مشروع قانون "الإيجار القديم" يحرج السلطة المصرية في توقيت حساس

القاهرة- تواجه الحكومة المصرية أزمة معقدة ترتبط باحتدام الجدل النقابي والحزبي والشعبي حول مشروع قانون “الإيجار القديم” الذي يُبيح تحرير القيمة الإيجارية للوحدات السكنية القديمة، بينما تصر الحكومة على تمرير القانون بأيّ شكل، وترفض الرضوخ لضغوط سياسية ومجتمعية تلاحقها، كي لا تبدو عاجزة عن حل المشكلة.
ونشرت معلومات تفيد أن مجلس الوزراء قرر التراجع عن مشروع قانون “الإيجار القديم” خشية ردة الفعل العنيفة، لكن مجلس النواب نفى الإقدام على تلك الخطوة، وقال رئيس لجنة الإسكان في مجلس النواب محمد الفيومي إن الحكومة “لم تسحب المشروع وتصر على مناقشته، وإن أدخلت تعديلات عليه، وترغب في تمريره خلال الفترة المقبلة“.
وتصطدم الحكومة برفض نقابي وحزبي وشعبي لقانون يسمح بإنهاء عقد الإيجار خلال خمس سنوات، ما يعني أن صاحب العقار من حقه طرد المستأجر وعدم تمديد عقد الإيجار بشكل يرقى للإخلاء القسري، وهي أزمة تراها أحزاب ونقابات مقدمة لمواجهة مجتمعية، ما يشكل خطورة سياسية وسط تحديات مصيرية.
تحذيرات الحكومة حملت رسالة غير مباشرة للأحزاب والنقابات والمواطنين بأنه لا بديل عن القبول بمشروع القانون، لأن العواقب وخيمة
وحذر وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي في الحكومة محمود فوزي من تبعات عدم تمرير مشروع القانون في الدورة البرلمانية الحالية، لأن البديل لجوء كل طرف (المالك والمستأجر) إلى القضاء الذي قد يحكم بالطرد من السكن أو تحرير العلاقة ورفع القيمة الإيجارية لأرقام فلكية، على عكس قانون الحكومة.
وحملت تحذيرات الحكومة رسالة غير مباشرة للأحزاب والنقابات والمواطنين بأنه لا بديل عن القبول بمشروع القانون، لأن العواقب وخيمة، وهي نبرة لم تعتدها الحكومة في التعامل مع أزمة قد تكون لها تداعيات خطيرة، بشكل دفع البعض للتشكيك في نواياها والإيحاء أنها تحاول تمرير القانون لصالح فئات بعينها.
ويرى مراقبون أن عناد الحكومة وإصرارها على موقفها رسالة بأنها قادرة على اختراق ملفات شائكة عجزت عنها حكومات سابقة، وهي إشارة لأطراف عدة تؤكد أنها لا تستسلم بسهولة أو تخشى المساس بملفات محظورة سياسيا ومجتمعيا ولو كانت تواجه تحديات كبيرة، وماضية في اختراق موروثات قاسية.
وفي كل دورة برلمانية، يفتح نقاش حول تعديل قانون الإيجار القديم، وآخرها عام 2022 ولم تحرز الحكومة وقتها تقدما حقيقيا، لأنها اضطرت إلى تجميد النقاش أمام ردة فعل عنيفة جاءت من قوى سياسية وحقوقية ونقابية، غير أن إصرارها هذه المرة يشير إلى أنها عازمة على المضي باتجاه تمريره بشتى السُبل.
ولدى بعض دوائر السلطة قناعة بوجود شبكات مصالح تقف وراء الرفض الواسع لتمرير مشروع قانون “الإيجار القديم”، بينهم مسؤولون سابقون وأعضاء برلمان ونقابات يستفيدون من بقاء الوضع الراهن بلا تغيير، كأن يكون هناك مبنى قيمته الملايين من الجنيهات يُستأجر ببضعة جنيهات، وجزء من الرفض مرتبط بفئة مستفيدة.
وتتحرك الحكومة المصرية في الملف بخطوات بطيئة، وترغب في إقرار القانون بهدوء، لكنها أمام تعقيدات تكتنفه، وعدم وجود توافق عام حوله، وتحتمي بقرار صدر من المحكمة الدستورية في نوفمبر الماضي وأقر عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للوحدات السكنية.
وألزمت المحكمة الدستورية الحكومة ومجلس النواب بإيجاد بدائل ملائمة خلال دور الانعقاد الحالي (تنتهي في يوليو المقبل) ما يضع السلطة في مأزق، لأنها مُطالبة بحلحلة العقدة خلال أسابيع قليلة دون منغصات سياسية، فهناك شريحة ممن ينطبق عليهم القانون سوف تصبح مضطرة إلى ترك منازلها قريبا.
ويرتبط الرفض الواسع للمقترح الحكومي بأن القانون ينص على ألا تقل القيمة الإيجارية عن ألف جنيه شهريا (نحو 20 دولارا) مع إقرار زيادة سنوية في قيمة الإيجار بنسبة 20 في المئة، وتحرير أو إنهاء العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات، وهذا يمس نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية بنظام الإيجار القديم في ربوع مصر.
وجزء من المشكلة أن بعض الأحزاب القريبة من السلطة تتمسك بعدم الموافقة على تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية، بينما لم يُعرف عن تلك الأحزاب أنها وقفت ضد تمرير مشروع قانون، أيّ قانون، وبينهم “مستقبل وطن” الذي يحتكر الأغلبية البرلمانية، لكنه يخشى من انعكاس ذلك على صورته في الانتخابات المقبلة.
شريحة كبيرة من المستأجرين لا تعارض وجود زيادة معقولة في القيمة الإيجارية، لكن تشكك في نوايا الحكومة
كما أن حزب “الجبهة الوطنية”، وهو أحد أكبر القوى السياسية على الساحة، قال إن مشروع القانون بالصيغة التي تقدمت بها الحكومة يمهد لتشريد بعض الفئات الضعيفة من مساكنهم، وهو موقف يتناغم ضمنيا مع بعض النقابات المهنية التي رفضت المقترح، مثل الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين، لأن عددا من أعضاء هذه النقابات من المستأجرين لوحدات سكنية قديمة بأسعار زهيدة.
وجزء من الرفض الحزبي لمشروع قانون “الإيجار القديم” يرتبط بالتوقيت، لأن الانتخابات البرلمانية اقتربت (بين أغسطس ونوفمبر المقبلين) والخاسر الأكبر من تمرير تعديلات القانون هم كبار السن وأصحاب المعاشات والبسطاء، وهم رقم في المعادلة الانتخابية، واختارت بعض الأحزاب الوقوف إلى جانبهم لكسب أصواتهم.
ولا تعارض شريحة كبيرة من المستأجرين وجود زيادة معقولة في القيمة الإيجارية، لكن تشكك في نوايا الحكومة التي حاولت طمأنتهم بتوفير وحدات سكنية بديلة عندما يحين موعد إخلاء الوحدات وتسليمها لأصحابها، لأن أسعار الوحدات التي تخصصها الدولة للبسطاء تباع بأسعار فلكية، فكيف ستحمي المستأجرين من الإخلاء القسري.
وقال رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي إن المطلوب من الحكومة تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بعدم تثبيت القيمة الإيجارية، لأن مشروع قانون “الإيجار القديم” لا يرضي أيّ طرف، وتحرير القيمة الإيجابية في هذا التوقيت خطأ سياسي، والبلد لا يحتمل هزات اجتماعية، ومن غير المقبول فرض الأمر الواقع على الناس.
وأضاف لـ”العرب” أن على الحكومة مراجعة نفسها قبل أن تكون عبئا على النظام والدولة، وهناك حكم دستوري يجب احترامه من قبل الحكومة والملاك والمستأجرين، وما يحدث يقود إلى مشكلة حقيقية، مصر في غنى عنها، وأمام التحديات الجسيمة يجب أن يتم التعامل مع تكريس الاستقرار كأولوية بدلا من تفجير لغم اجتماعي.
وما لم تكن خطوات الحكومة مدروسة جيدا ستواجه باستمرار الرفض الحزبي والبرلماني، خشية تحول الصراع المكتوم بين الملايين من المواطنين (ملاك ومستأجرين)، إلى صدام له تبعات مجتمعية، ما يفرض التخلي عن العناد والمكابرة، وتقبّل رغبات كل طرف كي يخرج مشروع القانون بأقل خسائر سياسية ومجتمعية ممكنة.