مشروع قانون للمحاكمات في مصر لتخفيف الضغوط بورقة حقوق الإنسان

مجلس النواب يُقوّض صلاحيات الأمن في القبض والتفتيش وإجراءات الحبس.
الأربعاء 2024/11/06
التشريع الجديد يلزم أجهزة الأمن بضمان حقوق المحكوم عليهم وحرياتهم

تتجه السلطات المصرية لإقرار قانون الإجراءات الجنائية لتلافي السلبيات المرتبطة بالحبس الاحتياطي والحقوق والحريات وإجراءات التقاضي، للتأكيد على وجود إرادة لدى النظام المصري لتحسين المناخ السياسي، وتجاوز الانتقادات الخارجية في الملف بما يتسق مع الأمن القومي.

القاهرة - تؤكد نقاشات مجلس النواب المصري لمشروع قانون الإجراءات الجنائية أن الحكومة تعمل على تحسين وضع حقوق الإنسان، وتقديم صورة إيجابية عن النظام المصري، بعد أن طالته اتهامات نشطاء ومعارضين بتضييق الخناق على الحريات، والاستسهال في العمل بقانون الحبس الاحتياطي.

وعقد مجلس النواب جلسة عامة الثلاثاء، لليوم الثالث على التوالي لمناقشة تقرير اللجنة المشتركة، المشكلة من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ومكتب لجنة حقوق الإنسان، بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي أعدته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية.

ولم يتوقع أغلب المعارضين أن يٌقدم مجلس النواب على بث الجلسات العامة لمناقشة قانون الإجراءات الجنائية على الهواء مباشرة، في إشارة توحي بأن السلطة ليس لديها ما تخفيه، وما تقوله الحكومة في الخفاء هو نفس ما تُعلنه.

وتدرك الحكومة المصرية أنه مهما بلغ التقارب مع غالبية دول الاتحاد الأوروبي حول ملفات إقليمية تقوم فيها القاهرة بدور فاعل، لن يُغني عن حتمية تسليط الضوء على جهودها في المجال الحقوقي، وسط استمرار الحراك الذي تقوده منظمات مهتمة بمجال حقوق الإنسان، محلية ودولية، لخفض تصنيف مصر في الملف الحقوقي.

خالد داوود: الأهم من القانون وجود إرادة لفتح أفق العمل السياسي في مصر
خالد داوود: الأهم من القانون وجود إرادة لفتح أفق العمل السياسي في مصر

وترى دوائر سياسية في القاهرة أن الطريقة التي يتعامل بها البرلمان مع قانون الإجراءات الجنائية، يرمي منها تحقيق أهداف سياسية عبر التأكيد على وجود إرادة لدى النظام المصري لتحسين المناخ السياسي، وأن أجهزة الدولة ماضية في ضبط سجلها الحقوقي وتجاوز الانتقادات الخارجية في الملف، بما يتسق مع الأمن القومي.

وثمة شواهد تشير إلى أن الحكومة تريد توصيل رسائل إلى الخارج أكثر منها للداخل، وهو ما ظهر في كلمة وزير الخارجية بدر عبدالعاطي أمام مجلس النواب، الأحد، فمناقشة قانون الإجراءات الجنائية تتزامن مع استحقاقات دولية مرتبطة بالجولة الرابعة للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في شهر يناير المقبل.

وتعتزم القاهرة الترشح لعضوية مجلس حقوق الإنسان الدولي، ضمن انتخابات العضوية الجديدة، ما يفسر إصرار البرلمان والحكومة على تلافي السلبيات المرتبطة بالحبس الاحتياطي والحقوق والحريات وإجراءات التقاضي وحماية المحبوسين والكف عن استهداف أي شخص بلا إذن قضائي.

وقال القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية المعارضة خالد داوود إن قانون الإجراءات الجنائية قد لا يؤثر في السجل الحقوقي لمصر، فلا تزال هناك شخصيات سياسية محبوسة احتياطيا على تهم مرتبطة بالرأي، وبالتالي فالأهم من القانون وجود إرادة لفتح أفق العمل السياسي داخل مصر.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن العبرة ليست بالقوانين المعاصرة، لكن بآلية تطبيقها، والإجراءات المتخذة على الأرض، إذ يصعب إنهاء ملف الحبس الاحتياطي دون إرادة ولو نص القانون على ذلك، ومن الضروري عدم النظر إلى أصحاب الرأي على أنهم يشكلون خطورة، ولا يجب حبسهم احتياطيا من الأساس.

القانون الجديد يكرّس وجود حد أقصى للحبس الاحتياطي لأي متهم، وبعدها يحصل على البراءة مباشرة طالما لم يصدر حكم نهائي ضده

واللافت في مناقشات مجلس النواب لقانون الإجراءات الجنائية، الذي يُنظم إجراءات التقاضي وكل ما يرتبط بالحبس والمحاكمات، أن البرلمان استجاب لتوصيات واعتراضات قدمتها النقابات وبعض الهيئات المهتمة به.

وأعلن نواب المعارضة الذين اعتادوا الوقوف بوجه غالبية القوانين المقدمة من الحكومة موافقتهم على القانون الجديد، بعد الاستجابة غير المشروطة للملاحظات التي تقدمت ضد بعض المواد، وكانت تمس حقوق الإنسان عامة، وبعض النقابات المهنية خاصة، ولم تعد هناك نصوص محل خلاف محتدم.

وظهرت مرونة النظام في تحسين ملف القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الاستجابة للكثير من مطالب المعارضة، حيث أصبح من الممكن تجنيب المتهم الحبس الاحتياطي في القضايا التي لا تؤثر على الأمن والاستقرار، واستبدال ذلك بتدابير أخرى أكثر آدمية، كأن يمكث المتهم في منزله لحين محاكمته أو تُراقب تحركاته دون حبس.

وأصبح هناك نص قانوني لأول مرة، يحجّم نفوذ أجهزة الشرطة في عمليات القبض والتفتيش ودخول المنازل، وبات الأمن مطالبا بالحصول على إذن قضائي مسبب لاتخاذ تلك الإجراءات، احتراما لحقوق الأفراد وحرياتهم، كضمانة دستورية لعدم الاستهداف العشوائي أو التضييق على شخصيات بعينها بلا وجه حق.

وتقرر سحب اختصاص المنع من السفر من أجهزة الأمن، ليكون هذا الإجراء وفق حكم قضائي تقوم على أساسه أجهزة الشرطة بتنفيذ الحكم، في تحرك غير مألوف من مجلس النواب والأحزاب القريبة من السلطة، إذ لم يكن ممكنا تقييد يد الأمن بتلك الصورة أو سحب الكثير من صلاحياته في عمليات القبض وتحركات الأفراد.

النصوص النهائية المطروحة أمام البرلمان لقانون الإجراءات الجنائية تشير إلى أن التيار الذي يدعم الإصلاحات السياسية في الدولة له صوت قوي

وعانت مصر كثيرا من الاتهامات التي طالتها على مدار سنوات من إطلاق يد الأمن في الملف الحقوقي وعمليات التفتيش والاعتقال، ما أثار منغصات سياسية عديدة للسلطة، وكثيرا ما تسببت وقائع ضبط نشطاء في حدوث ضغوط على القاهرة، ما استدعى وضع حد لتلك الأزمة عبر نصوص قانونية ملزمة لجهاز الشرطة.

وألزم التشريع الجديد أجهزة الأمن بضمان حقوق المحكوم عليهم وحرياتهم، وإخضاع جميع مراكز الاحتجاز للإشراف القضائي والحقوقي للتأكد من مطابقتها لمبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية المنظمة للسجون، على أن تكون هناك عمليات تفتيش ومراجعة دورية لمراكز الاحتجاز لضمان تنفيذ الحبس بمعايير إنسانية.

وتشير النصوص النهائية المطروحة أمام البرلمان لقانون الإجراءات الجنائية إلى أن التيار الذي يدعم الإصلاحات السياسية في الدولة له صوت قوي، ولديه قناعة بأن سياسة الدفاع بنفي تهمة انتهاك حقوق الإنسان لا قيمة لها ما لم تكن هناك إجراءات ملموسة على الأرض تضمن الاستقرار والحقوق معا.

وأظهر تعاطي الحكومة مع بعض مطالب المعارضة والمنظمات الحقوقية بشأن النصوص التي كان تم التحفظ عليها، وتخص الحبس الاحتياطي، بأنها اقتنعت بعدم وجود ميزة سياسية تعود عليها إذا استمرت في العناد، ومهما تم التسويق لمرحلة سياسية جديدة سوف تستمر الشكوك لأن ملف المحبوسين لم يُحسم.

ويكرّس القانون الجديد وجود حد أقصى للحبس الاحتياطي لأي متهم، وبعدها يحصل على البراءة مباشرة طالما لم يصدر حكم نهائي ضده، بعد أن ظل الحبس الاحتياطي عقوبة لا سقف زمني لها، وجرى استغلالها لمضايقة بعض النشطاء والسياسيين المعارضين للحكومة، خاصة أصحاب الرأي الذين يُتهمون بإثارة الرأي العام.

وتؤكد هذه التحركات أن الحكومة يعنيها في المقام الأول أن تكف المنظمات الحقوقية المحلية والأجنبية وبعض الحكومات الغربية عن المتاجرة بملف الحريات والحبس الاحتياطي وحقوق الإنسان، من خلال نصوص قانونية مرنة لا تجعل القاهرة تحت ضغط حقوقي طوال الوقت.

وتسبب تلكؤ السلطة في إلزام المؤسسات المعنية بتشريعات تضمن حقوق الإنسان بمعايير دولية في ظهورها بصورة العاجز عن الدفاع عن نفسه حيال أعداد المحتجزين قسريا أو المحبوسين على ذمة قضايا، والتي غالبا ما تكون الأعداد مبالغا فيها، حتى تقرر غلق الثغرة بقانون يقطع الطريق على الضغوط السياسية المعتادة.

2