مشاركة الأزواج لصورهم على فيسبوك لا تكشف حقيقتهم

الزواج السعيد يتطلب التمتع بكل لحظة فيه، والحفاظ على الخطط المحفزة لعيش حياة جميلة دون نشر أي تفاصيل.
الخميس 2020/06/25
صور لا تعكس الحقيقة

لا يتوانى الكثير من الأزواج خاصة منهم حديثي الزواج عن نشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي رغبة منهم في إظهار السعادة التي يعيشونها ونجاح حياتهم الزوجية، في حين يعتبر أخصائيو العلاقات الأسرية أن هذه الخطوة قد لا تدل على سعادة الأزواج بقدر ما تؤشر على فشل العلاقة بينهم.

لندن – يدمن أزواج كثر نشر أدق تفاصيل حياتهم بما فيها صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يعود السبب في ذلك إلى ظنهم بأن هذه الصور سوف تكون وسيلة إثبات على أن حياتهم الزوجية يكتنفها الاستقرار والسعادة، إلا أن دراسات حديثة أكدت أن الأشخاص الذين لا يتبعون هذا الأسلوب في حياتهم هم أكثر سعادة.

وقال الدكتور هاشم الفاخوري مختص الطب النفسي والإدمان في الأردن، إنه مع التطور التكنولوجي الذي شهده العالم عرفت الساحة بروز العديد من وسائل التواصل الاجتماعي والتي باتت تشغل حيزا كبيرا في حياتنا اليومية. وأشار إلى أن العديد من الناس ينشرون كل صغيرة وكبيرة في حياتهم في هذه المواقع قصد مشاركتها مع أصدقائهم للتفاخر أو للدعاء والاستعطاف.

وأظهرت دراسة في علم النفس الاجتماعي أن الأزواج السعداء لا يقومون بنشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أولئك الذين يحبون إعطاء تفاصيل أكثر عن حياتهم معا، بالإدلاء ببيانات وإضافة العديد من الصور يبررون بشكل غير مباشر عدم شعورهم بالأمان في علاقتهم مع بعضهم.

وأكدالفاخوري أن الزواج السعيد يتطلب التمتع بكل لحظة فيه، والحفاظ على الخطط المحفزة لعيش حياة جميلة دون نشر هذه الأشياء على الإنترنت للآخرين ليروها، يكفي أن الزوجين راضيان عن بعضهما البعض، لذلك فلا حاجة للآخرين للانخراط في الحياة معهما.

ولفت إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الزوجين السعيدين لا يشاركان عادة العلاقة بينهما ومدى عيشهما حياة ممتلئة بلحظات الفرح والسعادة. وقد يكون سبب ذلك أن الأزواج السعداء يحبون قضاء بعض الوقت مع بعضهم البعض وليس عليهم التصريح للجميع بجمالية الأوقات السعيدة والرومانسية بينهم، لذلك يفضلون قضاء بعض الوقت معا والاستمتاع بكل لحظة من دون الشعور بالحاجة إلى إظهار ذلك لشخص ما.

وكشفت الدراسة أن شركاء الحياة كلما نشروا صورا مثالية على فيسبوك، كانوا أقل سعادة في حياتهم الواقعية، إلا أن نتائج الدراسة كشفت أيضا أن الأزواج الذين أعلنوا عن علاقاتهم رسميا على فيسبوك هم أكثر التزاما من غيرهم، كما بيّنت أن الأشخاص الملتزمين بعلاقات مريحة حقا يكونون أقل حاجة للتظاهر على فيسبوك.

وأفاد خبراء العلاقات الزوجية أن بعض الأشخاص يقومون أحيانا باستعراض أجزاء من حياتهم الخاصة على فيسبوك أو تويتر أو إنستغرام رغبة منهم في إقناع ذواتهم والمتابعين لهم بالصورة التي يتمنون أن يكونوا عليها، كأن يكونوا عاطفيين أو رومانسيين.

الأشخاص الذين يستعرضون حياتهم عبر الصور يرغبون في إقناع ذواتهم والمتابعين لهم بما يتمنون أن يكونوا عليه

وأوضحوا أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تبرز الصورة المثالية عن حياة الأشخاص ونفسياتهم، وهي بذلك تعكس الجوانب الإيجابية والجميلة في حياتهم وتتغاضى عن الجوانب السلبية والتي تحمل في طياتها خفايا سيئة ومؤذية.

وقالوا إن الابتعاد عن الواقع الافتراضي والاقتراب من الحقيقة أثبت في الكثير من الأحيان أن وراء المنشورات والصور السعيدة يختفي الكثير من مشاعر الحزن والألم والاكتئاب.

ويرى الباحث جورج نيتزبرغ أن الخطر الحقيقي لوسائل التواصل الاجتماعي يكمن في المقارنات الاجتماعية التي يخوض فيها المرء عندما يقارن حياته ومظهره بما يظهره الآخرون عن حياتهم ومظاهرهم، وشعوره بأن غيره ينعم بالسعادة أكثر منه، لكن الواقع هو أن غالبية الأشخاص ليسوا بذات كمّ السعادة البادي عليهم في صورهم الباسمة على فيسبوك وإنستغرام.

وكشف علماء الاجتماع أن الصور التي ينشرها الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي لا تكشف حقيقة واقعهم، وأشاروا إلى أنه من السهل أن يظهر الزوجان على مواقع التواصل الاجتماعي بصور تشعل الغيرة في قلوب الآخرين، وتجعلهم يتمنون لو كانوا مثلهما، إذ يوفر إنستغرام وفيسبوك عرضا مستمرا من اللحظات المثالية في حياة الآخرين، لافتين إلى أنه بين الحين والآخر يظهر موقف ما وأن ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي مجرد جزء من الحقيقة.

ووجدت دراسة أجرتها الباحثة ليديا إيمري حملت عنوان “هل تعرف أنني في علاقة” أنه عندما يشعر الأشخاص بعدم الثقة في مشاعرهم تجاه شركائهم، يميلون إلى نشر الكثير عن علاقاتهم على فيسبوك يوميا، موضحة أن الهدف من ذلك إلقاء الشخص نظرة فاحصة على منشوراته عن العلاقة بوسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ما إذا كان يحاول التعويض عن الرومانسية التي يفتقدها في الواقع، أو ما إذا كانت علاقته تحتاج لتخفيف الضغط المستمر الناتج عن محاولة الحصول على رضى ودعم الآخرين على هذه الوسائل.

وقال المختصون إن الحب المعلن يمكن اعتباره بحثا عن الاطمئنان الذي تفتقده العلاقة الزوجية في الحقيقة، كما أنه يمكن أن يكون فيضا من المشاعر فضل الشريكان مشاركته مع متابعي مواقع التواصل، وقد تؤثر هذه المشاركة على طبيعة العلاقة بين الأزواج، فتدفعهم إلى التكلّف من أجل الحفاظ على صورتهم المعروضة أمام الأنظار.

وأوضح عالم الاجتماع الأميركي إرفينج جوفمان في كتاب نشره سنة 1959، أنه في التفاعل الاجتماعي كما هو الحال في العروض المسرحية، توجد منطقة “المرحلة الأولى” حيث يكون الممثلون على المسرح أمام الجمهور، ووعيهم بذلك الجمهور وتوقعات الجمهور للدور الذي يجب أن يلعبوه يؤثر على سلوك الممثل، وهناك أيضا منطقة خلفية أو “خلف الكواليس”، حيث يمكن للأفراد الاسترخاء، وأن يكونوا هم أنفسهم، والدور أو الهوية التي يلعبونها عندما يكونون أمام الآخرين.

ويرى جوفمان الذي يستخدم صور المسرح من أجل تصوير الفروق الدقيقة وأهمية التفاعل الاجتماعي وجها لوجه، ويضع نظرية التفاعل الاجتماعي التي يشير إليها بالنموذج الدرامي للحياة الاجتماعية، يمكن تشبيه التفاعل الاجتماعي بالمسرح، والناس في الحياة اليومية باللاعبين على المسرح، كلّ يلعب مجموعة متنوعة من الأدوار، أن الناس وهم يتفاعلون معا في البيئات الاجتماعية، يشاركون باستمرار في عملية “إدارة الانطباع”، حيث يحاول كل منهم أن يقدم نفسه وأن يتصرف بطريقة تمنع إحراج أنفسهم أو الآخرين.

وأوضح عالم الاجتماع أن ذلك يتم في المقام الأول من قبل كل شخص يكون جزءا من التفاعل الذي يعمل لضمان أن يكون لدى جميع الأطراف تعريف الموقف نفسه، وهذا يعني أن الجميع يفهم ما المقصود أن يحدث في هذه الحالة، وما الذي يتوقعه الآخرون، وبالتالي كيف هم أنفسهم يجب أن يتصرفوا.

21