مسلسل "معاوية" وأخطاء الأزياء التي أفقدت العمل مصداقيته

كانت الدراما التاريخية في الماضي مقتصرة على الدراما المصرية، إلا أن صعود نجم الدراما السورية وعلو كعبها في الدراما التاريخية -نتيجة الإقبال الجماهيري على مسلسلات من نظير “صقر قريش” و”ربيع قرطبة” و”صلاح الدين”، والتي قام بهندستها المخرج الراحل حاتم علي بالشراكة مع الكاتب وليد سيف- ساهما إلى حد كبير في استمالة شريحة كبيرة من الجمهور العربي لمتابعة أي عمل تاريخي جديد، خاصة تلك الأعمال التي تتناول شخصيات إسلامية.
ولعل مسلسل “عمر” ساهم في ترسيخ ثقة الجمهور بالدراما التاريخية، كما يعد مسلسل “معاوية” الذي عرض خلال رمضان الحالي واحدا من الأعمال الذي جذبت الجماهير فور الإعلان عن التحضير له.
ومع بدء عرض المسلسل “معاوية” على قناة “أم.بي.سي”، تزايدت الانتقادات حول الدقة التاريخية في تصوير الحقبة الزمنية، خاصة في ما يتعلق بالأزياء. هذه الانتقادات أثارت تساؤلات حول مدى التزام العمل الفني بالتفاصيل التاريخية، وكيف يمكن أن تؤثر هذه الأخطاء على مصداقية المسلسل؟

ولعل من أبرز أخطاء الأزياء في المسلسل والتي لفتت الانتباه كانت متعلقة بملابس شخصية هند بنت عتبة التي قدمتها الممثلة سهير بن عمارة، حيث ظهرت مرتدية فساتين فاخرة من قماش الساتان، وهو نوع من الأقمشة لم يكن معروفا في تلك الحقبة الزمنية، هذه التصميمات بدت أقرب إلى موضة العصر الحديث منها إلى الملابس البسيطة التي كانت ترتديها نساء القبائل في القرن السابع الميلادي.
ومن المآخذ التي ألقت بظلالها على العمل التاريخي ظهور بعض الشخصيات العسكرية مرتدية خوذات تعود للعصر المملوكي، وهي فترة لاحقة زمنيا، هذه الأخطاء تُظهر خللا في البحث التاريخي، حيث تم استخدام أدوات وعناصر من عصور لاحقة، مما يفقد المسلسل مصداقيته التاريخية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزت الانتقادات ألوان الملابس وزخارفها، إذ إن الملابس في تلك الفترة كانت تتميز بألوان طبيعية وبسيطة، إلا أن المسلسل أظهر بعض الشخصيات مرتدية أزياء ذات ألوان زاهية وزخارف معقدة، وهو ما لا يتوافق مع طبيعة الحياة القبلية البسيطة التي كانت سائدة، وهنا نتساءل عن مدى تأثير هذه الأخطاء على العمل الفني؟
إن الأخطاء في الأزياء لا تقتصر فقط على الجانب الجمالي، بل تؤثر أيضا على مصداقية العمل الفني ككل، وعندما يرى الجمهور تفاصيل غير متوافقة مع الحقبة التاريخية، فإن ذلك يقلل من ثقته في دقة العمل ومصداقيته، وخاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات تاريخية مؤثرة مثل شخصية معاوية بن أبي سفيان وهند بنت عتبة، حيث يتوقع المشاهدون رؤية تصوير دقيق لحياتهم وملابسهم.
مع ذلك من الممكن تقديم تفسير محتمل لهذه الأخطاء دون تبريرها بالكامل من قبيل أن تكون هذه الأخطاء ناتجة عن محاولة المخرج أو مصمم الأزياء إضافة لمسة عصرية لجذب الجمهور الحديث، إلا أن هذا العمل لا يبرر الابتعاد عن الدقة التاريخية التي يتوقعها المشاهدون، خاصة في عمل يتناول شخصيات مؤثرة في التاريخ الإسلامي، وهنا يتساءل الكثيرون لماذا تحدث هذه الأخطاء رغم الميزانية الضخمة للأعمال التاريخية؟ فكيف بعمل بحجم مسلسل “معاوية” بلغت ميزانيته نحو 100 مليون دولار.
في الحقيقة هناك عوامل عدة تسهم في هذه الأخطاء منها الرغبة في جذب الجمهور الحديث كما ذكرنا سابقا لذلك يلجأ مصممو الأزياء إلى استخدام أقمشة وتصميمات عصرية لجذب انتباه المشاهدين، خاصة الشباب، وقد تكون الأخطاء نتيجة عدم وجود بحث كاف حول تفاصيل الحقبة التاريخية، ولا يمكن التغافل عن الاعتبارات الإنتاجية التي تدفع المنتجين إلى استخدام أزياء جاهزة أو غير دقيقة تاريخيا.
وفي سبيل تلافي مثل هذه الأخطاء يترتب على الجهات المنفذة للأعمال الدرامية التاريخية الاستعانة بخبراء في التاريخ الإسلامي لتحقيق الدقة في التفاصيل في ما يتعلق بالأزياء والديكور، كما لا بد من العناية بأدق التفاصيل كنوع القماش أو لون الملابس، فهذه الأشياء تعتبر صغيرة قياسا بغيرها من الأشياء إلا أنها قد تؤثر على مصداقية العمل.