مصر تؤهل المأذونين الشرعيين لمحاربة الطلاق غير الشرعي إنقاذا للأسرة

يقلل استفتاء رأي المؤسسة الدينية في كل حالة طلاق على حدة، من أجل إثبات وقوعه من عدمه، من انتشار الظاهرة في المجتمع المصري الذي صار يعاني من التفكك الأسري من وراء التسرع في هدم كيان الأسرة لأسباب أغلبها واهية. وتشير المعطيات إلى أنه يصل إلى جهة الفتوى في مصر قرابة أربعة آلاف حالة طلاق شهريا، لذلك التجأت مصر إلى تأهيل المأذونين من أجل الحد من الظاهرة.
القاهرة – لم يعد لجوء الزوجين في مصر إلى المحكمة لتوثيق الطلاق بعد وقوعه بداية للانفصال النهائي وهدم كيان الأسرة، حيث تتجه النية إلى إلزام المأذونين باستفتاء رأي المؤسسة الدينية في كل حالة على حدة لإثبات وقوع الطلاق من عدمه قبل توثيقه رسميا إذا تم الشك في صحته، وهو ما استقرت عليه دار الإفتاء باعتبار أن بعض المأذونين ليسوا مؤهلين للحكم على كون الطلاق وقع أم لا، وذلك بهدف التقليل من انتشار الظاهرة في المجتمع.
وأطلقت دار الإفتاء أول مبادرة من نوعها لتدريب المأذونين على التحقيق في الطلاق. وقال شوقي علام مفتي الديار المصرية في تصريحات إعلامية إن مشكلة الطلاق كبيرة وتحتاج إلى عناية خاصة من كل الجهات، دينية واجتماعية وبحثية ونفسية وإعلامية، لبحث الأسباب والحلول بحيث تكون النصوص الشرعية آخر طرق العلاج.
وتقول المبادرة إذا شك المأذون في حالة طلاق لا بد أن يُحيل السائل لدار الإفتاء لحل المشكلة، فإذا وقع طلاقه يكون توثيقه مطلوبا، أما إذا لم يكن واقعا فيتم التوفيق بين الزوجين والصلح بينهما بعيدا عن الاستسهال في إصدار الأحكام التي تقود إلى هدم الأسرة والتفريق بين الشريكين لأسباب واهية.
وترى دار الإفتاء أن بذل الجهد من جانب المؤسسة الدينية والمأذونين من أجل التحقق من صحة الطلاق أم لا من شأنه خفض معدلات الانفصال النهائي، لأن هناك أزواجا يلجأون إلى المحاكم لإثبات الطلاق مع أنهم في حاجة ملحة لمن ينير بصيرتهم ويتحدث معهم ويسمع منهم كيف وبأي طريقة كان النطق بالطلاق.
ويصل إلى جهة الفتوى في مصر قرابة أربعة آلاف حالة طلاق شهريا، وقال المفتي إن أربع حالات فقط هي التي يتم إثبات وقوعها بعد الجلوس مع الزوجين من جانب أمناء الفتوى والسماع منهما بشكل تفصيلي للظروف والأسباب والدوافع التي أوصلت الزوج لهذه المرحلة، وما إذا كان الطرفان متوافقين على الانفصال النهائي أم لا.
مشكلة الكثير من المأذونين في مصر أنهم يسايرون الأزواج في طلب الطلاق دون التحقق من صحة وقوعه أم لا، باعتبارهم غير مخول لهم الحكم عليه بشكل علمي وشرعي، ولا تتم إحالة الزوجين إلى المؤسسة الدينية الرسمية التي يحق لها وحدها أن تصدر حكمها النهائي وتتحمل مسؤولية إثبات وقوع الطلاق الشفهي أم لا.
وأكد إسلام عامر نقيب المأذونين المصريين لـ”العرب” أنه التقى علام مفتي الجمهورية واتفق معه على تحديد بنود ومعايير للألفاظ والظروف والأسباب التي يتم الحكم من خلالها على وقوع الطلاق أم لا بحيث يستخدمها كل مأذون ويستند عليها في تعاملاته مع الزوجين، وتتحمل المؤسسة الدينية وحدها هذه المسؤولية.
وأوضح عامر أن المأذونين في مصر لو استجابوا لطلبات الطلاق التي ترد إليهم يوميا لأصبح 70 في المئة من الأزواج مطلقين، فقد يأتي الشريكان وحدهما لتوثيق الطلاق دون علم أسرتيهما، وهنا يكون التدخل باشتراط وجود أفراد من العائلتين للصلح، لأن التسرع في هدم الأسرة كارثة يدفع ثمنها جميع الأطراف.
ومازالت أزمة النسبة الأكبر من الزوجين الراغبين في الطلاق بمصر أنهما يطلبان إنهاء العلاقة الزوجية لأسباب تبدو غير مقنعة، وأصبح الانفصال الطريق الأول الذي يسلكانه لإراحة كل منهما، والمعضلة عندما يقوم المأذون بتنفيذ الطلب باعتباره موظفا مسؤولا عن ذلك، دون محاولة للصلح أو اللجوء إلى العائلتين.
وقال شريف العماري استشاري العلاقات الزوجية في القاهرة، وهو أيضا مأذون شرعي، إن نسبة كبيرة من المأذونين لا يعرفون الأبعاد القانونية والاجتماعية والنفسية للطلاق، لأنهم يحصلون على هذه الوظيفة بناء على ترشيح من قضاة المحاكم، ولا يتم تأهيلهم أو تدريبهم بشكل علمي وميداني لكيفية الفصل في حالات الطلاق.
وأوضح لـ”العرب” أن اللجوء إلى عائلتي الزوجين عند الطلاق من الأمور الأساسية بحيث تكون هناك محاولة للتوفيق بينهما ومنحهما فرصة التفكير لمرات كثيرة، وهذا لا يفعله بعض المأذونين، وتسبب في زيادة معدلات الانفصال وهدم كيانات أسرية كان يمكن أن يتم ترميمها بسهولة لو جرى التعامل معها بعقلانية دون تسرع.
وغالبا ما يكون الزوجان في حيرة من أمرهما عن السؤال عن حكم وقوع الطلاق في مشكلتهما، وقد يرفع المأذون العبء عن نفسه ويصدر حكما بأن الطلاق وقع، مع أن المعايير التي حددتها دار الإفتاء لمثل هذه الحالات تكون بالعكس، ما دفع المؤسسة الدينية للتدخل لتكون وحدها الفاصلة في مثل هذه الأمور لخفض معدلات الطلاق.
وتُتهم دار الإفتاء بأنها متساهلة مع الأزواج، ونادرا ما تصدر حكما بوقوع الطلاق الشفهي، باعتبارها أكثر تحررا فكريا في هذه المسألة ولا تميل إلى استسهال هدم العلاقة الزوجية لمجرد أن الزوج قال لشريكته “أنتِ طالق”، بل تأخذ وقتا طويلا في سماع وجهتي نظر الزوجين، وهل الزوج نادم أم كان يقصد بالفعل الطلاق، ولديها المفتين المتخصصون في التوفيق بين الشريكين.
والجهة الوحيدة التي تقول إن الطلاق وقع أم لا في مصر هي دار الإفتاء، ولديها قائمة طويلة من المعايير التي تحكم بها وفق مذاهب فقهية متعددة، وتبحث عن أي ثغرة تقوم من خلالها بترميم العلاقة بين الزوجين، لكن المشكلة في تصدر علماء دين متشددين للمشهد، يلجأ إليهم الشريكان أحيانا ليحكما لهما بوقوع الطلاق.
ورأى شريف العماري أنه في بعض الأحيان تقول الزوجة لشريكها “لو لم تطلقني سوف أقتل نفسي وأنتحر”، وهنا لو قام الزوج بتطليقها لمنع وقوع كارثة فالبعض من المتشددين يفتون بوقوع الانفصال، مع أن هذا غير حقيقي، لأن الزوج اضطر لذلك حفاظا على حياة شريكته، وهذه أمور تحدث كثيرا وقد تنهار أسرة بسبب الجهل بالفصل في إجراءات طلاقها.
ويأتي تحرك دار الإفتاء في هذا المسار كمحاولة للبحث عن حلول بعيدة عن توثيق الطلاق وعدم الاعتراف به شفهيا وتقليل معدلاته إلى الحد الأدنى في ظل تربع مصر على قائمة الدول الأكثر طلاقا على مستوى العالم، لكن الحكومة تبدو غير مرتاحة لاستمرار هذا الوضع وتأمل في حلحلة الجمود تجاه إلغاء الطلاق الشفهي.
ويقول متخصصون في العلاقات الأسرية إنه لا يمكن تحجيم الطلاق طالما أن الحكم على وقوعه أم لا ينبع من قناعات شخصية وأحكام يصدرها رجال الدين والمأذونون، ولا بديل عن تدخل حكومي بتشريع مدني لا يعترف إلا بالطلاق الموثق فقط، وهو ما قد يتحقق من خلال قانون الأحوال الشخصية الذي ينتظر أن يناقشه البرلمان قريبا.
وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان مؤخرا أن قانون الأحوال الشخصية يتيح له التوقيع على تطبيق الطلاق الموثق للحفاظ على حقوق المرأة والأبناء وخفض معدلات الانفصال بالمجتمع باعتبار أن استسهال هدم الكيانات الأسرية من الأمور التي تحتاج إلى حلول جذرية.