مراجعة التعيينات في المؤسسات الحكومية بتونس تحتاج إلى إرادة سياسية

الشبهات تحوم حول الآلاف من الموظفين بخصوص طريقة توظيفهم.
السبت 2023/05/20
ملف مفخخ

تونس - لم تقتصر المطالب بمراجعة التعيينات في تونس، على وزارة الداخلية في الآونة الأخيرة، بل تجاوزت ذلك لتشمل مختلف المؤسسات والوزارات.

ويرى متابعون أن هناك الآلاف من الموظفين من تحوم حولهم شبهات حول طريقة توظيفهم، الأمر الذي يجعل الحكومة تتعاطى بحذر هو أقرب إلى التردد في معالجة هذا الملف، مشددين على أن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية قوية.

ويعتبر هذا المطلب قديما متجددا، وقد أثير بعد إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021، وعاد هذا المطلب بقوة بعد العملية الإجرامية في جزيرة جربة (جنوب شرقي تونس)، لافتين إلى ضرورة ألاّ تقتصر المراجعات على وزارة الداخلية.

وسبق، أن دعا نواب في البرلمان التونسي خلال الأيام الماضية إلى ضرورة مراجعة التعيينات الأمنية التي جرت منذ العام 2012، على خلفية العملية الدامية التي ارتكبها عنصر أمن الأسبوع الماضي، وأدت إلى سقوط ضحايا بين مدنيين وأمنيين.

المنذر ثابت: التعيينات كانت على مقياس سياسي استفادت منه النهضة
المنذر ثابت: التعيينات كانت على مقياس سياسي استفادت منه النهضة

وشهدت تونس بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها، بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي يرى البعض أنها تخضع للمحاصصة الحزبية.

وقال الناشط السياسي المنذر ثابت “يفترض ألاّ تحصل تعيينات خارج سياق ما هو معقول، وهذا ما يطرح إشكالا حقوقيا خصوصا لمراجعة التعيينات من زاوية النجاعة، وهو أمر مطلوب حتى من قبل صندوق النقد الدولي في علاقة بمراجعة كتلة الأجور والتعيينات العشوائية التي أثقلت كاهل المالية العمومية”.

وأضاف ثابت في تصريحات لـ”العرب” أن “عملية المراجعة تتنزل في إطار مبدأ احترام القانون، والإجراء المركزي المعلوم من الجميع هو العفو التشريعي العام الذي مكّن بالأساس حركة النهضة من الولوج إلى الإدارات التونسية ومنها وزارة الداخلية، وهو قرار اعتبر من الجميع أنه سياسي ولا علاقة له بالقانون الإداري والكفاءة وما تحتاجه الدولة في مؤسساتها”.

واعتبر أن “تلك التعيينات كانت على مقياس سياسي، استفادت منه عدة أطراف سياسية وأبرزها حزب النهضة، وبقيت مسألة التعويضات غير واضحة إلى الآن”. وتابع ثابت “هناك غياب لعنصر الكفاءة في الوظائف القيادية بعد ضرب الجهاز الإداري، وأصبحت مسألة الشهائد العلمية مطروحة أيضا”.

وواجهت تونس بعد 2011، موجة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والضغط من أجل توفير الوظائف، كما “صدر مرسوم العفو التشريعي العام في 19 فبراير 2011، الذي تم بمقتضاه انتداب حوالي 7 آلاف موظف في الوظيفة العمومية، من دون مناظرات رسمية.

وحسب دراسة رسمية أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، تم بعد 2014 تعيين ثلاثة آلاف موظف من عائلات ضحايا الثورة وجرحاها، بصفة عشوائية، فضلا عن شبهات التوظيفات السياسية.

واتهمت أطراف حقوقية وسياسية أحزاب السلطة في المنظومة السابقة بالقيام بتعيينات كبيرة أثقلت كاهل الإدارة التونسية بسبب اعتمادها على مبدأ الغنيمة والولاءات الحزبية وليس على مبدأ الكفاءة للهيمنة على مفاصل الدولة ومؤسساتها.

بعد 2014 تم تعيين ثلاثة آلاف موظف من عائلات ضحايا الثورة وجرحاها، بصفة عشوائية، فضلا عن شبهات التوظيفات السياسية

وقالت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إن “حركة النهضة عمدت منذ 2012 إلى تعيين أتباعها والمنتفعين بالعفو التشريعي العام في مفاصل الدولة حسب الولاءات وليس على أساس الكفاءة والتجربة، وخصوصا في وزارات التربية والداخلية والأسرة والمرأة”.

وأوضحت لـ”العرب”، “اشتغلت حينها مرشدة بيداغوجية، وتلقينا عدة تشكيات وتجاوزات، بعد تسرّب عدد كبير من أتباع الحركة إلى المؤسسات التعليمية، فضلا عن تعيينات أخرى في عدد من الوزارات حسب الولاءات الحزبية وإسكات تلك الأصوات المتعالية ضدّ القيادة وبضغط من القواعد وتكريس التعامل مع الدولة بمنطق الغنيمة”. وتابعت الزموري “التعيينات لم تتم على احترام مبدأ الكفاءة، ولم يتم تأهيل هؤلاء الذين يتمتعون بالامتيازات، ونبهنا إلى ذلك عندما تقلّد القيادي البارز في الحركة علي العريض منصب وزارة الداخلية”.

وبخصوص التجاوزات في وزارة المرأة، أفادت نجاة الزموري أنه “انتشرت رياض الأطفال العشوائية ويشتغل فيها من يعلّم الأطفال ثقافة القبر والموت، ووزارات المرأة المتعاقبة بعد 2011 لم تفتح ذلك الملف”.

واستطردت قائلة “متى توفّرت الإرادة السياسية واقتنعت السلطة بوجود اختراقات وبضرورة تطهير الوزارات، حينها يمكن الإصلاح، ولا بدّ من مراجعة جذرية للتعيينات”.

وأثار تزوير الشهادات العلمية والتعيينات المشبوهة في عدد من القطاعات، في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، جدلا واسعا في الفترة الأخيرة، وسط دعوات إلى التدقيق في الشهادات العلمية في مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية.

نجاة الزموري: التعيينات في عدد من الوزارات تمّت حسب الولاءات الحزبية
نجاة الزموري: التعيينات في عدد من الوزارات تمّت حسب الولاءات الحزبية

واقترن ملف الشهائد العلمية المزوّرة بعد 2011، بتنامي المطلبية الاجتماعية والتجاء الدولة إلى التشغيل الهشّ في الوظيفة العمومية، بهدف امتصاص أصوات تحتج ضدّها في الشارع.

وسبق أن أعلن نصرالدين النصيبي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن “مختلف الوزارات انطلقت في عملية جرد للشهائد العلمية لمنظوريها بغرض التثبت في صحتها”.

وأضاف في تصريح إعلامي “كل ملف يتعلق بشهادة مزورة سيحال إلى القضاء”، مؤكدا أنه “تم الانطلاق خلال السنة الحالية في اعتماد الختم الإلكتروني المرئي لجميع الشهائد العلمية”، وذلك منعاً لتجاوزات مماثلة.

وأحالت وزارة الشؤون الاجتماعية، أكثر من 200 ملف على القطب القضائي المالي، بخصوص تزوير شهائد علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.

وأكد توفيق الشابي عضو نقابة التعليم الأساسي أنه “تم التحقيق مع عدد من المعلمين في قضية الشهائد العلمية المزورة، وتم إرسال متفقدين ماليين وإداريين للتثبت في ملفاتهم، وذلك من أجل محاسبة المزورين”.

وكشف الناطق الرسمي للمحكمة الابتدائية رياض النويوي بولاية (محافظة) القصرين (وسط) في وقت سابق أنه “تمت إحالة 17 متهما في قضية تزوير شهائد علمية لموظفين في بعض البلديات، وتم إصدار 10 بطاقات إيداع بالسجن في تلك القضية”.

وتولت دائرة المحاسبات القيام بمهمة رقابية خاصة بالتعيينات الاستثنائية في وزارتي التربية والشباب والرياضة بين عامي 2011 و2015.

وفي سبتمبر 2013 اتهم عبدالقادر اللباوي رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة آنذاك الائتلاف الحاكم وخاصة حركة النهضة بتعمد “زرع أعضائها في مفاصل الدولة والإدارة بشكل أصبحت معه غير محايدة”.

4