مسلسل "في يوم وليلة" يعيد اكتشاف قدرات أحمد رزق التمثيلية

الفنان المصري يقطع مع الكوميديا ويفجّر طاقته التراجيدية في دور مركّب.
الاثنين 2021/03/08
أداء مؤثر يتماشى مع طبيعة الموقف

يتعرّض بعض الفنانين في مسيرتهم الفنية إلى قدر من الظلم بتعامل المخرجين معهم كقطع شطرنج تتحرّك في خطوات محسوبة لا يمكن تغييرها، فيظلون أسرى للأدوار الأولى التي يستهلون بها مسيرتهم دون محاولة لإعادة اكتشافهم في بطولات أخرى. وينتمي الفنان المصري أحمد رزق لتلك النوعية من الممثلين حيث تم حصره لما يزيد عن ربع قرن في دور الفتى البدين المضحك، إلاّ أنه غيّر جلده أخيرا في المسلسل الدرامي الجديد “في يوم وليلة”.

القاهرة - تحرّر الممثل المصري أحمد رزق الذي يبلغ من العمر 45 عاما من أسر دور الفتى البدين المضحك الذي علق به منذ بدء حياته الفنية في مسرحية “الجميلة والوحشين” لتعويض الرحيل المفاجئ للفنان علاء ولي الدين، ليظل يدور في حلقة مفرغة من الشخصيات الخفيفة طوال 25 عاما إلى أن أطلق العنان أخيرا لإمكانياته الفنية في الدراما عبر أدوار ثقيلة تبتعد تماما عن الإضحاك وخفة الظل، وتتضمّن صراعات نفسية عنيفة عبّر عنها بصدق.

وتعامل الفنان المصري في عمله الدرامي الأخير “في يوم وليلة” الذي يتم عرضه حاليا على إحدى القنوات المصرية كفرصة لا يمكن إضاعتها، واستطاع خطف الأضواء من باقي الفريق التمثيلي في شخصية معقدّة عن تغيّر حياة الإنسان خلال ساعات من الرغد إلى الشقاء والألم، ومن حب المحيطين إلى رغبة جامحة في تدميره.

وتظهر تجارب الفنان الجديدة قراءته الجيّدة للنص والتعمّق في استكشاف عقدته، والإلمام الكامل بجوهر الشخصية وتجسيدها بحركات الوجه والعينين، فكان سكوته وشروده في بعض الجمل الحوارية الطويلة ليعبّر “في يوم وليلة” عن الخوف والتوتّر والقلق والرعب والحزن واليأس والأمل.

أزمات متتالية

اكتشاف فني متأخر
اكتشاف فني متأخر

تدور قصة مسلسل “في يوم وليلة” عن كابوس متكرّر لمهندس الديكور خالد محجوب (أحمد رزق) يتمحور حول عجوز شمطاء تقف أمام سيارته قابضة بيدها على عصا خشبية شبيهة بالساحرات، وتخبره بطريقة الألغاز عن يوم صعب سيخوضه يبدأه بإفلاس مالي ويختمه بدم.

ويتحقّق الحلم/ الرؤيا ويجد المهندس نفسه محاطا بأزمة مالية بعد زوال أمله الأخير في إنقاذ عمله المتداعي بإلغاء شركة عالمية تعاقدها معه، واضطراره لسحب رصيده المصرفي لتسديده قسط مدرسة ابنته، وبيع سيارته لدفع ثمن عملية جراحية لوالده، وانتهى يومه بالاستيقاظ في مكتبه ليجد في يده سلاحا ناريا وجثة فتاه ملقاة أمامه.

تسمح القصة التي كتبها مصطفى جمال هاشم لرزق بإظهار الصراع النفسي العنيف متعدّد المراحل مع زوجته “سارة” (آيتن عامر) التي تذكّره منذ لحظة استيقاظه صباحا بكمّ الأقساط التي يجب عليه تسديدها ورفضها تضحيته بآخر ما يملك لإنقاذ والده، وعدم تصديقها له أنه بريء من جريمة لا يعرف كيف تورّط فيها وقد تكون سببا في إعدامه.

أحمد رزق يظهر قدرات كبيرة في أداء الأدوار التراجيدية بعدما ظل المخرجون يحصرونه في دور الكوميدي البدين

رغم إعادة المسلسل اكتشاف قدرات رزق، لكنه يقدّم تنميطا لممثلين آخرين مثل آيتن عامر التي لا تزال محشورة في شخصيات بعينها، والأمر ذاته مع حسن شتا الذي لم يغادر دائرة البلطجي.

ويعيب المسلسل رغم ثرائه على المستوى التمثيلي حوارُه الذي لم يكن على المستوى المطلوب بتناقضات غريبة لا تتماشى مع السياق، بينها مناجاة البطل لذاته بعد القبض عليه، وتعبيره عن الظلم الذي تعرّض له، فيتساءل عن محاسبته على جريمة لم يرتكبها ليتبعها تساؤل غريب لا يتماشى مع السياق تماما مثل: لماذا أدفع حساب مشروبات لم أتناولها؟

ربما تمثل لحظة هروب البطل من دار القضاء العالي، كما طالبته العرافة في حلم سابق، أسوأ ما يتضمنه العمل من الغياب التام للمنطقية رغم وقوف مخرجة مخضرمة مثل شيرين عادل وراء كاميرا التصوير، بوجود متهم محرّر اليدين دون سلسة معدنية تمسك تلابيب يده كالمعتاد، أو حتى قدرته على الهروب من مطاردة رجلي شرطة في مساحة خالية يمكن ضبطه فيها بسهولة.

ويتمادى عدم المنطقية في ترك باب أهم محكمة مصرية مفتوحا دون حراسة رغم توصيله لسجلاتها الورقية بالكامل، وفي التوقيت ذاته تواجد سيارة مفتوحة وبها معطف رياضي أسود بغطاء للرأس يتناسب مع حجم البطل ليستقلها ويفرّ في الحال، ويتخلّص من ملابس السجناء البيضاء التي تشي بشخصية مرتديها.

نماذج متباينة

آيتن عامر رغم اجتهادها في تجسيد دور الزوجة المتطلبة وغير المسؤولة، إلاّ أنها لم تقدّم جديدا على مستوى الأداء الذي أتى نمطيا
آيتن عامر رغم اجتهادها في تجسيد دور الزوجة المتطلبة وغير المسؤولة، إلاّ أنها لم تقدّم جديدا على مستوى الأداء الذي أتى نمطيا

يعتمد المسلسل على أنماط متعدّدة للصراع استفاد منها رزق كثيرا في إظهار حالة النضوج التمثيلي التي يمرّ بها، أولها ردود الأفعال في كل مرة تقترب الشرطة من الإمساك به قبل أن يستجدّ صراع آخر بعصابة تزييف لوحات كانت وراء حادثة القتل من الأساس، وتعتقد بأن القتيلة أخفت لوحة نادرة لدى البطل.

اعتمد العمل كثيرا على الاسترجاع “فلاش باك” بين الماضي والحاضر، سواء مواقف قريبة زمنيا من علاقته بزوجته وابنته، أو واقعه الوظيفي المنهار وأحلام الماضي بأن يصبح ممثلا مشهورا، ومقارنة متكرّرة بين حبيبة كانت ترضى بأقل هدية وتحب بصدق، وزوجة رأت في قرينها مجرد خزينة مال متحرّكة تلبّي طلباتها فقط، أو بمعنى آخر ظل رجل تستند عليه أفضل من ظل الحائط.

يحاول المسلسل تحسين الصورة الذهنية النمطية للوسط الفني بوصفه مهنة براقة من الخارج ولا تتضمن استقرارا وظيفيا على المدى البعيد وتحتاج إلى صبر وعلاقات ونفوذ للوصول إلى الشهرة بمقارنة واقع خالد المنهار عمليا وصديقته لبنى (داليا مصطفى) التي أصبحت فنانة شهيرة بعد أن رفض الزواج منها بضغط من والده الذي اعتبر الفن مهنة “قليلة الاحترام”.

ويسعى العمل للتفرقة بين نموذجين من الأصدقاء أحدهما وفيّ يسامح خليله على الأخطاء مهما كبرت ممثلا في مدير المسرح “آسر” (محمد جمعة) الذي تركه البطل في أول أيام افتتاحه مسرحيتهما الجديدة ما سبّب كارثة مادية وحالة اكتئاب احتاجت وقتا للعلاج، بينما يقدّم يحيى (نضال الشافعي) صاحب معرض السيارات الذي أبلغ الشرطة عن صديقه للتخلّص منه واستحل حرمة بيته حتى اقترن بزوجته.

كسر المسلسل مساحة التشويق مبكّرا بكشف تفاصيل الجريمة في الحلقة التاسعة، ربما لرغبته في تركيزه الأكبر على خيط واحد يتمثل في كيفية إثبات البطل براءته بمساعدة عرافة الأحلام التي كانت المرشد له في كل خطوة، وفتح مسار رومانسي بلقاء خالد بحب الماضي كتعويض له على ما فات، وتضمّن مباراة تمثيلية بين أحمد رزق وداليا مصطفى في إظهار الصدمة وتناغم الأداء.

ويقول الناقد الفني أحمد سعدالدين لـ”العرب” إن “أحمد رزق وصل إلى مرحلة من النضج الفني بعدما نوّع الأدوار التي يؤدّيها في السينما والدراما كممثل مساعد، والتي تحرّرت من الكوميديا بعض الشيء كتجربة أداء شخصيات شريرة أو مريضة نفسيا أهلته للوصول إلى البطولة المطلقة في مجال بعيد عن لعبته الأساسية كممثل خفيف الظل”.

تعبير صادق يجبّ هنات السيناريو
تعبير صادق يجبّ هنات السيناريو

وتلعب أوراق السيناريو الجيدة ورؤية المخرج المغايرة دورا كبيرا في إظهار القدرات الفنية المدفونة في الممثلين، وتكرّر الأمر كثيرا مع نجوم كبار لم يتم اكتشافهم مبكّرا، كالدفع بالأشرار في أدوار طيبة أو الاستعانة بمن أبدعوا في أدوار تراجيدية إلى الكوميديا.

ربما كانت السمات البدنية لرزق إحدى الوسائل التي ظلت تحصره في الأدوار الخفيفة طوال عمره، فالمخرج يريد شخصيات بتلك المواصفات، حتى لو أن بعض الممثلين الذين يفقدون أوزانهم تقل فرصهم في الظهور.

وأوضح سعدالدين أن أحمد رزق بدأ العمل كممثل كوميدي في وقت كانت تلك النوعية من الأعمال ذات الطلب والشعبية الأكبر من الجمهور وصاحبة الراتب الأعلى من قبل شركات الإنتاج، ثم طوّر الأداء ولم يقف عند لون واحد حتى استطاع أن يجد لنفسه مساحة جيدة في الأدوار التراجيدية في الدراما.

ويمكن القول إن أداء رزق “في يوم وليلة” تطوير لطريقته في المسلسل السابق “بخط الأيد” الذي تضمّن خليطا من المشاعر أيضا عن طبيب تخدير يهمل زوجته فتختفي عن الأنظار وتدبّر واقعة انتحار وهمية ويكتشف أنها على قيد الحياة، ويسخّر كل الجهود للعثور عليها في رحلة يتعرّض فيها للسجن بتهمة زائفة.

يريد المسلسل التأكيد على مجموعة من المعاني التي يحتاجها الإنسان في مشواره الحياتي اليومي، أولاها أن الغد لا يمكن توقعه مهما كان اجتهاد البشر في التفكير، والشر قد يكمن في ما يُعتقد أنه قمة الخير، والخطر ربما يكون مغلّفا في عبوة جميلة من الأمان، والحب الأول يظل أثره موجود رغم مرور الزمن وحجم العلاقات التي تحاول أن تجد لنفسها طريقا لتغييره.

وما يمرّ به أحمد رزق يتجاوز النضج الفني الذي يصل إليه الفنانون مع الوقت، فالملكة الفنية متوفرة لديه وعطّلتها طبيعة الآلة الإنتاجية التي تتعامل مع بعض الممثلين كسلعة لا حاجة لتغيير نمط تقديمها طالما الجمهور يُقبل عليها.

17