محنة الأدباء العرب تتواصل مع منتجي الأفلام

الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية مقتبسة من نصوص أدبية دون لفت الانتباه إلى ذلك، حيث يتعامل منتجوها بتجاهل مع الكتاب الأصليين الذين يعانون التهميش والنكران رغم أنهم أصحاب الحكايات الأصلية التي تحوّلت إلى فيلم أو مسلسل، وهذا ما دعا الكثير منهم إلى الوقوف ضد هذا الوضع الذي يعتبر اعتداء على حقوق الكتاب المعنوية والمادية.
لا يزال تحييد الكتّاب قائما (حتى لا نقول تهميشهم) في الكثير من الأعمال السينمائية العربية المقتبسة عن مؤلفاتهم.
ويمضي منتجون ومخرجون في التعامل مع كتّاب القصة والرواية الأصلية التي اقتبس منها السيناريو كـ”أبناء الجارية” كما يقال، هذا بالإضافة إلى المعالجين والمدققين والمستشارين في المادة الدرامية.
يحدث هذا في ظل غياب قوانين وتشريعات صارمة وواضحة تحمي حقوق المؤلفين وكتاب السيناريو، ومن هم في حكم مشمولات عملهم.
وإن وجدت هذه القوانين فإنها ضبابية وهشة يسهل اختراقها والالتفاف حولها، ذلك أنها حمالة أوجه، وقابلة لـ”الاجتهادات”.
تهميش الكتاب
ظاهرة إسقاط أسماء الكتاب وعدم الإشارة إليهم في الأفلام العربية تزامن مع موجة سينما المؤلف التي باتت موضة
تعتبر تونس من الدول المتقدمة نسبيا في هذا الشأن مقارنة بنظيراتها العربية، وذلك عن طريق “المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة”، لكن تجاوزات كثيرة حصلت وتحصل كل يوم في مجالات شتى من الإبداع الأدبي والفني.
وفي هذا الصدد، أطلق أخيرا، الكاتب والقاص الأسعد بن حسين، صرخة رفض لتهميش السينمائيين للكتاب حيث وقع أخذ نصين له دون ذكر اسمه أو حتى مجرد لفت انتباه.
وأفاد الكاتب الذي يشغل منصب مدير “بيت الرواية” في مدينة الثقافة التونسية أنه لن يصمت على هذه الإهانات لكرامة الكتاب، وسيظل مدافعا شرسا عن حقوق الأدباء، وأن تجاهل السينمائيين ليس الأول من نوعه، ويجب وضع حدّ لهذه التجاوزات.
يأتي هذا على خلفية ما أسماه بتجاهل حقه في حضور كواليس الأفلام المختارة من أعماله ومعرفة تفاصيل عقده وكيفية التعامل مع مضامين وخصوصيات قصصه وحضور اسمه في شارة العمل وغيرها من البنود، التي من المفترض الاتفاق عليها في كل عمل فني قبل الانطلاق في تصويره.
هذا الاستياء الذي عبر عنه الكاتب والسيناريست التونسي جاء عقب تعامل بعض منتجي أفلام “مشروع الاقتباس” الذي يشرف عليه مركز السينما والصورة، التابع لوزارة الثقافة التونسية.
لم يكن الأسعد بن حسين الذي فاز بالنصيب الأوفر في تحويل كتاباته إلى أعمال سينمائية في تونس، هو الوحيد الذي تعرض لمثل هذا التعدي على حقوق الملكية الفكرية بل الكثير من أبناء جيله وممن سبقهم من رجالات الأدب التونسي الذين يدعو بن حسين، إلى تحويل أعمالهم إلى أفلام روائية ضمن مشروع طموح.
وليست تونس هي الوحيدة التي يعاني كتابها هذا التهميش من قبل منتجي السينما والتلفزيون بل بلدان عربية كثيرة من بينها مصر التي تكاد أحيانا، لا تعرف في بعض أفلامها من هو المؤلف الأصلي من المقتبس من المعدّ، علاوة على أن صالات العرض وشرائط الفيديو تعج بأفلام مأخوذة عن أعمال عربية وأجنبية دون ذكر للمؤلف.
أما الإنتاجات التلفزيونية السورية التي ازدهرت في العقدين الماضيين، فيقف خلفها جيش من الكتاب المجهولين الذين رضي بعضهم بإسقاط اسمه من الشارة مقابل امتيازات أخرى كما وقع السطو على كتابات عديدة في ظل غياب القوانين الناظمة للملكية الأدبية.
الوقوف ضد النكران
السيناريست العربي لا يطمح أن يكون في درجة شهرة زملائه في أميركا، ولكن أقل ما يطلبه هو عدم التعدي على حقوقه المادية والمعنوية
تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة إسقاط أسماء الكتاب الحقيقيين وعدم الإشارة إليهم في الأفلام العربية تزامن مع موجة “سينما المؤلف” التي باتت موضة لدى بعض المخرجين من الذين يتّكئون على مدرسة فنية عريقة كان غودار وزميله لولوش من روادها، لينفردوا بأجرة السيناريو بالإضافة إلى الإخراج، وليس في الأمر خيار فني أو معرفي.
يضاف إلى هذا غياب السيناريست المحترف الذي يكتب بلغة مشهدية تراعي التقطيع الزماني والمكاني، وليس بلغة أدبية تختلط في سرديتها المشاعر وتتعطل فيها الأحداث.
يمكن القول إنه قد ولى زمن “الكاتب النجم” على طريقة نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس اللذين كانت توضع صورهما على بوستر الفيلم، لكن هذا لا يعني قتل الكاتب بالمفهوم التغييبي للكلمة وليس بالمفهوم البنيوي كما يراه المفكران رولان باررت وميشيل فوكو.
هذا النكران سببه نوع من النرجسية المرضية لدى بعض المخرجين، وكذلك الاعتبارات المالية التي تدور في خلد المنتجين، إذ أن اسم الأديب لم يعد يلعب دورا تسويقيا في زيادة مساحة الجذب. نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس نجمان و”تريند” بلغة السوشيال ميديا، تصدر إحسان للأفيش بجوار النجوم يعني أنه نجم شباك.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب طارق الشناوي “ومن هذا الجيل الذي حقق تواجدا جماهيريا أحمد مراد، فهو يكتب بعين السينمائي وله جمهور من الشباب ينتظر جديده، ولهذا مثلا كتب ‘الفيل الأزرق‘ الجزء الثاني مباشرة للسينما، وتقييم الحالة الأدبية له معيار مختلف تماما عن السينما”.
أما يوسف إدريس فإنه، بنظر الشناوي، كثيرا ما أعلن غضبه على كل الروايات التي قدمتها له الشاشة، ولهذا كتب سيناريو وحوار روايته “حادثة شرف” وحقق الفيلم الملتزم حرفيا برواية أديبنا الكبير، فشلا ذريعا في دور العرض، بقدر ما صالح الأدب خاصم السينما.
وبالعودة إلى محنة كتاب القصة القصيرة على وجه الخصوص، مع منتجي الأفلام كما جاء في صرخة التونسي الأسعد بن حسين، فإن الأمور يصعب ضبطها في تناثر وتشابه القصص المنشورة هنا وهناك، وغياب جمعية أو نقابة تجمع كتاب القصة والسيناريو، تدافع عن حقوقهم وتقاضي من تعدى عليها من المخرجين والمنتجين.
إن نظرة واحدة إلى وضع كتاب السيناريو في الولايات المتحدة الأميركية، تنبهنا إلى قوة نفوذ هذا القطاع وأهمية دوره في الإنتاج السينمائي، حيث لا يقل الكاتب شهرة ومجدا وثراء عن نجوم هوليوود.
لا يطمح السيناريست العربي طبعا، أن يكون في درجة شهرة زملائه في أميركا، ولكن أقل ما يطلبه هو عدم التعدي على حقوقه المادية والمعنوية، إذ من المشين أن يعيش حياة بائسة مقارنة بنجوم التمثيل والإخراج في الوقت الذي صنع فيه هو الحكاية. وليست السينما ولا الدراما التلفزيونية إلا حكاية يتعلق بها الناس أكثر من أي عنصر فنيّ آخر.. وساردو الحكاية هم كتابها دائما.