مراجعة التعيينات في الإدارة التونسية أولوية رئيس الحكومة الجديد

بات الرئيس التونسي قيس سعيد يدرك أهمية دور الإدارة التونسية في تجسيد قراراته على أرض الواقع، لذلك يكثف دعواته الرامية إلى القيام بمراجعة التعيينات التي أغرقت المؤسسات التونسية بعد 2011، وتطبيق القانون ضدّ المتجاوزين.
تونس - طالب الرئيس التونسي قيس سعيّد في إطار جهوده المتواصلة لمحاربة الفساد وتطهير الإدارة، رئيس الحكومة أحمد الحشاني بإجراء عملية مراجعة شاملة ودقيقة للتعيينات التي تمت منذ ثورة يناير 2011. وكثيرا ما يكرر سعيّد دعواته إلى تطهير الإدارة التونسية، ويقول إنّ الإدارة “مخترقة” من أشخاص يعمدون إلى تعطيلها وخصوصا ممن تم تعيينهم في ما بات يعرف في تونس بـ”العشرية السوداء”.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه البلاد سلسلة إقالات شملت وزراء ومسؤولين في محاولة لحل بعض الأزمات الاقتصادية. وقال سعيد، وفق ما جاء في بلاغ للرئاسة التونسية، إنّ “هذه المراجعة صارت اليوم أمرًا مستعجلًا خاصة في ظل تعطيل عدد من الإدارات لسياسة الدولة”، مؤكدا خلال لقاء جمعه برئيس الحكومة بقصر الرئاسة بقرطاج حول العمل الحكومي “ضرورة الانسجام بين كل الوزارات في إطار السياسة التي يضبطها رئيس الدولة”.
وندد الرئيس التونسي بـ”تعطيل عدد من المشاريع في العديد من الإدارات بحجج واهية في قطاعات متعددة كالصحة والتعليم والشركات الأهلية وغيرها”، مشددًا على أنه “يجب على الإدارة أن تقوم بدورها”. وبات الحشاني الذي تم تعيينه حديثا على رأس الحكومة، أمام تحديات كبيرة لمواجهة أول الملفات لإجراء تدقيق شامل في التعيينات منذ الثورة بطلب من الرئيس، بدعوى وجود تعديلات في عمل الإدارة من بعض المسؤولين.
وقال سعيد في موكب تعيين رئيس الحكومة الجديد بداية الشهر الجاري إن من أهم التحديات مواجهة “إرهاب الكارتلات”، في إشارة إلى لوبيات الإدارة التي تقف وراء أزمة النقص في عدد من المواد الاستهلاكية بالأسواق. وشهدت الإدارة التونسية في السنوات الأخيرة، حسب متابعين للشأن المحلي، تراجعا ملحوظا في مستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، فضلا عن كونها مثلت مجالا للتعيينات بالولاءات الحزبية، فأهملت المشاغل الأساسية وفشلت في كسب ثقة المواطن.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “الإدارة هي رأس الحربة في كل تغيير، وهي أحد أبرز أسباب إقالة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن”، لافتا إلى أنه “هناك قرابة 150 ألف شهادة مدلّسة وأشخاص تسلّلوا إلى الإدارة خارج إطار القانون، وهو ملف قد تصل فيه العقوبة السجنية من 10 سنوات إلى مدى الحياة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الإدارة التونسية اليوم فيها جزء معطل لإجراءات 25 يوليو 2021 وتتعامل بموروث ما بعد 2011، والتعيينات تمت في إطار محاصصة حزبية”، متسائلا “ما هي مقاييس التوظيف والترقيات؟”. وأوضح الشيباني أن “المعارضة الحقيقية لمشروع الرئيس في الإدارة، ووجب فتح تلك الملفات وكيفية تعيين الموظفين، ولاحظنا في الفترة الأخيرة كيف أن الرئيس سعيد يعلن قرارات، لكن الإدارة لا تستجيب لتنفيذها وهذا ما يعني أنها مسيّسة، ويجب غربلة تركيبة الإدارة في كافة مفاصلها”.
وبخصوص عمليات تدليس الشهائد، اعتبر الشيباني أنها “تشمل أساسا وزارات التعليم العالي والتربية والتكوين المهني والصحّة”، مشيرا إلى ضرورة “فتح ملف التعيينات في الوظيفة العمومية”. وأكد المحلل السياسي والخبير الأمني أن “المهمة تبدو كبيرة، لكن هناك إرادة وآليات تنفيذ حيث لا بد من التنسيق بين مختلف الوزارات لإتمامها”.
وعرفت تونس بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها، بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي يرى البعض أنها تخضع للمحاصصة الحزبية. وواجهت البلاد بعد 2011 موجة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والضغط من أجل توفير الوظائف، كما صدر مرسوم العفو التشريعي العام في 19 فبراير 2011، الذي تم بمقتضاه انتداب حوالي 7 آلاف موظف في الوظيفة العمومية، من دون مناظرات رسمية.
◙ رئيس الجمهورية قيس سعيد قطع أشواطا كبيرة في المحاسبة وآن الأوان لتطهير الإدارة التونسية التي تم تلغيمها منذ سنوات
وحسب دراسة رسمية أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، تم بعد 2014 تعيين ثلاثة آلاف موظف من عائلات ضحايا الثورة وجرحاها، بصفة عشوائية، فضلا عن شبهات التوظيفات السياسية. وفي وقت سابق، طالب حراك 25 يوليو بتطهير الإدارة التونسية ومراجعة التعيينات في مختلف هياكل ومؤسسات الدولة.
وأفاد الأمين العام المساعد للحراك عصام بن عثمان في تصريح لإذاعة محلية بأن “حادثة جربة الإجرامية أثبتت أن الإدارة التونسية مخترقة”. وأضاف بن عثمان أن “رئيس الجمهورية قيس سعيد قطع أشواطا كبيرة في المحاسبة وآن الأوان لتطهير الإدارة التونسية التي تم تلغيمها منذ سنوات”. كما طالب بضرورة مراجعة بعض التعيينات في سلك الولاة والمعتمدين وحتى الوزارات.
وأثار تزوير الشهادات العلمية والتعيينات المشبوهة في عدد من القطاعات، في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، جدلا واسعا في الفترة الأخيرة، وسط دعوات إلى التدقيق في الشهادات العلمية في مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية. وفي وقت سابق، أحالت وزارة الشؤون الاجتماعية أكثر من 200 ملف على القطب القضائي المالي بخصوص تزوير شهائد علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.