محمد الخميسي.. إعلامي سعودي يتفقّد المشهد ليستخرج كنوزه

تجربة الخميسي الإعلامية تعود إلى عمله في صحيفة إيلاف الإلكترونية عام 2004 رئيسًا لصفحة اسمها خليج لايف، وهي صفحة تُعنى بأخبار الخليج العربي، وقد تزامن معها إنتاجه لفيلم وثائقي عن العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
الثلاثاء 2020/11/03
أمين الأرشفة والتوثيق

يداوم محمد الخميسي على حضوره الإعلامي عبر برنامجيه ”وينك“ و“الراحل“، مواصلاً البحث والتقصي عن أسماء اجتهدت وأنجزت وأثرت فيعيد ذكر الأحياء منها عبر الأول ، ليحمل الثاني على عاتقه التحدث عن مغادرين  تركوا وراءهم إرثا وأثراً كبيراً وإسهامات جليلة في مختلف المجالات، فيُعيدها الخميسي للذاكرة متناولاً أهم المحطات الاجتماعية والعملية والأسرية في حياتهم.

 كل الذين عاصروا تلك الشخصيات من أبناء وأصدقاء وزملاء، يستضيفهم الخميسي معترفاً بفضل أولئك وأدوارهم، ومنهم من كان صاحب يد طولى عليه في بداية مشواره الإعلامي، ما دفع الكاتب رجا العتيبي إلى أن يقول عن أعماله ذات مرة إنها “برامج تستنطق التاريخ والزمن الجميل، سواء مع الذين اختفوا عن الساحة لسنوات طويلة، أو الذين رحلوا عن دنيانا، فما زال هؤلاء المختفون أو الراحلون لديهم موقع وذكرى واهتمام؛ اهتمام يأتي بمنزلة تكريم مستحق من الخميسي لأناس خدموا الساحة الثقافية والفنية لسنوات طويلة، وهو ما جعل البرنامجين يحظيان بصدى إعلامي واسع، قوة ناعمة“.

توثيق الذكريات

انقضت ثمانية مواسم متتالية من عمر برنامجه الاجتماعي ”وينك“، وأربعة مواسم متتالية أيضا لبرنامج ”الراحل“ ولا يزال الخميسي وطاقم برامجه في مغبة البحث عن الأسماء المهجورة والمنزوية ومن طواها التهميش والنسيان، وتجربته في مثل هذه البرامج ليست وليدة البرنامجين الأخيرين وحسب، فقد سبق له أن قدّم برنامج ”جيل 21” عبر شاشة قناة الاقتصادية السعودية متحدثاً فيه مع الشباب، ومتطرقاً إلى قضاياهم وما يواجهونه من متاعب ومشاكل، وإن كان في حكم أغلب متابعيه لم يلق الصدى المستحق ولم تمنحه القناة الدعاية التي تتواءم مع أهميته.

يأسر ضيوفه والمتحدثين معه بشفافيته وابتسامته التي ينعكس أثرها تحديداً على ضيوفه، مُعاتبا إياهم عن ابتعادهم في صورة سؤال ”وينك؟“، ورغم كونها كلمة واحدة، إلا أنها تفتح المجال للذكريات لتتوالى الأسئلة ذات النبش اللطيف، كاشفاً عن أمانيهم وآمالهم، مُسخراً للضيف أكبر مساحة للحديث فيسترسل لا يرده راد ولا يمنعه مانع، ولطالما كان برنامج ”وينك“ يسلط الضوء على جوانب أضحت محل اهتمام ورعاية من جهات مسؤولة، ويكشف عن جديد يتمتع به الضيف لم يكن معروفاً عند محبيه ومتابعيه، مع عدم اقتصار ضيوفه على دولة بعينها، بل يستقطب أسماء من مختلف أصقاع العالم العربي، بدْءًا من السعودية ثم دول الخليج فالدول العربية، نساء ورجالاً وفي مختلف المجالات.

ولادة الفكرة

الخميسي يأسر ضيوفه بشفافيته التي ينعكس أثرها عليهم، مُعاتبا إياهم على ابتعادهم، وفي الصورة يستضيف الشاعر العراقي الراحل زهير الدجيلي صاحب «يا طيور الطايرة» وغيرها من الروائع الخالدة
الخميسي يأسر ضيوفه بشفافيته التي ينعكس أثرها عليهم، مُعاتبا إياهم على ابتعادهم، وفي الصورة يستضيف الشاعر العراقي الراحل زهير الدجيلي صاحب «يا طيور الطايرة» وغيرها من الروائع الخالدة

وردَت إليه فكرة البرنامج قبل عام من التحاقه بـ”روتانا الخليجية“ وكان منبعها، كما يقول، حبّه للنجوم والأسماء ذات الإنجاز ومتابعته لهم وتقصي أخبارهم، متسائلاً بينه وبين نفسه عن أسباب اختفائهم، مستغرقاً التفكير في كيفية العودة بهم إلى الأضواء وعبر أي وسيلة كانت صحافية أو إذاعية أو تلفزيونية، ليكون اليوتيوب محطة انطلاقته الأولى، وبعرض لا يتجاوز الدقائق السبع، وليكتب له القدر لقاءً مع وزير الإعلام السابق تركي الشبانة إبان إدارته لقناة ”روتانا“ وقبل توليه مهام الوزارة، فيعرض عليه فكرة البرنامج وبالشكل الذي يتخيله، ليفاجأ برد الشبانة “الفكرة رائعة ولكنك ظلمتها بطريقتك، ولا بد من تطويرها“.

ويضيف الخميسي ”أحيانا كثيرة نقدم افكاراً مهمة، لكنها للأسف لا تأخذ قدرها من العمل والاهتمام الذي يليق بها، بخلاف برنامج (وينك) تطور من سبع دقائق عبر اليوتيوب إلى تسعين دقيقة عبر قناة فضائية، ومن تخطيط ثلاثين حلقة فقط إلى مواسم عديدة“. وهذا البرنامج يُعد الأول والوحيد في توثيق حياة وسيرة أشخاص منجزين لم يسبق وأن وُثِق عنهم شيء كالشاعر إبراهيم خفاجي صاحب كلمات النشيد الوطني، لتصل قوة ارتباط الخميسي ببرنامجه إلى درجة أنه حين يزور إحدى المناطق أو الدول يأخذه التفكير والسؤال “من فيها من الأشخاص يناسب استضافته في وينك؟” فيبدأ بعرض مباشر للضيف، مروراً بمقدمة حديث عنه وعن إنجازاته، ومن ثم التطرّق إلى أهم الأسماء القريبة والمعاصرة له، وختاماً تكون البداية معه.

لم يكن الخميسي يتخيّل أن يحظى البرنامج بمثل هذا الانتشار والصدى من داخل السعودية وخارجها، وأن تتم الاستعانة به في أعمال مهمة مثل مسلسل ”العاصوف“ وتحديدا أثناء حلقة هجوم جهيمان على الحرم المكي.

وفاء من نوع آخر

تجربته في هذا النمط من المواد التوثيقية ليست وليدة البرنامجين الأخيرين وحسب، فقد سبق للخميسي أن قدّم برنامج ”جيل 21” عبر شاشة قناة الاقتصادية السعودية متحدثاً فيه مع الشباب
تجربته في هذا النمط من المواد التوثيقية ليست وليدة البرنامجين الأخيرين وحسب، فقد سبق للخميسي أن قدّم برنامج ”جيل 21” عبر شاشة قناة الاقتصادية السعودية متحدثاً فيه مع الشباب

لم يكتف الخميسي بما وصل إليه برنامجه من انتشار، بل رأى أن واجبه الإعلامي، إضافة إلى طموح يتلبسه، يُحتم عليه الاستزادة من البرامج التي تُعنى بالمجتهدين من الأسماء الراحلة خاصة، فكان برنامج ”الراحل“ الذي يقول عنه “هو عبارة عن ذاكرة توثيقية شفهية يرويها المقربون والمعاصرون عن الشخصية المختارة، وبمنزلة مكتبة أرشيفية مرئية وصوتية توثق حياة الرواد الذين رحلوا عنا تكريماً ووفاءً لهم”، موضحاً آلية اختيار الشخصيات صاحبة البصمة في السياسة والثقافة والإعلام والرياضة والفن، والرموز الذين قدموا الكثير من الإنجازات والأعمال الخالدة، ورحلوا تاركين وراءهم تراثاً غنياً يستحق التأمل والتكريم.

يرى الخميسي أن المجتمع السعودي مليء بالمبدعين والرواد ممن خدموا في مجالات مختلفة، لذلك جاءت فكرة برنامج ”الراحل“ كتكريم وطني لهم، فالكثير من الرواد رحلوا دون أن يأخذوا حقهم من التكريم وذهبوا بصمت، وولادة الفكرة انبثقت من مصادفات حديث ضيوف ”وينك” وتذكّرهم لمواقف مع شخصيات معروفة متوفاة، فالغائبون ذكّروه بالراحلين فكانت فكرة إدراج كل ما قيل عن المتوفين من ضيوف ”وينك“.

توقيت البرنامج الذي لا يتجاوز الساعة لا يستطيع اختصار حياة الإنسان، لكن هذا أقل الواجب، علـى حد تعبير الخميسي الذي يقول ”حرصنا الأكبر يتركّز على إعادة حضور الرواد لجيل الشباب الذين ربما لا يعرفون الكثير منهم، ومن هنا نعيد طرح رحلة حياة كل إنسان في قالب سرد توثيقي، عبر شهادات أسرهم والذين زاملوهم أو عاشوا معهم“. وهكذا أينعت الفكرة ونضجت مع أنها من النوع البرامجي الذي يستغرق تجهيزه للعرض قرابة الشهرين أو الثلاثة.

البداية من الصحافة الإلكترونية

ضيوفه لا ينحصرون في دولة بعينها، فالخميسي يستقطب أسماء من أصقاع العالم العربي كله، بدءًا من السعودية ثم دول الخليج فالدول العربية
ضيوفه لا ينحصرون في دولة بعينها، فالخميسي يستقطب أسماء من أصقاع العالم العربي كله، بدءًا من السعودية ثم دول الخليج فالدول العربية

بدأت تجربة الخميسي الإعلامية في صحيفة إيلاف الإلكترونية عام 2004 رئيسًا لصفحة اسمها خليج لايف، وهي صفحة تُعنى بأخبار الخليج العربي، وقد تزامن معها إنتاجه لفيلم وثائقي عن العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز استغرق إنتاجه سبعة أشهر، ليلتحق بعد ذلك بقناة الاقتصادية الخاصة كمذيع، فقدم عبرها برنامجه ”جيل 21 ” المعاكس لبرامجه اللاحقة، إضافة إلى حلقات يومية أسماها ”اليوم“ تساهم في طرح ومناقشة القضايا المحلية.

غاب الصحافي السعودي أربع سنوات تقريباً عن المجال الإعلامي، ليشد رحاله إلى دبي للعمل مديرًا لتحرير موقع مجلة “فوربس الشرق الأوسط”، ويبدأ إنتاج الأفلام الوثائقية في مجموعة ”روتانا“ وباسم محمد الخميسي بعد ظهورسابق باسم محمد سعود، معللا هذا التغيير بكثرة أسماء الإعلاميين الذين يشتركون بالكنية ذاتها، واصفاً دخوله للمجال التلفزيوني بالصدفة بعد تجربة طويلة في العمل خلف الكواليس.

واليوم يُعد برنامجا ”وينك“ و“الراحل“ بمثابة الجسر الذي شيده الخميسي وأتقن بناءه بمهارة واقتدار فربط بين الشخصية المختارة ومحبيها، متحملاً مشاق السفر والتنقل ومعاناة التأجيل واختفاء الضيف المفاجئ بعد تأكيد موعد اللقاء معه، والبحث والسؤال والوصول إلى أكبر قدر من المعلومات عن ضيوفه وعن اختياراته.

يعقد الخميسي العزم على مواصلة البحث، مرحبا باقتراحات من يرى أن هناك اسما يستحق استعراضه والحديث عنه، لاسيما وأن برنامجه يظهر في أتون منافسات فضائية محتدمة، وفي خضم برامج حوارية عديدة تعرضها القنوات أضحت مكمن تحليل وتقييم من متابعين لتحظى برامج الخميسي بحظ وافر من الإشادة كونها تُعنى بالإنسان، والتعريف بأسماء مشهورة ومغمورة، وهي منبع عودة إلى ذكريات جميلة تدغدغ من عاشها وعاصرها، وبفضله أضحى بين أيدينا أرشيف نعود إليه كلما أردنا المعلومة وهزّنا الحنين.

13