محمد الفوز: أتعبني الشعر ولولاه لأصبحت مليونيرا أو مخترعا

الخبر- الشاعر السعودي محمد الفوز يتحدّى بشكل علني “قلق التأثر” الذي رصد معالمه الناقد “هارولد بلوم” حين نظّر للروابط الأدبية المتداخلة بين الشعراء، خصوصا أولئك الممسوسين بالتجارب الكثيرة، والمصابين بفتنة الاختلاف. لكن الفوز ورغم إعلانه الصريح بعدم الخوف من الشبه إلا أنّه يقظ على الدوام في خطواته، ينتقل من وشاية إلى أخرى متلبّسا فيها بأكثر من لغة.
في كتابه “إعادة تشغيل الجسد” الصادر عن دار “ليان للنشر” بمصر، قسّم الشاعر محمد الفوز مجموعته إلى ست محاولات شعرية لتشغيل الجسد الإلكتروني الافتراضي “عاشق إلكتروني”، و”مشاعر سرية”، و”جريء جدا”، و”فقه الكاميرا”، و”سهرة عالية الدقة”، و”دردشة مجنونة”. وحرص على تقديم الحالات الإنسانية الإلكترونية كصيغة شعرية بديلة، لها كينونتها في المعنى الإنساني العميق، حيث لم يعد الكائن الافتراضي افتراضيا، ولا الواقعي واقعيا.
معركة روحية
يرى الفوز أنّ هنالك دائما منطقة لم يسكنها الإنسان بعد. وعلى الشعر أن يعيد تشغيل الجسد الافتراضي فيها. من هنا، جاءت مجموعة الفوز مختلفة عن تجاربه الشعرية السابقة التي أخذت ملامح الملاحم الشعرية الطويلة المستنطقة للتاريخ تحت أسئلة الشعر.
لن أتنازل عن جسد صاهل وأحتاج إلى أياد ناعمة تعيد تشغيله
هذه العوالم أثرت في علاقتي بالكتابة والقراءة ككل، وجاء ديوان “إعادة تشغيل الجسد” ليس لحلّ إشكالية التلقي بل ليصبح إشكالية مفرطة بحدّ ذاته، لقد كتبتُ جميع هذه النصوص على سطح الكيبورد، وقد تداولتها إلكترونيا برفقة أصدقاء كونيين، ولك أن تتخيل مدى شساعة الأمل الذي نعتقد أنه قاب قوسين منا بينما هو ينأى ويبتعد عن لحظات الغواية التي كانت طوق أمان لقصيدة الشاعر العربي، لقد غرقتُ في الكتابة ولم أجد طوق أمان، و”إعادة تشغيل الجسد” هو معركة روحية مهما تسللت على أريج الورق ستظل رائحة الحرب قائمة في ذاتي، ولن أتنازل عن جسد يصهل في هذا المدى مالم يتكئ في لحظة غياب، ولذلك أحتاجُ لأياد ناعمة تُعيد تشغيله/الجسد الذي لا يُعاد تشغيله أقصى مآلاته ستكون جهة منسية في فراغات اللاوعي ولن أغدو كذلك».
التحرّش بالجمال
تتنوّع مناخات الفوز في اشتغالاته على النص، ففي 2009 طبع مجموعته الشعرية “ليل القرامطة” متّكئا على لغة ملحمية طويلة اعتمدت شعر التفعيلة والعمودي، ثم بعد عامين أصدر مجموعة قصصية “الخائفون من الشبه” التي حاول عبرها أن يجرب أدواته كقاصّ. ويبدو أن اختباره الخاص على النص القصصي توّلدت عنه روايته التي أصدرها في 2013 “لا تثقوا بامرأة” ليعلن طلاقه للشعر، وليؤكد استشعاره مكامن السرد.
|
يقول الفوز: “لقد أتعبني الشعر ولولاه لأصبحتُ مليونيرا أومخترعا أوفنانا كبيرا، الشعر صقل ذاكرتي بالجمال لكنه أبعدني عن الآخرين. أبعدني عن طفولتي التي تقرأ كتاب الأرض كي لا يشعر بالمحو. أبعدني عن المرايا كي أبقى في عينيه مخمليا متى ما تنفستُ اخضرار صباحاته. الشعر أجمل عثراتي في هذا الوجود”.
على ما يبدو فإن هذا الطلاق لم يدم طويلا، فشهوة الشعر مازالت تلحّ على الفوز، فها هو يقدّم لقارئه في بداية هذا العام مجموعته الشعرية الجديدة “إعادة تشغيل الجسد”. وعن ذلك تحدّث الفوز لصحيفة “العرب” قائلا: “الكتابة ليست مادة لغوية فحسب إنها أفق، إنها نزوة جسد، إنها غيهب المراثي، لست آبه بالجمود ولا أتخذ من الممارسة الإبداعية شارة لبدء تجربة جديدة أو رهانا على تحدّي النص ولكنني مهووس باللغة وأضرب في كبد القصيدة كل أطناب المستحيل لتبدو الكلمات أجمل”.
ويضيف قوله: “هذه التجارب بمقدار ما تمنحني جمهورا جديدا وتكسبني علاقات أوسع إلا أنها تقدح زناد المعرفة لديّ لأبدو كائنا مستحيلا. وهذا الدوران الدؤوب في عجلة الكتابة يدفعني إلى أرض جرداء غالبا لأحيلها إلى فردوس، ولذلك لا أقف صامتا إزاء الجمال بل أتحرش ما استطعت إلى ذلك سبيلا”.
تأتي مجموعة “إعادة تشغيل الجسد” بعد “ليل القرامطة” مرتدية مناخات شعرية مختلفة على مستوى الهندسة وبنية النص الداخلية. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن مدى تشتت الشاعر بين تنوّع أساليب الكتابة النثرية والعمودية والتفعيلة. عن هذا الشأن يحدثنا الفوز: «”ليل القرامطة” هو بداية لمشروع “ثلاثية ابن السديم” التي تضم “ليل أوروبا” و”ليل الزنج” وهي حلم إنسانيّ في قالب شعري، لو انتهيت من ثلاثيتي وكفّت يداي عن الكتابة سأكون ممتنا للطاولة وللكراريس وللأحلام وللفوضى من حولي لأني أيقنت بالنبوءات فتحقق لي؛ أما “إعادة تشغيل الجسد” فهو ديوان نثري يتلمس فضاءات مختلفة ويفترع بكارة الحياة الافتراضية كما يضع مفردات الحنين الإلكتروني إلى واقعنا في دهشة النصوص، لقد جاءت النصوص أيروتيكية وفضفاضة بالجنون، وهي حافة لسقوطي كرجل يتهندم بالصرامة ويضع الوعي على مشارف كلماته، لذلك فهذا الديوان هو أكثر قدرة على تعريتي، وربما… على انسجام الآخر معي».
الكتابة ليست مادة لغوية فحسب إنها أفق، إنها نزوة جسد، إنها غيهب المراثي
نص “أنينُ الفحولة” من المحاولة الرابعة “فقه الكاميرا”:
«على صدرك يتكوّر الشوق/ في بروز حادّ/ وتهيم على حافة ذكرياتي/ أنين الفحولة/ لم أترك نظرة عجولة/ إلا ونذرتها لك/ وأنتِ :/ مثقلة الخطى/ ترفعك المواعيد على كتف الأرصفة/ ظلي معيار اللذة/ أثري فراشة تفنى لحظة اللقاء/ المكان لا يحتمل هزائمنا/ المكان هو آخر التافهين بحياتنا/ كم أغلقنا الدروب / بإصبع …./ كم تورّد احمرارُكِ الأليم/ بإصبع ….».