النهضة في نسختها المتشنجة

التصريحات التي أدلى بها عبدالكريم الهاروني رئيس مجلس شورى حركة النهضة، لقناة تلفزيونية خاصة الأحد، اختصرت نظر الحركة للعملية السياسية وللعلاقات مع الأحزاب وللوضع الراهن في البلاد.
تزامنت تصريحات الهاروني مع بيان رئاسة مجلس نواب الشعب حول التهديد الإرهابي الذي تعرضت له عبير موسي، رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، وكان البيان للمفارقة غير ممهور بإمضاء رئيس المجلس أو من ينوبه.
انطلاقا من هذا التزامن يمكن التقاط موقف حركة النهضة وتصورها لما يسود الراهن السياسي التونسي، على خلفية تضافر عوامل تفشي وباء فايروس كورونا، مع تردي أوضاع الاقتصاد، إضافة إلى تصاعد الدعوات لمحاسبة رئيس البرلمان، وصولا إلى ما ترتب عن التهديدات الجدية التي طالت عبير موسي بالاغتيال.
في عمق هذا التداخل السياسي كانت حركة النهضة، باعتبارها صاحبة قوة نافذة في البرلمان وفي الحكومة، “متهمة” بالمشاركة في صنع كل هذه التداعيات، في إدارة أزمة الوباء، كما في الاقتصاد، كما في صنع مناخ سياسي موتور لا يمكن أن ينتج إلا عنفا سياسيا وتهديدات بالقتل.
المثير في هذا المفصل المتصل بالتهديدات التي وصلت عبير موسي، أن حركة النهضة لم تصدر بيانا إلى حد اللحظة، يندد بالإرهاب والعنف السياسي، واكتفت ببيان رئاسة مجلس نواب الشعب، وهي هنا كأنها تضمر التداخل بينها وبين البرلمان، أو تقدر أن بيان رئاسة البرلمان (غير الممضى) كاف للتعبير عن مواقفها، ولو أن البيان يحمل من التعبيرات والصياغات ما يشير إلى أنه صيغ بقلم نهضوي صميم.
في تصريحات الهاروني الأخيرة التي اعتبرت أكثر شخصية تتعرض للتهديد من الإرهاب هي رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بسبب تحركاته في سبيل خدمة تونس والديمقراطية، وفي تعمد النهضة عدم إصدار بيان يتفاعل مع مسألة سياسية بالغة الخطورة على المشهد الراهن في البلاد، إصرار على صنع مناخ سياسي متشنج، يذكر بما ساد في العام 2013 من اغتيالات وتهديدات وعنف سياسي وعمليات إرهاب.
لم تتواضع النهضة للإقرار بأن العنف السياسي هو سليل خطاب سياسي وإعلامي يقوم على التأثيم والوصم بالعار، وهو نتيجة ما يهيمن على فضاءات التواصل الاجتماعي من حملات مغرضة ضد الخصوم السياسيين، ولم تركن إلى الاعتراف بأن الإرهاب يولد من رحم المناخ المتوتر الذي ساهمت الحركة باقتدار، في صنعه من خلال الخطاب المزدوج؛ خطاب القيادات وخطاب القواعد.
الخطاب الذي تسوقه النهضة مؤخرا، تفاعلا مع القضايا التي طرأت على الساحة السياسية التونسية، وخاصة تفاعلا مع الدعوات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الداعية إلى حل البرلمان وإسقاط الحكومة، أكد أن الحركة مرتابة وخائفة، لا على وضع البلاد وأحوالها الاقتصادية والاجتماعية، بل هي خائفة على مواقعها السلطوية، ومتوجسة من إعادة إنتاج لحظة العام 2013، التي أجبرت الحركة على الخروج من السلطة بعد عمليتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
رئيس مجلس شورى النهضة، وهو من أعمدة الحركة، أكد أن من يدعو إلى “ثورة ثانية” سيحتاج حتما إلى “شكري بلعيد ثان” وفي ذلك إشارة خطيرة كثيفة الدلالات، تتداخل فيها علامات التعالي السياسي مع اشتراط خروج النهضة من السلطة بوجود اغتيالات سياسية، فضلا عن التلميح بكون الحركة تضررت أكثر من غيرها من تداعيات الاغتيالين.
قدم الهاروني حركة النهضة في نسخة متشنجة لم تستثن أي طرف سياسي من الهجوم. هاجم عبير موسي ووصم خطابها بالتطرف المؤسس للحرب الأهلية، وانتقد حركة الشعب، وأنكر وجود كتائب إلكترونية للحركة، ووصم كلّ من ينتقد النهضة بأنه يضمر خطابا مشوبا بالكراهية والعنف والحقد الأيديولوجي، ولم يغفل الإشارة إلى أن انتقاد الاتفاقيات التجارية مع تركيا يعبر عن ولاء خارجي لمحاور تكيد للثورة.