مسلمات يرفضن المصافحة في النرويج.. تبديد فرص التعايش

حادثة مسجد أوسلو الأخيرة وما اعتراها من رفض مسلمات مصافحة ولي العهد النرويجي أوحت أن الأمر يشبه حلقة سياسية مفرغة لا تتوقف. إسلام موصوم بعلاقة خفية مريبة مع الإرهاب.
الخميس 2019/08/29
حين يتجسد التطرف في حركة

على خلفية تعرض مسجد لهجوم مسلح في ضواحي أوسلو، العاصمة النرويجية، يوم 10 أغسطس الماضي قام ولي العهد النرويجي هاكون ماغنوس، بزيارة مساندة وتعاطف للمسجد الخميس الماضي.

 الزيارة تركت انطباعات قوية وأثارت في الوقت نفسه جدلا كبيرا في النرويج. والجدل لم ينبع من الزيارة نفسها بقدر ما ترتب عن رفض نساء مسلمات مصافحة ولي العهد، ما وفر فرصة ثمينة للأحزاب اليمينية المتطرفة لطرح أسئلة كثيرة عن مدى تحقق الاندماج وإثارة قضايا الهجرة والمواطنة.

الحادثة تحولت إلى حدث مركزي، ووفرت فرصة ثمينة للأحزاب اليمينية المتطرفة التي حاولت استعمال حادثة عدم المصافحة دليلا على وجاهة أطروحاتها العنصرية حول المسلمين والهجرة والاندماج وغيرها من القضايا.

وتحول الاهتمام من الحدث الأصلي (زيارة المساندة التي أداها ولي العهد)، إلى الحادثة الفرعية (رفض المصافحة) والتي دفعت بالمتابعين، من أنصار الأحزاب اليمينية وسواهم، إلى طرح أسئلة كثيرة عن الدوافع العميقة والخفية التي تقف وراء رفض مصافحة ضيف جاء لتقديم رسائل مساندة.

في عمق الحادثة دوافع أيديولوجية ودينية كثيرة تحثّ على وجوب “تجنب” المصافحة بين الرجال والنساء. وهي عادة لا تقتصر على الفضاء الإسلامي، بل توجد كذلك لدى طوائف كثيرة من اليهود والمسيحيين وغيرهم. لكن هذه العادة، المنتشرة في فضاءات دينية كثيرة، تتخذ أهمية أكبر حين ترتبط بأحداث سياسية محددة، وتوقيتات موسومة بالتوتر الديني، وحين تحدث في فضاءات الهجرة أو اللجوء.

على أن استغلال الأحزاب اليمينية المتطرفة في النرويج للحادثة وتحويلها إلى دليل على صواب توجهاتها العنصرية، لا يمنع أيضا من الإشارة إلى أن الرافضات للمصافحة فوتن على أنفسهن وعلى الجالية المسلمة المقيمة في النرويج، وأوروبا عموما، فرصة الاستفادة السياسية من زيارة ولي العهد.

رفض المصافحة بيّن أن المسلمات يرابطن في مواقعهن الفكرية القديمة، التي تحدد كل التفاعلات والمواقف بمعيار أيديولوجي وديني صارم، قوامه النظر للمرأة على أنها موضوع إثارة جنسية، وبناء على ذلك التصور فإن عليها تجنب كل الأفعال التي تمثل منطلق إثارة أو شهوة أو غواية بين الرجل والمرأة، ومن ذلك التصور ترتبت أيضا مواقف رافضة للاختلاط والمساواة، وصولا إلى وجوب التحجب وغيرها.

حاجج البعض بأن في رفض المصافحة ضرب من ضروب الحرية، لكن الثابت أن في فعل المصافحة ذاته، تواصل إنساني وتبادل للاحترام، بصرف النظر عن الاختلافات الدينية والحضارية والجغرافية، وهي أيضا إشارة سلمية مفادها خلو اليد من السلاح ورسالة سلام وأمان توجه للآخر، قريبا كان أو بعيدا. ولذلك طرح في النرويج سؤال بسيط مفاده أنه إذا رفضت تلك المسلمات مصافحة ضيف جاء ليقدم رسالة سلام ومساندة واحترام، فكيف سيكون التصرف مع الآخر المختلف؟

تعيش الجالية المسلمة في أوروبا في السنوات الأخيرة أياما عصيبة، إذا هي واقعة بين سندان التيارات الإسلامية المتطرفة التي قدمت صورة بشعة عن الإسلام، الدين الذي يحق للجالية المقيمة في أوروبا مواصلة اعتناقه وممارسة طقوسه، وبين مطرقة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي لا تفوت فرصة التقاط أي حدث من هذا القبيل لتطلق أحكامها التعميمية على كل المسلمين وتصمهم بأنهم مهاجرون يحملون معهم قيمهم العنيفة وآراءهم العدوانية الرافضة للآخر.

 وهي وضعية حتمت على الكثير من الفاعلين السياسيين والدينيين وجوب بذل مجهود أكبر للتدليل على وجود مسافات بين الإسلام والإرهاب، وتأكيد ان الإسلام، مثل غيره من الديانات، لا يتناقض مع السلام والاعتراف بالآخر المختلف، وأنه يحمل في ذاته كل ممكنات التعايش. في هذا الصدد تمثل حادثة رفض المصافحة انتكاسة سياسية وحضارية، تبدد المجهود الذي بُذل طيلة سنوات عبر مبادرات ولقاءات ومؤتمرات.

حادثة مسجد أوسلو الأخيرة وما اعتراها من رفض مسلمات مصافحة ولي العهد النرويجي أوحت أن الأمر يشبه حلقة سياسية مفرغة لا تتوقف. إسلام موصوم بعلاقة خفية مريبة مع الإرهاب، وتصورات يمينية تواظب على تكرار تلك اللازمة، رغم الجهود الفكرية والسياسية المبذولة من المسلمين والمسيحيين. تنفرج الأوضاع أحيانا ثم تعود إلى الدوران بمجرد اندلاع حادثة من هذا القبيل. في داخل الحلقة المفرغة تدخل التيارات المتطرفة (سواء كانت إسلامية أو عنصرية مسيحية) على الخط، لتخدم التيارات اليمينية التي تقرأ الأحداث على أن المهاجرين يريدون أسلمة أوروبا، أو التيارات الإسلامية التي ترى في الأمر حربا على الإسلام.

13