الشيخ مشعل الصباح ولي العهد الكويتي الجديد صاحب النفوذ والشعبية الكبيرة

الشيخ مشعل الأحمد الصباح اختيار حازم لرجل قوي وقريب.
الأحد 2020/10/11
أحد اللاعبين المهمين في الأسرة الحاكمة

وضع أمير دولة الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الصباح، والمعروف بالحكمة والرزانة وسرعة اتخاذ القرار، النقاط على الحروف بتزكيته للشيخ مشعل الأحمد الصباح ولياً للعهد، مُسدلاً الستار على حالة الترقب والتكهنات التي طالت منصب ولاية العهد والذي أضحى الشغل الشاغل لمواطني دولة الكويت ومن يهتم لأمرهم، فجاء حسمه للأمر باختيار الرجال الأقرب إلى ميول الكويتيين، ليصوت مجلس الأمة على التزكية أثناء جلسته المنعقدة بخصوص هذا الشأن يوم الخميس الماضي الـ8 من أكتوبر الجاري، وسط ابتهاج ومباركات من المواطنين وتهنئات من قادة ورؤساء دول عربية وغير عربية.

ويعول الكويتيون على ولي العهد الجديد في توظيف خبراته الكبيرة ليكون عضداً ومُعيناً لأمير البلاد في قيادة الدولة والنهوض بها، خاصة في الظروف الحالية من انخفاض سعر النفط وما سببته جائحة كوفيد – 19، مما حدا بالحكومة الكويتية ولمواجهة هذا الطارئ إلى نهج سياسة التقشف وخفض الدعم، آخذين في العلم قلة نسبة المواطنين أمام المقيمين. وكما قال رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح إنّ الكويتيين يمثّلون 30 في المئة فقط من إجمالي السكان البالغ عددهم 4.8 مليون نسمة، معتبراً أن “الوضع المثالي للتركيبة السكانية أن تشكل نسبة الكويتيين 70 في المئة” لاسيما والكويت أعلنت عن رؤيتها 2035 والتي تنص على تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي الذي يزكّي روح المنافسة ويرفع كفاءة الإنتاج، في ظل جهاز مؤسسي داعم.

نفوذ واسع

حافظ الشيخ مشعل الذي ولد في الكويت عام 1940 على مكانة خاصة لدى الأسرة الحاكمة ونفوذ واسع بين أفرادها، كونه صاحب خبرة كبيرة اكتسبها عبر توليه مهام عديدة وحساسة، فبعد إنهائه دراساته في المدرسة المباركية بالكويت، تابع تحصيله في بريطانيا بكلية هندون للشرطة وتخرج فيها عام 1960 ثم التحق بوزارة الداخلية وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيساً للمباحث العامة برتبة عقيد منذ العام 1967 وحتى العام 1980 وفي عهده تحولت المباحث العامة إلى إدارة أمن الدولة.

 ولشخصيته بعد اجتماعي يعود إلى علاقته مع الشعر الشعبي والصيد والفروسية، فقد عينه الشيخ الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح رئيسًا لديوانية شعراء النبط، ليصدر مرسوماً أميرياَ بعد ذلك بتعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني بدرجة وزير. وكانت ملازمته لأمير الكويت الراحل صباح الأحمد الصباح وحضوره الدائم لاجتماعاته ولقاءاته قد جعلت الشيخ مشعل أحد اللاعبين المهمين في الأسرة الحاكمة والفاعلين داخلها وحولته إلى صاحب دراية بالشأن الداخلي والخارجي، متمتعاُ بنفوذ قوي داخل هذه  المؤسسة العسكرية المستقلة عن قوات الجيش والشرطة والتي انصبّت أهدافها على مساعدة القوات المسلحة وهيئات الأمن العام والمساهمة في أغراض الدفاع الوطني.

بين الدستور وضرورات الحكم

البعض يرى منصب ولاية العهد في الكويت شرفياً أو شكليا
البعض يرى منصب ولاية العهد في الكويت شرفياً أو شكليا

وليّ العهد الكويتي الجديد يتمتع، أيضاً، ببلاغة رفيعة في الخطاب تعكس فهمه الكامل لمهامه ومهام الجهة التي يتولى إدارتها، فمع اشتداد أزمة كورونا في البلاد أدى الحرس الوطني دوراً كبيراً في مساندة قوات الجيش والشرطة في حفظ الأمن وتطبيق حظر التجول. وحينها قال  الشيخ مشعل ”إننا في الجهات العسكرية ولاسيما الحرس الوطني نساند وزارة الصحة في تقديم الدعم اللامحدود من خلال اللجنة العليا للدفاع المدني التي تدير أمور الإسناد، وكما طلب منها وما تحتمه عليها الظروف الطارئة، والحرس الوطني يعاهد قيادة الكويت ويضع كل إمكانياته وتجهيزاته وقواه البشرية لتخطي هذه الأزمة”.

تأتي ولاية العهد كثاني أهم منصب في دولة الكويت، حيثُ يخلف المنوط بها حاكم الكويت بعد وفاته، وحسب المادة الرابعة من الدستور الكويتي فإن الحكم وراثي بذرية الشيخ مبارك الصباح، ويجب على الأمير بعد توليته مسند الإمارة أن يُرشح شخصاً خلال سنة على الأكثر من توليه الحكم، ويعرض اسم المرشح الذي تنطبق عليه الشروط الدستورية على مجلس الأمة، ويأخذ موافقته  بأغلبية أعضاء المجلس على اسم المرشح لولاية العهد.

وإذا لم ينل المرشح لولاية العهد الأغلبية المطلوبة، تعين على الأمير حسب نص المادة الرابعة من الدستور أن يقوم بتزكية ثلاثة على الأقل ممن تنطبق عليهم الشروط، ويقوم مجلس الأمة بمبايعة أحدهم وليًا للعهد، ويشترط بمن يكون وليًا للعهد أن يكون رشيدا وعاقلاً ومسلماً وابناً شرعيا لأبوين مسلمين وألاّ يقل عمره يوم مبايعته عن ثلاثين سنة ميلادية كاملة.

رؤية الكويت 2035 تنص على تحويل البلاد الى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي الذي يزكّي روح المنافسة ويرفع كفاءة الانتاج، في ظل جهاز مؤسسي داعم يتطلب وجود شخصيات وازنة مثل الشيخ مشعل في القيادة

وبحسب نظرة البعض يُعدّ منصب ولاية العهد شرفياً أو شكلياً، كما كان حاله في فترة التسعينات، بعد فصله عن رئاسة الوزراء، ويطابق وضع  نائب رئيس الجمهورية في أغلب دول العالم، إلا أنه فرض أهميته وفعاليته مع الشيخ نواف الصباح وفي ظل مزاولته للحكم وتسيير أمور البلاد ولقائه إبان ولايته للعهد بالعديد من الشخصيات والتيارات السياسية من أجل التداولات الاعتيادية المتعارف عليها في الكويت.

وقد نصت المادة السابعة من الدستور الكويتي أن الحكم ينظمه مبدأ “توارث الإمارة” وفق نيابة ولي العهد عن الأمير، وتقول تلك المادة “ينوب ولي العهد عن الأمير في ممارسة صلاحياته الدستورية في حالة تغيبه خارج الدولة وفقا للشروط والأوضاع المبيّنة في المواد من الدستور وللأمير أن يستعين بولي العهد في أيّ أمر من الأمور الداخلة في صلاحيات رئيس الدولة الدستورية“. وجاء في الدستور الكويتي أيضاً أنه “إذا فقد ولي العهد أحد الشروط الواجب توافرها فيه أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، أحال الأمير الأمر إلى مجلس الوزراء وعلى المجالس في حالة التثبت من ذلك عرض الأمر على مجلس الأمة فورا لنظره في جلسة سرية.

وقد أدّى الشيخ مشعل اليمين الدستورية ولياً للعهد أمام مجلس الأمة وقال بعد أدائه اليمين “أعاهد الأمير ومجلسكم والمواطنين أن أكون المواطن المخلص المحافظ على وحدته الوطنية“. وأضاف ”نحن على يقين أن الكويت ستواصل مسيرتها الريادية الداعية للخير والسلام»، مضيفاً قوله إن ”الكويت باقية على التزاماتها العربية والإقليمية والدولية”.

اهتمامات متعددة

الشيخ مشعل يُعرف بمكانته الكبيرة بين أفراد الأسرة الحاكمة، بفضل خبرته الواسعة التي اكتسبها عبر توليه مهام عديدة وحساسة. ولذلك يعول المجتمع الكويتي عليه لضبط المرحلة القادمة
الشيخ مشعل يُعرف بمكانته الكبيرة بين أفراد الأسرة الحاكمة، بفضل خبرته الواسعة التي اكتسبها عبر توليه مهام عديدة وحساسة. ولذلك يعول المجتمع الكويتي عليه لضبط المرحلة القادمة

في خضم مسؤولياته فضّل الشيخ مشعل الابتعاد عن الإعلام، فقد عرف بين الكويتيين بحضوره القليل على منصاته، رغم أنه شغل مواقع تتطلب الإكثار من الإطلالات الإعلامية، كما حين عيّن بمنصب الرئيس الفخري لجمعية الطيارين الكويتية أو رئيس الجمعية الكويتية لهواة اللاسلكي. له دور بارز في حفظ الشخصية الكويتية وطباعها وعاداتها وتقاليدها، فقد اشتهر بحبه للصيد والرحلات البرية والبحرية، وأسهم في وضع الدعائم الأساسية للديوانية لإيمانه بأهميتها في الحفاظ على الموروث الشعري، ودعْم الشعراء واحتضانهم، بالإضافة إلى دوره المهم في توثيق الشعر النبطي، وهي الدور الذي ما زالت الديوانية تمارسه حتى اليوم. كما أنه من محبي القلعة الخضراء، كما يوصف في الكويت، وهو أحد أعضاء الجمعية العمومية لـ”النادي العربي“، ويعد من الأعضاء المؤسسين له، وقد بقي يحرص على حضور مباريات الفريق الأول لكرة القدم التابع للنادي.

البعد الآخر المهم في شخصية الشيخ مشعل يتضح من سيرته في فترة ما بعد العمل الحكومي، فقد سبق له وأن غادر المناصب في الثمانينات، وحينها تفرغ للعمل التجاري، فعمل ممثلاً تجارياً لأبناء الشيخ أحمد الجابر الصباح ووكيلاً لهم في كافة الشؤون المالية، بحكم كونه الابن السابع لأمير الكويت العاشر الذي حكم الكويت قبل الاستقلال في الفترة ما بين 1921 و1950، وهو الأخ غير الشقيق لكل من أمير الكويت الحالي الشيخ نواف والأمير الراحل الشيخ صباح الذي رافقه في رحلته الأخيرة للعلاج في الولايات المتحدة.

انتقال السلطة السلس والدستوري في الكويت، يذكّر بريادة هذه الدولة بين نظيراتها من دول المنطقة، واختيار الشيخ مشعل لهذا المنصب وهو ابن الثمانين عاماً يدلل على استقرار الحكم وتثبيت دعائمه رغم العواصف المحيطة بالكويت من كل اتجاه، ووضعها الجيوسياسي الحساس، قريباً من إيران المتربصة والعراق القلق وبعض دول الخليج الجارة التي تشهد تحولات اجتماعية واقتصادية جذرية تحدث للمرة الأولى منذ تأسيسها.

8