مشاهد انفجار بيروت عالقة في أذهان صحافيين نقلوا الحدث

صور قصص ومعاناة يعيشها صحافيو لبنان والمصورون الذين وثقوا حادثة انفجار بيروت فمنهم من أصيب بجروح ومنهم من لا يزال تحت الصدمة.
الأربعاء 2021/08/04
استعادة مشهد لن يمحى من الذاكرة

بيروت- عاش المصورون الصحافيون الذين وثّقوا انفجار مرفأ بيروت أصعب لحظات حياتهم، وبعد عام على الانفجار لا يزال هول الكارثة عالقاً في أذهانهم.

وتلقى الصحافيون والمصورون الصدمة الأولى عندما كانوا في قلب أحد أكبر الانفجارات في العالم ينقلون صور ومشاهد الدمار والخراب الذي حل بمدينة بيروت. وخلف تلك المشاهد والصور قصص ومعاناة عاشها المصورون في ذلك اليوم المشؤوم، فمنهم من أصيب بجروح ومنهم من لا يزال تحت الصدمة.

ووقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6 آلاف، فضلاً عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية، وفق أرقام رسمية. ومن بين أخطر المواقف التي عاشها المصورون ما حصل مع المصور جهاد زهري الذي وصل إلى أرض الحدث قبل وقوع الانفجار بدقائق قليلة.

ووصل زهري إلى طريق محاذ للمرفأ والمطل على العنبر 12 ثم بدأ التصوير من مسافة تبعد نحو 300 متر عن النيران المشتعلة بالعنبر الذي كان يحوي أطنانا من نيترات الأمونيوم.

31 صحافياً لبنانياً وأجنبياً أصيبوا في انفجار بيروت منهم من كان في الميدان وآخرون في مكاتبهم 

وكان زهري وهو مصور فيديو في قسم أخبار محطة “الجديد” التلفزيونية يظن أن أمام عدسته مجرد حريق لا أكثر، دون أن يعلم كمعظم اللبنانيين أن “هيروشيما بيروت” كانت تحته.

وكان الحريق اندلع في العنبر قبل الانفجار، حيث كانت تخزن فيه 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم شديدة الانفجار منذ عام 2014 بعد مصادرتها من سفينة شحن، وفق تقديرات رسمية غير نهائية.

ووثق زهري اللحظات الأخيرة من النيران التي سبقت الانفجار، وما هي إلا ثوان حتى تحول من مصور إلى جريح، بعدما طار كريشة في الهواء وسقط مصاباً في رأسه وأنحاء أخرى بجسده.

وذكرت مؤسسة “سكايز” للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (غير حكومية) أن واحدا وثلاثين صحافياً لبنانياً وأجنبياً أصيبوا في الانفجار، خمسة منهم في الميدان، وأحد عشرة في منازلهم، وخمسة عشر في مكاتبهم، كما تضررت خمس وعشرون مؤسسة إعلامية بنسب متفاوتة.

ويقول زهري إن آخر ما شاهده كانت كتلة لهب دوّت في وجهه، ولا يذكر سوى القليل من المشاهد المغبشة لدمار وغبار وسيارات محطمة. ويعتبر زهري أن الانفجار نقله من خلف الكاميرا إلى أمامها بعدما أصبح جزءاً من الحدث وواحد من بين الآلاف من الجرحى، قبل أن ينقله أحد الأشخاص إلى المستشفى على متن دراجة نارية.

بعد عام على الانفجار لا يزال هول الكارثة عالقا في أذهان اللبنانيين
بعد عام على الانفجار لا يزال هول الكارثة عالقا في أذهان اللبنانيين

بدوره كان المصور حسام شبارو من بين من التقطوا صورة لزميله زهري وهو متكئ على الأرض جراء إصابته، بعدما وصل إلى محيط المرفأ على متن دراجته النارية بعد دقائق من الانفجار. لكن قبل وصوله إلى الموقع، يقول شبارو إن ضخامة صوت الانفجار جعلت من الصعوبة تحديد مكانه، فكل من سمعه ظن أن الانفجار وقع على مقربة منه.

ويضيف أنه عندما دوى الانفجار ظن أنه اغتيال لأحد السياسيين، مشيرا إلى أنه تتبع الدخان المتصاعد، وكلما اقترب من وسط المدينة كان الدمار يزداد إلى أن وصل إلى مكان الكارثة.

ويقول شبارو المصور الفوتوغرافي في جريدة “النهار” إن هول الدمار في محيط المرفأ جعله يحتار من أين يبدأ التصوير، ويضيف “حتى الهواء كان مدمراً، ضحايا وجرحى في كل مكان، وبعضهم كان محاصراً بين الركام”.

ولفت إلى أنه عندما شاهد حجم الدمار اعتقد للوهلة الأولى أن الانفجار ناتج إما عن قصف إسرائيلي أو عمل إرهابي كبير، وقد وقع في حيرة بين التصوير أو المساعدة. وامتدت أضرار الانفجار على مسافة 8 كيلومترات، وطالت نحو 62 ألف وحدة سكنية و20 ألف مؤسسة تجارية، وفق الباحث في الشركة الدوليّة للمعلومات محمد شمس الدين.

أما المصور الفوتوغرافي نبيل إسماعيل الذي غطى الحرب الأهلية اللبنانية طيلة 15 عاماً فيقول إن انفجار الرابع من أغسطس كان نقطة تحول في حياته، خصوصاً عندما اكتشف أن بيروت كانت تحوي قنبلة شبه ذرية. ويقول إن عدسته لم يهزها القصف ولا الانفجارات التي وقعت خلال الحرب الأهلية، إلا أن انفجار المرفأ فعل ذلك وأكثر.

وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6 آلاف

ويشرح أنه خلال الحرب كانت الانفجارات والقذائف تخلف أضراراً يمكن للمصور أن يحصرها ببقعة ما، أما ضخامة انفجار بيروت جعلتنا نعجز عن السيطرة عليه “صحافياً”، بحسب قوله. ويضيف أنه فور وصوله إلى الموقع دخل حالة “لاوعي”، كما شعر بأن الناس المتواجدة في المكان كانت بحالة جنون بسبب فظاعة المشهد.

ويذكر إسماعيل يومها أنه حينما سمع صوت الانفجار ظن في البداية أنه استهداف لأحد السياسيين “هكذا اعتدنا في لبنان”، بحسب ما قال، قبل أن يدرك حقيقة ما حدث. وفي ذلك اليوم أيضاً خرج المصور الصحافي حسين بيضون إلى شرفة منزله المطل على المرفأ فرأى غيمة رمادية تغطي السماء، يرافقها صوت مفرقعات وهدير لم يألفه في حياته.

وهمّ بيضون لالتقاط كاميرته والخروج من المنزل نحو المرفأ لتصوير الحريق، قبل أن تبدأ الأرض بالاهتزاز من تحته، ثم وقع الانفجار الذي جعله يطير مع أثاث منزله.

18