجة الحاجة الماسة إلى جميع الاستثمارات.
القاهرة - بدأت مصر الاستعداد لحجز مكانها والمشاركة في عمليات إعمار ليبيا، وكشفت عن خطط للمساهمة في تنمية وبناء عدد من المشروعات والمرافق التي نالت منها الصراعات المحتدمة في البلاد خلال السنوات الماضية.
وترتكز الخطة المصرية على مشاركة حكومية بشكل مكثف في بداية الانطلاق عبر وزارة الإسكان والشركات التابعة لها، بهدف طمأنة وحفز شركات الاستثمار العقاري الخاصة بمصر على قنص مشروعات مختلفة في السوق الليبية.
وأشارت وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة في مصر أخيرا إلى خطة للتعامل مع عمليات إعادة الإعمار في ليبيا عبر تنفيذ 10 مشروعات كبرى في مجال التشييد والبناء والبنية الأساسية قريبا، كبداية لانطلاق عمل الشركات في عملية إعادة الإعمار الواعدة.
وقدرت الدراسات المبدئية للاتحاد العام للغرف التجارية المصرية حجم أعمال المرحلة الأولى من إعادة إعمار ليبيا بنحو 20 مليار دولار، فضلا عن الحاجة الماسة لنحو ثلاثة ملايين عامل في مجالات التشييد والبناء المختلفة لمواكبة الفورة العقارية المرتقبة.
وبدأت كبرى الشركات المصرية الخاصة بقيادة أوراسكوم للإنشاءات والمقاولون العرب والسويدي إلكتريك خطوات جادة للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار.
ودشنت الحكومة عشر مناطق لوجستية في مدينة السلوم المصرية المتاخمة للحدود الليبية لتعزيز سلاسل الإمداد من مواد البناء للشركات العقارية العاملة في ليبيا.
وتتيح هذه المناطق التي تتجاوز مساحتها نحو 400 ألف متر مربع جميع البضائع التي تحتاجها السوق بما يسهم في تسهيل عملية تدفق المنتجات المصرية للسوق الليبية.
وعبر هذه المناطق التي تتخصص في مواد البناء والمنتجات الغذائية والأجهزة الكهربائية وغيرها، تتمكن المنتجات المصرية من النفاذ إلى السوق الليبية بإعفاء كامل من الرسوم الجمركية بشرط أن تحمل المنتجات شهادة منشأ مصرية وألا يقل المكون المحلي بها عن 40 في المئة.
وكشف فتح الله فوزي رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين في تصريح خاص لـ”العرب” عن تشكيل لجنة متخصصة داخل الجمعية لحصر عدد الشركات المصرية التي لديها الاستعداد الفني والمالي للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار في ليبيا.
وتتمتع جمعية رجال الأعمال بعلاقات وطيدة مع الجانب الليبي وتصدرت مشهد المشاركة في عمليات إعادة الإعمار أكثر من مرة، فضلا عن تنظيمها زيارات متعددة لوفود من رجال الأعمال للسوق الليبية، واستقبالها لمنظمات أعمال ليبية تزور مصر بشكل منتظم.
وتتيح العلاقات القوية فتح آفاق لشركات العقارات المصرية في السوق الليبية، إلى جانب حرص منظمات الأعمال في مدينة درنة في شرق ليبيا على التعاون مع جمعية رجال الأعمال المصريين وتوقيعها لعدد من اتفاقيات التعاون المشترك.
وتصدرت الجمعية بوصفها أقدم منظمة أعمال للقطاع الخاص في مصر مشهد التعاون الاقتصادي مع ليبيا، وشاركت في الدورة الثانية لمؤتمر “التعاون الصناعي العربي التركي” في مدينة بنغازي، في يونيو 2012 وكانت أنقرة ترغب في قصر المشاركة بالمؤتمر على الشركات التركية.
وتمكنت الجمعية من استثمار علاقتها الجيدة بجماعات الضغط الاقتصادية في ليبيا والمشاركة بوفد ضم 50 مستثمرا مصريا في مجالات التشييد والبناء والاستشارات الهندسية والصناعات الغذائية والأجهزة المنزلية والإلكترونية.
وأضاف فوزي لـ”العرب” أن الجمعية تعكف حاليا على تنظيم زيارة لوفد ضخم يضم شركات القطاع الخاص العاملة في مجال الاستثمار والتطوير والاستشارات الهندسية للمشاركة في منتدى الاستثمار العربي الذي تستضيفه طرابلس منتصف أكتوبر المقبل.
وأوضح أن المنتدى تم تأجيله لمدة شهر، بعد أن كان من المقرر انعقاده منتصف سبتمبر لتعزيز المشاركة المصرية والعربية في فعالياته، وتكثيف الحشد لقنص فرص الاستثمار المتاحة في ليبيا.
وتحتاج ليبيا إلى كافة أنواع المشروعات الاستثمارية والعقارية بعد أن عصفت الحرب بغالبية مرافقها في وقت كانت تعاني فيه أصلا من ترهل في البنية التحتية.
ولفتت الدكتورة أمنية حلمي أستاذة الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن السوق الليبية تعزز من قدرات الشركات العقارية المصرية على النمو بشكل قوي، حيث اكتسبت خبرات كبيرة خلال السنوات الماضية عبر مشاركتها في المشروعات العقارية المختلفة داخل مصر.
وشهدت مصر خلال السنوات الماضية فورة عقارية ضخمة، قامت خلالها ببناء مدن ذكية ومشروعات ضخمة في مجالات البنية الأساسية بنحو 285 مليار دولار.
وأوضحت حلمي لـ”العرب” أن هناك نقاط قوة تدعم فرص مشاركة الشركات المصرية في مجالات إعادة الإعمار، في مقدمتها وفرة العمالة وخبرتها بالسوق الليبية، فهناك ارتباط قوي بين العمالة غير المنظمة في قطاع التشييد والبناء وهذه السوق منذ عقود، وهي نقطة مهمة ترتكز عليها طبيعة عمليات التشييد والبناء.
وأكدت أن المناطق اللوجستية التي دشنتها مصر على الحدود الليبية تعزز تنافسية مشاركة الشركات المحلية في مختلف القطاعات، نتيجة انتظام سلاسل الإمداد المستمر الذي يمنح مصر فرصة خاصة في منطقة شرق ليبيا، المتاخمة لحدودها.
ويسهم التحرك نحو المشاركة في إعادة إعمار في حلّ مشكلات اقتصادية تواجه مصر ومنها تشبع السوق من الإسمنت ووجود مخزون راكد في الأسواق بنحو 35 مليون طن تبحث عن أسواق لتصريفها، فيما يصل حجم الإنتاج نحو 85 مليون طن مقابل طلب قوته 50 مليون طن، الأمر الذي دفع ثلاث شركات للخروج من السوق.
وتستحوذ مواد التشييد والبناء على النسبة الأكبر من حركة التجارة بين مصر وليبيا بنسبة 42 في المئة بقيمة 360 مليون دولار من إجمالي حجم التبادل التجاري الرسمي البالغ 850 مليون دولار العام الماضي، ما يكشف عن فرص تصديرية تلوح في الأفق لهذا القطاع.
ويمكن للسوق الليبية أن تستوعب كامل الفائض المصري من الإسمنت، وتفتح بابا لتصدير الإسمنت أيضا من تونس والجزائر بوصفهما أقرب سوقين إليها، لأن مواد التشييد والبناء من البضائع المكلفة في عمليات التصدير نتيجة ثقل وزنها.