سعود المعجب نائب عام حازم لتمدين القضاء السعودي

أضحى النائب العام السعودي سعود المعجب مكمَن متابعة المجتمع في المملكة، مُعتلياً منصة الاهتمام والاستحواذ، إن لم نبالغ، عن باقي وزراء ورؤساء الجهات والدوائر الحكومية، نظير ارتباطه الرئاسي لجهة مناط بها إرساء العدل وحفظ الحقوق، ألا وهي النيابة العامة التي أقرتها المملكة عام 2017 وبقرار ملكي لتحل بديلةً عن هيئة التحقيق والإدعاء العام.
وتتمتع النيابة العامة في المملكة، المرتبطة بالمقام السامي، باستقلالية تامة، ويُشار لرئيسها بالنائب العام، والذي حظي به المعجب كأول رئيس لأول نيابة عامة تشهدها البلاد، في خطوة صُنفت من الكثيرين بالإيجابية.
وتتبع تلك القفزة عمليات إصلاح متدرّجة وشاملة تطال مختلف هياكل الدولة السياسية والاقتصادية والإدارية، سعيا للتحديث ومواكبة متغيرات العصر والاستجابة لتطور عقلية جيلها الصاعد والتبدل في حاجاته، فأصبحت مُلتقى أخبار المواطن الحريص على متابعة قراراتها أولا بأول والتي جعلته في مأمن حقوقي خاصة بعد إرساء عدد من القواعد والأنظمة.
طريق الإصلاح
من ضمن الإصلاحات والتحديثات القضائية والعدلية والحقوقية العامة التي أجرتها النيابة العامة، مراجعة شاملة لتصنيف الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف. وبناءً على خطاب نصه “يحدد النائب العام بعد الاتفاق مع وزارة الداخلية ورئاسة أمن الدولة ما يُعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف وينشر ذلك في الصحيفة الرسمية”. وراعى التصنيف المُعدل تقليص حالات الحبس الاحتياطي وتحديدها في مجموعة من الجرائم في إطار مراعاة حقوق المتهم، وعدم الجنوح والتوسع في توقيفه.
وقامت النيابة العامة بمراجعة شاملة لتصنيف الجرائم ودراستها مراعية في ذلك التوازن بين حقوق المجتمع وأمنه واستقراره، وبين حقوق المتهمين، بحيث لا يكون هناك إفراط ولا تفريط، واتخاذ أعلى المعايير النظامية في إقراره وذلك عبر نشرة صادرة بيّنت فيها أن هذا القرار المحدد للجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف عملت عليه من خلال عدة لجان متخصصة علميا وجنائيا وفنيا، بعد رصد وتحليل للجرائم ومدى خطورتها، وتبعات الإيقاف أو الإفراج عن المتهمين، سواء عليهم وأسرهم، أو على المجتمع، أو دور التوقيف والسجون، ونحو ذلك من الاعتبارات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي للقطاع الأمني دور مهم فيها، مشيرة إلى أن الإفراج عن المتهم في مرحلة التحقيق إجراء رصين ومحاط بعدة ضمانات.
ومنذ تولي المعجب رئاسة النيابة العامة وهي تسعى إلى تطويرِ منظومةِ الحقوق، ووضع خطةِ إصلاحات حقوقيةٍ وقضائية، كونها السباقة إلى المطالبة بتطبيق الأنظمة والقرارات المستحدثة، وبالتالي تسعى على الدوام إلى تغيير مطالباتها السابقة أمام المحاكم وبما يقتضيه الحال، حيث ساهمت في إيقاف المطالبة بأحكام القتل تعزيرا على الأشخاص الذين لم يتموا الثمانية عشر عاما وقت ارتكابهم الفعل المُعاقب عليه. وشمل هذا مرتكبي الجرائم الإرهابية الذين صدرت بحقهم أحكام نهائية.
كما عززت النيابة من مطلب إلغاء عقوبة الجلد، داعية إلى استبدالها بعقوبتي السجن أو الغرامة أو بعقوباتٍ بديلةٍ بحسب ما يصدره ولي الأمر من أنظمة أو قرارات بهذا الشأن وتفاصيلها سترى النور قريبا، وتختص بالمطالبة بتطبيق العقوبات البديلة وبمجموعة من التدابير والإجراءات التي تحل محل العقوبات السالبة للحرية أو العقوبات الجسدية يصدرها القاضي بهدف تحقيق النفع العام للسجين والمجتمع، بحسب ما تسمح به الأنظمة واللوائح المنظّمة لذلك، حيث تتيح للمحكومين قضاء محكوميتهم في تقديم خدمات اجتماعية أو غيرها، يستفيد منها المجتمع والمحكوم في الوقت نفسه، مُستثنى من ذلك بعض الجرائم من تطبيق تلك العقوبات منها إذا كان المحكوم عليه من أرباب السوابق، أو كانت عقوبة السجن أكثر من ثلاث سنوات، أو كانت العقوبة المحكوم بها داخلة في نطاق الجرائم المقدر لها عقوبة شرعية حدية، أو إذا كان هناك ضرر في تطبيقها أكبر من السجن يلحق بالمحكوم عليه.
محاربة الفساد وتمكين المرأة
تنظر النيابة العامة حين تطالب بأي عقوبة إلى المصلحة العائدة للمتهم، وبما أن العقوبات تستهدف الإصلاح والتهذيب. وكما أفاد محامون فإن إقرار قانون العقوبات البديلة يُحدد خطوات العمل للمحامين مستقبلا، آخذين في العلم أن هذا الإجراء نابع من اقتراح سابق جعلت منه النيابة العامة في طور التنفيذ عما قريب، مُذللة العوائق والعمل على إزالتها، فسبق وأن تقدمت بكينونة الاقتراح وزارة العدل ولكنه توقف، وبحسب حديث دائر يعود هذا التوقف إلى اختيار الجهة الموكلة بالتنفيذ ومن ستكون، المحكمة أم وزارة الداخلية، إضافة إلى تأطير تنفيذها ضمن حيز اختياري، وقد أكد مهتمون على نجاعة تحول الأنظمة القضائية من الأسلوب العقابي إلى الأسلوب العلاجي ودورها في ردع المتجاوزين بشكل يضمن اعتدال السلوك لخدمة المجتمع.
ما زالت النيابة العامة تواصل سعيها لتحقيق المزيد من الطموح ضمن رؤية المملكة 2030. فكان رفع نسبة مشاركة المرأة السعودية في العمل، وتمكينها من دعم قدراتها بالتأهيل، وإتاحة الفرصة لجعلها شريكا فاعلا في بناء الوطن والتنمية، وكانت من أولى المؤسسات التي مكّنت المرأة من العمل في أعمالها القضائية، وتعيينها عضو نيابة عامة تمارس كافة الاختصاصات من هذا الشأن.
يقول المعجب “إن المرأة أثبتت كفاءتها للالتحاق في جميع الأعمال، والنيابة العامة قامت باختيار صفوة للعمل في النيابة العامة، وستكون هناك دفعات أخرى ستحظى بنصيب التعيين في النيابة العامة لاحقا”، وجاء تعيينهن بمسمى وظيفي “ملازم تحقيق” متساويا بينهن وبين المحققين الذكور في ما يخص استلام القضايا، فهي مخولة للتحقيق في قضايا القتل والتخوين والابتزاز والسرقة وغيرها من الجرائم التي تستوجب العقاب، وكذلك التساوي في العائد المادي المقر كل شهر، والترقيات، مُشترطةً ألا يقل عمر المتقدمة للوظيفة عن 22 عاما، وحصولها على شهادة الشريعة أو تخصص الأنظمة من الجامعات السعودية أو ما يعادلها، وأن تكون مؤهلة صحيا، وحسنة السيرة والسلوك، ولم يحكم عليها بحد أو تعزير أو جرم مخل بالشرف أو الأمانة، أو تعرضت لفصل من وظيفة عامة.
وفي ما يخص الترقيات أصدرت النيابة العامة تنظيمها بخصوص هذا الأمر، فمن تشغل وظيفة مساعد محقق يجب أن تكون ملازم تحقيق لمدة ثلاثة أعوام، ويشترط في من تشغل منصب محققٍ ثانٍ أن تكون أمضت عاما على الأقل في مهمة مساعد محقق، أو اشتغلت بأعمال نظيرة لمدة أربعة أعوام، ومن تشغل مرتبة محقق أول يجب أن تكون قد أمضت أربعة أعوام على الأقل في مرتبة محقق ثان أو اشتغلت بأعمال نظيرة لثمانية أعوام.
وحين أعلنت اللجنة العليا لمكافحة الفساد، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعضوية عدة جهات حكومية من ضمنها النيابة العامة، القبض على أمراء ووزراء حاضرين وسابقين في 2 نوفمبر 2017 ذلك الإجراء الكبير في تاريخ المملكة الحديث، ظهر المعجب بمثابة المؤتمن على قضايا المال العام، وضمير المواطن السعودي، فكان المتابع الدقيق لكل مجريات التحقيقات وأدق تفاصيلها وقال حينها لمجلة “إن النيابة العامة تستطيع أن تدعي على أي شخص، عادياً كان أو اعتباريا، ولا حصانة لأحد إلا من نصّ النظام عليهم، وتتخذ بحقهم الإجراءات النظامية التي وضحت طريقة التعامل معهم في حال التلبّس والاشتباه”، مؤكدا على مواصلة محاربة الفسّاد والمفسدين واقتلاعهم من الجذور في كل زمان ومكان.
ولم يكن الدور المعني بمهام النائب العام والنيابة العامة محصورا بالداخل السعودي دون الخارج، فأمام قضية مقتل جمال خاشقجي كان للنيابة العامة دورها الصريح والشفاف ولم تعط فرصة لأي تأويلات واتهامات، فأصدرت بيانها الذي أوضحت فيه كافة مجريات القتل، وأدق التفاصيل والملابسات التي أحاطت بالجريمة، وما تم بشأنها من جزاءات وعقوبات منهية بذلك حالة الجدل والشائعات التي دارت حول القضية.
المجتمع وكورونا
الإصلاحات والتحديثات القضائية والعدلية والحقوقية العامة التي تجريها النيابة العامة تشمل مراجعة شاملة لتصنيف الجرائم الموجبة للتوقيف الاحتياطي أو الحبس لفترات غير محدودة
يعكس دور المعجب اهتمام النيابة العامة بالمجتمع أمنيا وحقوقيا، وهو اهتمام لم يجعلها بمنأى عن صحة المواطن أو المقيم على أرض المملكة، ولم تقف حيال الظروف الصحية الطارئة مكتوفة الأيدي، خاصة في ظل المنعطف الصحي الحالي الذي يشهده العالم بسبب جائحة كورونا، فسعت إلى تعزيز التوعية المجتمعية لدى الأفراد، من خلال حث الجميع على استسقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وعدم الانسياق وراء الشائعات التي من شأنها المساس بالنظام العام، والتحذير والتنبيه من نشر أو ترويج الشائعات والمعلومات المضللة، علاوة على تسخير ما أسمته “الرصد النيابي” المعني بمتابعة كل ما ينشر ويبث عبر المنصات الإعلامية كافة، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، على مدار أربع وعشرين ساعة، ورصد أي نشاط أو سلوك خارج عن الأنظمة والتعليمات، وخصوصا المتعلق منها بأزمة كورونا، وتحريك الدعوى الجزائية العامة بحق الجناة.
أن تعيش آمنا مطمئنا ملمّا بحقوقك وحقوق غيرك وفي ظل وطن آمن، هذا ما يشغل النيابة العامة ممثلة برئيسها المعجب، والذي وثق في تصريح له مؤخرا جسور الطمأنينة ونبذ الخوف في ظل نيابة عامة تعي ما هو الحق وتعي حقوق الآخرين، وتعطي دلالة على الاهتمام بكافة شرائح المجتمع .
قال المعجب بمناسبة توقيع اتفاقية بين النيابة العامة ووزارة التعليم إن “كل مواطن ومواطنة ومقيم في البلد الغالي تحت الحماية الجنائية من قبل النيابة العامة، ولا شك أن المعلم والمعلمة من ضمن هؤلاء الذين تقوم النيابة العامة بحمايتهم الحماية الجنائية، بما يحملانه من المسؤولية العظيمة في تربية الأجيال المستقبلية وبما يخدم مصلحة الوطن، وستقف النيابة العامة بحزم وقوة لكل من يتعدّى على حقوق المجتمع ويتحدث ويسيء إلى فرد من أفراد المجتمع وبالأخص المعلم والمعلمة”.
ويبدو أن الحزم الذي يظهره المعجب في وجه رافضي التطوير القضائي يؤتي أكله، فها هي خطوات النيابة العامة السعودية تتالى في تغيير ثقافة الحقوق في المملكة، ونقلها إلى الحالة المدنية تماشيا مع التحولات الكبيرة التي تشهدها البلاد.