مصر تؤهل المراهقين للزواج بعيدا عن ثقافة العائلة

التوعية تسد فجوة معرفية حول أبجديات الأسرة المستقرة.
السبت 2024/02/03
العام الأول من الزواج المحطة الأصعب بالنسبة إلى الشريكين

تخوض الأجيال الجديدة في مصر تجربة الزواج دون فهم صحيح لدستور العلاقة، ولا تدرك معنى الأسرة، ما يتسبب في انهيارها والوصول إلى الطلاق في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وهو ما دفع السلطات المصرية إلى إطلاق مبادرة جديدة تستهدف تدريب الشباب بدءا من سن الثامنة عشرة في مختلف محافظات الجمهورية على مواجهة مشاكل الحياة الأسرية وتجاوزها حفاظا على كيان الأسرة.

القاهرة - ذهبت الحكومة المصرية إلى ما هو أبعد من مجرد تأهيل المقبلين على الزواج من خلال جلسات تثقيفية، وقررت الوصول إلى فئات عمرية أقل، بدءا من سن المراهقة حتى منتصف العشرينات، لتوعيتهم بأسس الحياة الزوجية باعتبار أنهم سيصبحون في المستقبل أرباب أسر، بحيث يتم تحصينهم من دوامة الطلاق المبكر الذي يقع في السنوات الأولى من العلاقة الزوجية، وجزء كبير منه ناتج عن عدم الخبرة.

وقررت وزارة التضامن الاجتماعي في مصر من خلال المشروع القومي للحفاظ على كيان الأسرة (مودة) إطلاق مبادرة جديدة تستهدف تدريب الأبناء بدءا من سن الثامنة عشرة، على مستوى محافظات الجمهورية، ويتم تمكينهم بما ينفعهم في مستقبلهم وضمان حقهم في أخذ فرصة تكوين أسرة وتعريفهم بأسس بناء الأسرة المستقرة وكيفية الحفاظ عليها من التحديات والتقلبات المختلفة.

ويرمي المشروع التوعوي الجديد أيضا إلى رفع وعي الأبناء في سن مبكرة وإكسابهم المهارات عبر التوعية بالجوانب ذات الصلة بالحياة الأسرية السليمة لسد الفجوة المعرفية لديهم في هذا المجال وتعريفهم بالأدوار المختلفة لأعضاء الأسرة والحقوق والواجبات، مع التركيز على أهمية اختيار شريك الحياة على أسس سليمة لضمان حياة مستقرة.

ويتطرق البرنامج إلى قواعد التربية الإيجابية عندما يكبر الأبناء ويصبحون أزواجا في المستقبل، مع تعليمهم طُرق إدارة الموارد المالية للأسرة، ومهارات التواصل الإيجابي والفعال بين الشريكين، وخطوات حل المشكلات التي يتعرض لها الزوجان، بالإضافة إلى تعريفهم بالجوانب الشرعية في الحياة الأسرية وما يخص الصحة الإنجابية.

البرنامج التوعوي يتطرق إلى قواعد التربية الإيجابية عندما يكبر الأبناء ويتزوجون، مع تعليمهم طُرق إدارة موارد الأسرة

واستقرت الحكومة المصرية على تأهيل الأجيال الصاعدة للزواج الصحي بعد تفسير وشرح أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأولى من العلاقة، حيث تبين أن 38 في المئة من وقائع الانفصال تقع في الأعوام الثلاثة الأولى، وهو مؤشر على أن الشاب والفتاة يكون اختيارهما على أسس غير دقيقة، ويخفقان في إدارة خلافات المرحلة الأولى من الحياة الزوجية فيحدث الطلاق سريعا.

وتدرك دوائر رسمية في مصر أن تأهيل المراهقين والمراهقات للزواج ضرورة لمواجهة ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع، وسبق أن أبدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي انزعاجه من زيجات تأسست بناء على علاقات عاطفية ثم انهارت سريعا، واصفا ذلك بالخطر الكبير الذي يستدعي التأهيل المكثف.

وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة بتأهيل المراهقين والأجيال الجديدة نفسيا وسلوكيا واجتماعيا واقتصاديا قبل الزواج، وتعريفهم بشكل العلاقة بعد الارتباط الرسمي، على أمل الاستعداد للعلاقة والتخفيف من وطأة التغيير الذي يحدث في حياة الزوج والزوجة بعد التخلي عن العزوبية والدخول في مرحلة تكوين أسرة وإنجاب أطفال.

وتظل مشكلة الكثير من الشباب والفتيات من المنتمين إلى الجيل الحالي أنهم يتعاملون مع الزواج باعتباره عادة أو طقسا يرتبط بالأعراف والتقاليد، وليس شراكة وإنجابا ومواجهة صعوبات الحياة بالتكامل والتضحية لاستكمالها معا، وإذا غابت الرفاهية يحدث طلاق، حتى أن دعاوى الخلع في المحاكم أصبحت لأسباب واهية.

ويرى متخصصون في العلاقات الزوجية أن التأهيل المبكر للمراهقين يحصنهم من الأفكار المغلوطة التي يتوارثونها عن عائلاتهم تجاه مؤسسة الزواج، لأن انتقال الشاب والفتاة من المراهقة إلى تحمل المسؤولية دون فهم لما سوف يقابل كلاهما قد يؤدي إلى أزمات يخفق الطرفان في حلها، ما يعزز أهمية التوعية بمتطلبات الحياة الزوجية.

وتقرر أن يشارك في الدورات التأهيلية أعضاء من فروع مشروع “مودة” الأسري ومتخصصون في فروع مختلفة، من بينهم رجال دين وخبراء في قضايا الأسرة والنواحي النفسية والصحة الإنجابية والتربية الصحيحة للنشء، وخبراء في التنمية البشرية وإدارة الموارد للتوعية بطريقة التصدي للمشكلات المرتبطة بالظروف الاقتصادية.

وقالت هالة حماد، استشارية العلاقات الزوجية وتقويم السلوك في القاهرة، إن “التأهيل المبكر يرفع مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية قبل الانتقال من مرحلة المراهقة إلى المسؤولية دون فهم ووعي وخبرة، كما أن الكثير من الأسر تورث لأبنائها أفكارا مغلوطة عن الزواج تستوجب مواجهتها من خلال متخصصين”.

Thumbnail

وأضافت لـ”العرب” أن “فترة المراهقة تتشكل خلالها مفاهيم الشاب والفتاة عن الزواج، وهنا لا بد من التدخل بخطاب توعوي بسيط يلبي حاجة الطرفين إلى المعرفة والثقافة المطلوبتين، ويسد الفجوة في العلاقة الزوجية، ويظل التحدي الأكبر في تشجيع الأسر لأولادها على الانخراط في مسارات التأهيل للزواج وهم في سن المراهقة”.

ويؤدي الزواج من دون حصول كل طرف على معرفة كافية بالعلاقة مع الآخر وإدارة الحياة معه بمرونة إلى كثرة الخلافات وتضخيمها ولو كانت بسيطة، ما يهدد العلاقة برمتها حتى لو نتج عنها أطفال، وهذا يفسر أحد أسباب ارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأولى من الزواج إلى درجة أن بعض حديثي الارتباط ينفصلون بعد شهور قليلة لدوافع قد تكون واهية أو يصعب تصديقها.

وتشير الكثير من مبررات الطلاق في مصر إلى أن الأجيال الجديدة تخوض تجربة الزواج بلا فهم صحيح لدستور العلاقة، ولا تدرك معنى الأسرة، وهو ما يظهر في محاولة كل فرد أن يفرض سيطرته على الآخر بلا تشارك أو تفاهم، فيصبح الانفصال القرار الأول قبل أن تتدخل العائلة الكبيرة لمحاولة ترميم العلاقة بمعالجة القصور.

ويظل العام الأول من الزواج المحطة الأصعب عند الشريكين في سبيل تكوين أسرة ذات قوام راسخ، وأمام انشغال كل عائلة بمواجهة صعوبات الحياة يتجاهل الأبوان تثقيف أولادهما بأبجديات العلاقة الزوجية، ما يجعلهم يدخلون هذه المؤسسة بترقب وحذر، وإذا فشلت محاولات التأقلم مع التغيير في حياة الشريكين يحدث الانفصال.

وهناك قناعة حكومية بأن الطلاق المبكر عنوان رئيسي للزواج المبكر، ومن الطبيعي أن تظهر مبادرات توعوية لتأهيل المراهقين طالما فشلت كل الحلول لمواجهة زواج الأطفال، وبالتالي كان لا بد من التدخل لاستقطاب أفراد هذه الشريحة بعيدا عن أفكار الأسرة العقيمة لتحصينهم من الزيجات المبكرة وتأهيلهم لمرحلة الزواج الصحيح.

وأكدت هالة حماد لـ”العرب” أن “ارتفاع معدلات الطلاق المبكر تسبب في صدمة نفسية للكثير من الشبان والفتيات، وأصبحت رؤيتهم للزواج مليئة بالحواجز النفسية التي قد يصعب تجاوزها، وهذا يتطلب جهدا توعويا مضاعفا لإعادة الثقة للأجيال الصاعدة في مؤسسة الزواج بشكل عام قبل أن تتسع دوائر التمرد بين هذا الجيل تجاه كل ما يرتبط بتلك العلاقة المقدسة”.

والميزة الأهم في الدورات الموجهة إلى صغار الشبان في مصر أنها تطبق بطريقة أقرب إلى المحاكاة، ويتم سرد مشكلات واقعية تواجه الأسر وحديثي الزواج، وشرح مبسط لطريقة حلها بحكمة وعقلانية، حيث تناقش الأزمات التي يعاني منها الأزواج أنفسهم بعيدا عن الجلسات الروتينية.

15