محمد فراج فنان مصري يجسّد تناقضات المتطرفين العميقة

استطاع محمّد فراج على مدار 15 عامًا السير خطوة خطوة نحو النجومية، مراهنًا على الأدوار الصغيرة المتقنة في الوصول إلى المشاهدين، حتى حقق له الموسم الرمضاني الأخير مراده بعدة تجارب تمثيلية جذبت أنظار النقاد والجمهور إليه.
وصنع محمّد فراج لنفسه قماشة تمثيلية واسعة، فلم يحصر نفسه منذ ظهوره دراميًا وسينمائيًا في العام 2005 داخل مجال واحد، فقدم الكوميديا والتراجيديا والحركة بالطاقة ذاتها، قبل أن يبرع كثيرًا في تقديم شخصية الإرهابي أو المتطرف المغلوب على أمره، أو الشرير الذي يحكمه ميزان أخلاقي خاص به، فيثير قدرا من التعاطف مهما كانت شخصيته سلبية وتستحق نصيبها من البغض.
لعبة نيوتن ولعبة فراج
شرب فراج، المولود عام 1983، قواعد الوسط الفني جيدًا، فعرف كيف يلعب أولاً قبل أن يزاول اللعبة، واستفاد من ظاهرة مستحدثة على الوسط الفني المصري باستقطاب ضيوف الشرف في أداء أدوار محدودة الوقت كان يقدّمها الكومبارس في الماضي، ليظهر عبرها قدرة تمثيلية دفينة بامتلاكه جلد حرباء متلونة، فسحب الضوء من ممثلين كبار رغم ظهوره في مشاهد محدودة.
ظهر في الموسم الرمضاني الأخير في أربعة مسلسلات حققت جميعها نجاحًا، سواء بالبطولة في مسلسلي “لعبة نيوتن” و”ضد الكسر” أو كضيف شرف في “الاختيار 2” و”خلي بالك من زيزي”، وفي كل منها لعب دورًا مميزًا من حيث الأداء والانفعالات، بما يتماشي مع مقولة يرددها كثيرًا تؤكد رفضه “النمطية والتكرار".
وصل فراج عبر شخصية "مؤنس" في مسلسل "لعبة نيوتن" إلى قمة هرم النضوج التمثيلي، فالدور يشبه الفخ لتمحوره حول محام سلفي يحمل مبادئ وعقيدة يسير بها في حياته قبل أن يعيد توظيفها لتبرير تصرفات تحقق رغباته الشخصية، ويجمع “مؤنس” ثماني شخصيات في واحدة بين الرومانسي والعنيف والمتطرف والطيب والشرس والمقهور والقاهر والمظلوم والظالم.
انغمس كثيرًا في الشخصية فأطلق لحيته لمدة 18 شهرًا ودرس كل تفاصيلها في ظل مخاطرها وإمكانية الاتهام بتشويه الإسلاميين، فالمحامي الملتحي رجل أعمال يتنقل بين الداخل والخارج، ولديه مكنون من المشاعر المكبوتة مرتبط بهجرة والده لأمه راقصة “الباليه” وتربيته عند زوجة أبيه ذات التوجه السلفي، في مجتمع مغلق تسيطر عليه اللحى والحجاب والخمار والنقاب، مع عجزه عن الإنجاب رغم تعلقه بعالم الأطفال.
يحب الممثل الشاب كسر التابوهات المعتادة عن الشخصيات فلا يقدمها بصور قريبة من المعتاد، فتصبح الإضافات الخاصة التي يكمل بها الشخصية أحد عناصر نجاحها، سواء بلغة الجسد أو حركة الأعين، وهي طاقات تثير تعاطف الجمهور، فرغم مقتهم لشخصية “مؤنس” الذي يحاول اغتصاب زوجته أو سرقة ابنها من زوجها الأول، لكنهم في النهاية تعاطفوا مع معاناته في حبه لها وخسارته الكثير من أجل إرضائها.
ضد الكسر
ما يجعل فراج ممثلاً سابقا لكثيرين من أبناء جيله هو القدرة على إظهار الاختلاف بين الأدوار المتشابهة، فمع تقديم شخصية “مؤنس” كان يلعب بطولة أخرى في مسلسل “ضد الكسر” لشخصية تحمل تشابهات كثيرة عن “كريم الدمنهوري”، رجل أعمال ناجح في تجارة العقارات والأراضي، يحمل جروحاً نفسية من عالم الطفولة بانهيار أسرته بسبب الخيانة الزوجية، فيعيد إنتاج الأمر ذاته بعلاقات نسائية متعددة، رغم حبه الشديد لزوجته، في شخصية شديدة التركيب تجمع بين الحب والخيانة والرغبة في التملك والخوف من الفقد ومرارة الخداع والتحسر على أخطاء الماضي.
برز فراج في تقديم دور الإرهابي أو المتطرف دينيًا في مسلسلي “الجماعة” و”الاختيار 2”، والأخير يتضمن تجربة مختلفة، فلم يقدم إرهابيًا تقليديًا مذعورًا، لكن شابًا يصارع مشاعر عدة بين الخوف والاستقواء بجماعته في البداية ثم القلق والحيرة في الوسط، والوصول إلى مشارف الانهيار، ثم التماسك مجددًا وكل تلك الخلطة من المشاعر ظهرت في مشهد لا يتعدى خمس دقائق.
وفي “الجماعة” برز في دور “حسن شحاتة” الذي لم يتعد سبع دقائق كانت كفيلة لتوصيل قصة حياة شاب فقير يطلق لحيته لانقطاع المياه عن منطقته الواقعة فوق الجبل، ويشارك في أي فعاليات معارضة للحكومة مهما كانت عاجزة أو فاسدة أو كاذبة، وتربطه علاقات بشباب جماعة الإخوان ويشارك في مظاهراتهم فقط لأجل الإقامة مع بعضهم في أوضاع أفضل مما يعيشه مع أسرته.
حياة الفراشات
امتلك فراج علاقة خاصة مع المخرج تامر محسن الذي آمن كثيرًا بقدراته فقدمه في عدة أعمال ناجحة كان أهمها مسلسل "بدون ذكر أسماء" و"هذا المساء" و"تحت السيطرة"، ويجمع بينها اقتناع كامل بضرورة الوصول بالشخصية إلى العمق الضروري واقترابها من الواقع. ورغم ذلك لا يحسب فراج نفسه على مدرسة بعينها، فهو يعتبر أن الحرية هي أساس النجاح، والفنان عنده كالفراشة التي تتنقل بين الأفكار والطرق الإخراجية والتقنيات، ولا يتوقف عند مرحلة بعينها متبنيًا تلك الفكرة من الدراما الأوروبية والأميركية التي يبدي دائمًا انبهاره بأسلوبها التشويقي والإبداعي حتى لو كانت الفكرة شديدة البساطة.
تسيطر حياة الفراشات على الحياة الشخصية لفراج، فكان في بدايته لاعب كرة قدم تنقل بين الأندية الصغيرة حتى وصل إلى النادي الأهلي، الحلم الأكبر لأي مزاول لكرة القدم في مصر، خاصة إذا كان من أسرة بسيطة مثل فراج، والذي كان والده يعمل في إصلاح السيارات ليفاجأ الجميع حينها برفضه الفرصة وترك عالم الكرة، وتوجيه بوصلته إلى قسم التصوير في معهد السينما بمصر، والتزم في صفوفه لعام واحد ثم تركه، وبعدها حاول الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية لكن لم يحالفه الحظ، قبل أن ينضم لمركز الإبداع الفني بدار الأوبرا بقيادة المخرج خالد جلال لمدة خمس سنوات.
ومع كل القدرات التمثيلية الضخمة لمحمد فراج يحن دائمًا للكوميديا التي كانت سببا في ظهوره فنيًا، فالشاب لا ينسي أنه قضي تسع سنوات في كلية التجارة بجامعة القاهرة لأجل عيون مسرحها الذي اعتبره بوابة النجاح، قدم خلالها 30 عملاً مسرحيًا.
في الموسم الرمضاني الماضي قدم دور ضيف شرف في المسلسل الاجتماعي الكوميدي “خلي بالك من زيزي” عن مُدرب تمثيل يظهر لعدة مشاهد وينذوي، لكنه رفض الرحيل دون ترك بصمة خلالها، فأثارت طريقته شديدة المبالغة في تقدير الذات والنرجسية في التوجيه قدرًا من الضحك مثل إضافة في عمل يصنفه النقاد ضمن أهم الأعمال الفنية.
الظاهرة المستحدثة على الوسط الفني المصري والتي يمثلها استقطاب ضيوف شرف لأداء أدوار صغيرة، عرف فراج كيف يستثمرها ليظهر عبرها قدرة تمثيلية فريدة، فسرق الأضواء من الكبار رغم ظهوره في مشاهد محدودة
يمكن اعتبار مسرحيات “بدون مقص” أولى تجارب فراج الفنية التي اقترب فيها من الجمهور لسخريتها العنيفة من الواقع الاجتماعي وعرضها كفقرات ترفيهية على شبكة تلفزيون “النيل” الرسمية التي كانت في أوج نشاطها حينها، وساهمت تلك التجربة في تقديم مجموعة من أبرز نجوم الكوميديا بمصر حاليا مثل بيومي فؤاد وهشام إسماعيل ومحمد سلام.
رفض فراج على مدار السنوات الخمس الأخيرة التجربة البطولة المطلقة في مسلسلات الدراما وتحجج بالعمل على ذاته كي يصبح أقوى على مستوى الأداء والوصول إلى مرحلة متقدمة بعدد الأدوار المتميزة التي يشارك فيها، لكن يبدو أن الأمر مرهون أكثر بالبطولة الأولى في عالم السينما عبر فيلم “القشاش” إنتاج 2016.
يمثل “القشاش” الذي يدور عن ظلم المُهمّشين في المجتمع أصعب امتحان مر به فراج في حياته المهنية لكثافة الانتقادات التي تعرض لها العمل والقائمون عليه والمشاركون فيه عقب طرح المقاطع التشويقية له التي ظهر فيها البطل بشعر طويل أشعث، حاملاً السلاح الأبيض خلف راقصة تتمايل على المسرح.
تعلّم كثيرًا من تلك التجربة على مستوى الأعمال التي يقبل بها، خاصة أن قصة “القشاش” كانت جيدة لو تم حذف كمية الحشو التي تضمنتها والتركيز على الفكرة الأصلية عن شخص يتم اتهامه ظلماً في قضية قتل فيهرب من أجل إثبات براءته بالتعاون مع راقصة، وهي قصة شديدة القرب من فيلم “الهروب” لأحمد زكي لكن طريقة التناول هي التي وضعت كل منهما في مكانة مختلفة تمامًا.
اجتهاد فني
راعى فراج كثيرًا في فيلم “الصندوق الأسود” مع منى زكي ألا يقع في الخطأ ذاته فقدم شخصية “سيد الهجّام” بصورة شديدة التلقائية بعيدًا عن التابوهات المعتادة، تعتمد على تراكمات خبراته السابقة على مستوى المظهر وحركة الوجه، ليقترب من السمات المطلوبة لمجرم يثير الخوف بمجرد رؤيته ببقايا ضربة آلة حادة على عينه اليسرى.
وهو يرفض تشبيهه بأي من أبناء جيله على مستوى التمثيل، وسبق وأن تخلى عن هدوئه المعتاد ورصانته الدائمة في الردود على أسئلة الصحافيين، حينما تمت مقارنته بمحمد رمضان، واعتبر أنه من الغباء أن ينظر الممثل إلى غيره ويحاول تقليده، وكان شديد الوضوح حينما قال إن رمضان “لم يحتكر الأكشن بمصر وليس الوحيد الذي حمل سلاحًا أبيض في الأفلام”.
ما يميزه عن نجوم جيله هو الاجتهاد والاقتناع بأن الفن مهنة تتطلب تسخير الحياة الشخصية لخدمتها، فمثلما أطلق لحيته عاما ونصف العام من أجل مسلسل “لعبة نيوتن” أطلق شعر رأسه عامًا كاملاً من أجل توافقه مع شخصية “رجب الفرخ” الذي يدير تشكيلاً من المتسولين في مسلسل “بدون ذكر أسماء”، ولم يعتذر عن دوره رغم وفاة والده مع الشروع في التصوير، وكرّر الأمر ذاته في مسلسل “عد تنازلي".
في مسلسل "تحت السيطرة" استغرق وقتا طويلا في البحث عن إضافات إلى الشخصية، فجلس مع أطباء الصحة النفسية ومكافحة الإدمان والتقى بمدمنين في أماكن يتعافون فيها من الإدمان وحضر جلسات العلاج الجماعي لهم لفهم الأعراض التي يشعرون بها عند التعاطي وفي مرحلة الانسحاب والتعافي.
يمثل العام الحالي سنة السعد على فراج، ليس بسبب نجاح تجاربه ولكن مساحة الدور وعمقه وضعاه في مصاف الأسماء الكبيرة على مستوى البطولة مثل نيللي كريم ومنى زكي، الذي سبق له مشاركتهما في أعمال سينمائية ودرامية متعددة لكن بمساحة دور أقبل بكثير.
استطاع فرّاج تنويع الأدوار التي شارك فيها خلال مسيرته الفنية ليقدم مزاوجات غريبة تظهر قدرته على التنقل السلس بين الأعمال، بين الجندي الوطني في فيلم “الممر”، وضابط الشرطة الفاسد في “الحصان الأسود”، وتاجر المخدرات في “المصلحة”، والمدمن العاجز عن التعافي في “تحت السيطرة”، والمدمن القاتل في “قابيل”، والمتدين الرافض للخمور في “لعبة نيوتن”، واللص في “الصندوق الأسود”، والمطرب الرومانسي في مسلسل “أهو دا اللي صار”، والزوج الخائن في “ضد الكسر”. وهو يُعد نفسه اليوم للدخول في تجارب سينمائية قوية من أهمها فيلم “أهل الكهف” مع محمد ممدوح رفيق عمره، وينتمي العمل إلى السينما الملحمية المحملة بالمعارك والصراعات والخيال، وفيلم “200 جنيه” حيث عالم الكوميديا والذي يضم هاني رمزي وأحمد رزق وإسعاد يونس ونيللي كريم.