مسلسلات سورية بنكهة تركية

الدراما التركية غزت المنطقة العربية من بوابة اللهجة السورية.
السبت 2024/05/25
"الثمن" نسخة عربية عن مسلسل تركي

رغم أنها عززت فرص الشغل، إلا أن مساوئ الدراما التركية المدبلجة تبدو أكثر من إيجابياتها، ومع تسارع إنتاجها وتنوعه بناء على الإقبال الجماهيري يبدو أن الغزو التركي الحديث للعالم العربي تقوده الدراما التي تقدم نفسها للمشاهد العربي بأشكال متنوعة، وباتت عائقا أمام أسواق الدراما الأخرى ومنها الدراما السورية.

عندما ظهرت المسلسلات التركية على شاشاتنا العربية نظر إليها الكثيرون بعين الريبة، فطالما ارتبط الأتراك لدى العرب بالغزاة، وفعلا تم الغزو التركي ليعود من جديد ولكن من واجهة الدراما، حيث أخذت الدراما التركية تحصد حيزا واسعا من اهتمام المشاهد العربي الذي طالما ظل لسنوات طوال أسيرا للدراما السورية والمصرية.

فكيف استطاعت هذه الدراما أن تنفذ إلى عقول المشاهدين العرب وتتمدد على حساب الدراما العربية في عقر دارها لتستولي على حصة الأسد في خارطة الدراما العربية.

لعل المرحلة الأولى كانت من خلال حركة “الدوبلاج”، فلو عدنا إلى البدايات مع هذه الدراما الدخيلة التي سبقتها بالفعل الدراما المكسيكية والأميركية والفنزويلية إلا أنها جميعا لم تحظ بالقبول لدى مشاهدينا، إذ أن جمهور هذه الأعمال كان محدودا وعزف عنها منذ فترة. لكن عرض المسلسلات التركية مدبلجة باللهجة السورية شكل انعطافة كبيرة في مجال دبلجة الأعمال الفنية.

ولقد ساعد هذا الأمر على ترويجها في العالم العربي، إذ لعبت اللهجة السورية بلكنتها الشامية المحببة دورا حاسما في نجاح الدراما التركية وتغلغلها في عالمنا العربي.

الأعمال الفنية المدبلجة ساهمت في تمكين شريحة كبيرة من الممثلين من إيجاد فرصة عمل بسبب تغييبهم عن التمثيل

وبعد النجاح الكبير الذي حصدته أولى الأعمال المدبلجة مثل “سنوات الضياع”، و”نور ومهند” و”وادي الذئاب” وغيرها من الأعمال التي كانت باللهجة السورية، انفتحت شهية شركات الإنتاج إلى هكذا أعمال.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الأعمال لم تحظ بإجماع من قبل النقاد والمثقفين العرب، فقد شهدت هذه الأعمال تأييدا ومعارضة، ولو استعرضنا رأي المؤيدين لهذه المسلسلات المدبلجة لوجدنا أنهم يرون أن هذه المسلسلات ساهمت في انتشار اللهجة السورية في الوطن العربي، إلى درجة أن “دول بيتكلموا تركي”؛ أصبحت نكتة رائجة في مصر تشير إلى السورييّن، وهذا ما التقطه النجم المصري أحمد مكي، في خامس أجزاء مسلسله الكوميدي الشهير “الكبير أوي”.

وقد أعلنت منصة الأفلام الشهيرة نتفليكس في أكتوبر من العام 2021 اعتماد اللهجة السورية في مسلسلاتها كلهجة أساسية للدبلجة العربية، لتتبعها بعد ذلك منصة ديزني والتي أضافت اللهجة السورية ضمن خيارات العرض المخصصة.

ويؤكد هؤلاء أن هذه الأعمال الفنية المدبلجة ساهمت في تمكين شريحة كبيرة من الممثلين من إيجاد فرصة عمل بسبب تغييبهم عن التمثيل في المسلسلات، كما أنقذ الدوبلاج خرّيجي المعهد العالي للفنون المسرحية من الغرق في مستنقع البطالة الذي تعيشه سوريا في ظل ما تشهده من واقع لا يخفى على الجميع.

وعلى الطرف المقابل تعلو أصوات الشجب والرفض والتنديد تجاه هذه الأعمال التي مثلت في نظر الكثيرين غزوا ثقافيا تركيا للعالم العربي، إذ شنّ بعض الفنانين السوريين حملة على هذه الأعمال «الغريبة» التي وصفوها بمتدنية المستوى.

شركات الإنتاج في تركيا لا تبالي بدبلجة المسلسلات العربية إلا أن مسلسل {الهيبة} استطاع أن يكسر القاعدة
شركات الإنتاج في تركيا لا تبالي بدبلجة المسلسلات العربية إلا أن مسلسل "الهيبة" استطاع أن يكسر القاعدة

ورأى هؤلاء أنّ المسلسلات التركية تهدّد الدراما السورية، وقد ألقوا باللائمة على المؤسَّسات الإعلامية والشركات الإعلانيَّة، وما تنتجه هذه المؤسسات من أعمال دراميَّة تفرض فرضًا على المستهلك للنصِّ الدرامي.

ومن هذه الاعتراضات ما يلقاه هؤلاء الفنانون من ظلم من قبل شركات الإنتاج التي تستغلهم ماديا لمعرفتها بحاجتهم إلى المال للعيش بأدنى حد ممكن حيث ظلت شركات الإنتاج تعطيهم أجورهم كما كانت قبل 2011 في حين أن الدولار تضاعف مرات عديدة مقابل الليرة السورية. والمعروف أن شركات الإنتاج تبيع المسلسلات المدبلجة بالدولار الأميركي، مما يعني أنها لم تتأثر بانخفاض قيمة الليرة السورية أمامه.

وما بين صد ورد وقبول ورفض، بقيت الدراما التركية تحافظ على رواجها في المحطّات العربية الكبرى، لتبدأ المرحلة الثانية والتي شكلت نقلة نوعية من الاكتفاء بالدوبلاج إلى إعادة إنتاج الأعمال ذاتها لكن بنسخ عربية وبممثلين عرب. فقد استخدمت الشركات قصص مسلسلات عرضت على قنوات تركية، بالاتفاق مع الشركات المنتجة لها، وعملت على إعادة تمثيلها بالحوارات نفسها مع تعديلها لتلائم الحوارات في المسلسلات العربية، كما أن طريقة اللباس متشابهة، بل إن بعضها كان من إخراج مخرجين أتراك وتم تصويرها أيضاً في تركيا. وقد استطاعت هذه الأعمال أن تستحوذ على إعجاب الجمهور في الآونة الأخيرة لتغدو “ترندات” يتفاعل معها الشارع العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

من هذه الأعمال “ستيليتو” المقتبس عن “جرائم صغيرة” وهو نسخة عربية من المسلسل التركي “جرائم صغيرة”، الذي عرض سنة 2017، من بطولة أويا تكسوز، ومروة أكساك، وأرزو كارا، وقد استطاع هذا المسلسل بنسخته العربية تصدر الترند لفترة طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2022، وهو من بطولة كاريس بشار وقيس الشيخ نجيب وديمة قندلفت.

“كريستال” المقتبس عن “حرب الورود” حظي بنسب مشاهدة عالية عام 2023 وقد فاز بجائزة المسلسل المفضل في حفل جوي أورادز للعام 2024 في الرياض. والمسلسل من بطولة الفنان السوري محمود نصر والفنانتين اللبنانيتين باميلا الكيك وستيفاني عطاالله.

وقد تم اقتباس “كريستال” من المسلسل التركي “حرب الورود”، الذي تم إنتاجه سنة 2014، وكان من بطولة داملا سونماز، وجنان جودار، وباريش كيليتش، وسيرجان بدور.

شركات الإنتاج تبيع المسلسلات المدبلجة بالدولار الأميركي، مما يعني أنها لم تتأثر بانخفاض قيمة الليرة السورية أمامه

ثم جاء مسلسل “الثمن” وهو أحدث الأعمال الدرامية العربية من بطولة الفنان السوري باسل خياط ورزان جمال ونيقولا معوض، وهو المسلسل المأخوذ من المسلسل التركي الشهير “ويبقى الحب”، الذي حقق انتشارًا كبيرًا بين المتابعين في الوطن العربي.

كما عرض أيضا مسلسل “عروس بيروت” وهو عمل لبناني – سوري، قُدم من المسلسل ثلاثة مواسم ناجحة، وقد حقق نجاحا لافتا وكان هذا النجاح دافعًا لتكرار تجربة عالم الاقتباس من الدراما التركية ليفتح الباب على مصراعيه أمام تحويل المزيد من قصص تركية ناجحة في صورة مسلسلات عربية وهو مقتبس عن مسلسل “عروس إسطنبول”.

المرحلة الثالثة الواضحة من تأثير الغزو التركي هي الإنتاج العكسي للمسلسلات من العربية إلى التركية فقد كانت القاعدة السائدة أن العلاقة بين الفن التركي والعربي علاقة أحادية الجانب، يلعب فيها العرب دور المتلقي السلبي، فالقنوات التركية لا تهتم بعرض النتاج الفني العربي.

من ناحية أخرلا، لا تبالي شركات الإنتاج الفني في تركيا بدبلجة المسلسلات العربية إلا أن مسلسل “الهيبة” استطاع أن يكسر هذه القاعدة ويشكل الاستثناء الوحيد، حيث تمّت دبلجة الجزء الأول من “الهيبة” إلى اللغة التركية، وهذا ما يشير إلى أن الأمنيات التي كثيرا ما عبر عنها الفنانون والجمهور العادي، بدأت تتحقق فكما يقال “أول الغيث قطرة”.

ونأمل أن يكون هذا المسلسل نقطة انطلاق ليكون العرب أكثر من مجرد متلقين للثقافة التركية وإنما من الفاعلين فيها.

14