محمد أبوعزيزة يُقارب ما بين الملح والخط العربي

عندما يجتمع فنانان على صياغة عمل واحد، فلا بد أن يظهر واحد منهما على حساب الآخر وإن عن غير قصد. هذا تماما ما حدث مع الفنان والخطاط الأردني محمد أبوعزيزة والمصوّر الفوتوغرافي الفرنسي جان لودو سوفرزاك عندما “تعاونا” وأنتجا بصريات على شواطئ البحر الميت المشبع بالملح الذي تراكم حتى كاد يهدّد “مائية” البحر لشدّة الجفاف الذي يتعرّض له بسبب شحّ الأمطار.
الرسم بالملح والنحت به ليس جديدا، وقد مارسه العديد من الفنانين المعاصرين. أما الرسم على ملح الشاطئ فهو إن لم يكن جديدا فهو على الأقل نادر جدا.
لم يحوّل الفنان والخطاط الأردني محمد أبوعزيزة شاطئ البحر الميت إلى لوحات تشكيلية، وربما لأجل ذلك نجح في تقديم بصريات مميزة جاءت معجونة بنزق وخشونة الملح بعد أن نجح في المفاوضات معه، إذا صحّ التعبير، نجاحا أسفر عن رضا الطرفين قبل أن يأتي دور المصوّر الفوتوغرافي الفرنسي جان لودو سوفرزاك المُتمّم للعمل.
الملح كمصدر وحي
فمن ناحية أبدع الفنان الأردني في ممارسة التنوّع والتفنّن في كتابة الخط العربي، ومن ناحية ثانية لم يتحوّل الملح إلى مجرد صفائح تتلقى النقش ببلادة أي مادة لم تحظ باهتمام وتأمل كاف من الفنان.
الفنان كتب منذ بضعة أيام على صفحته الفيسبوكية بضع كلمات تُشير أكثر ما تُشير إلى تواضع فنان اعتبر حدث الرسم على الملح وتوثيقه أهم من رسمه، في حين أن لا الملح كان سينطق لولاه ولا كانت الصور التي أخذها المصوّر الفرنسي العالمي كنوع من توثيق للمشاهد المرسومة بغية الحفاظ عليها بعد اندثارها، كانت ستحظى بأي اهتمام يُذكر.
وذلك بغض النظر عن عالمية المصوّر وعن عالمية المعاني والأقوال التي خطها الفنان. فأبوعزيزة أخذنا بعيدا عنها نحو جمالية الشكل المُعبّر عن ذاته قبل أن يكون مستحضرا ومُظهرا لأصحاب الأقوال الشهيرة.
مُرفقة بصورة عنه، وهو يعمل على الشاطئ كتب الفنان على صفحته الفيسبوكية “مشاهد لطيفة وممتعة لمن يحبّ رؤية هذه التجربة مع زميلي المصوّر الفرنسي جان لودو سوفرزاك والتي عرضت في معهد العالم العربي بباريس ودعّمت من النجدة الشعبية الفرنسية”.
وليست هناك أي مبالغة في القول إن جودة الخط المرسوم على شاطئ الملح وإظهاره لمدى معرفة الفنان بأصول الخط العربي، هو أكثر ما لفت المُشاهد، بل ما لفت هو هذا التنوّع وهذا الانسجام مع تكسّرات الملح وتموّجات الرمل.
الفنان، ومن الواضح جدا لم ينس ولو للحظة أنه في “حضرة” الملح، فهو لا يخالفه ولا يتخطّاه ولا يسطّحه وباختصار شديد هو لم يتعامل معه على أنه مجرد مُتلق لرسوماته، بل هو مصدر الوحي والمُشارك في إنجاز العمل. ونشعر بذلك حينما نرى أنه، أي الفنان، يلاحق، لا بل يصغي لتبعثر الملح ونتوءاته ليمسك بطرفه وانحداراته ليطوّعه من دون أن ينتهك خصوصيته.

كل هذا الكلام عن فن محمد أبوعزيزة قد يبدو تجريديا أو ربما غامضا بعض الشيء، حتى يرى قارئ المقال بعضا من الصور عن تلك الأعمال.
تذكر مصادر إخبارية عن هذه الأعمال أن تجربة الفنان “تعود إلى صيف عام ألفين، فبعد معرضه الأول في المركز الثقافي الفرنسي أواخر التسعينات، أراد المركز الثقافي -بالتعاون مع ‘دارة الفنون’- أن يجمع أبوعزيزة بالفنان الفرنسي لمحاولة الخروج بعمل فني بالملح، وبعد مشاورات ولقاءات قرّرا أن يتّجها إلى الجنوب الغربي من العاصمة عمّان، حيث البحر الميت”.
وكانت الخطة تقتضي قيام أبوعزيزة بنقش مقولات المفكّرين والمؤثّرين العرب والغربيين بخط عربي على الأملاح المتراكمة على شواطئ البحر، في إطار خشبي.
ويضيف مصدر آخر أن المصوّر العالمي سوفرزاك وثّق تلك المشاهد “بعدسة كاميراته، لتتحوّل إلى لوحات فوتوغرافية تجوب معارض العالم”.
لوحات من ملح وضوء
أكثر من خمسين عملا على شواطئ الملح. خطّها الخطّاط بأقلام القصب الخاصة بالخط العربي على الملح، إضافة إلى ابتكاره أدوات تساعده في ترسيب الأملاح والنقش والنحت على الأملاح، حسب طبيعة صلابتها ومرونتها أحيانا.
تضمّنت المقولات أشعارا وأمثالا لكُتاب وشعراء من حول العالم، أبرزها للشاعر والدبلوماسي الفرنسي سان جون بيرس، والشاعر الفرنسي آرثر رامبو، والشاعر السوري أدونيس، والشاعر اللبناني جبران خليل جبران، وكانت المقولات تترجم عبر مختصين من الفرنسية إلى العربية وإلى لغات مختلفة.
والفنان الأردني أبوعزيزة كان يعمل خطّاطا في المخيم، تعمق اهتمامه بالخط فدخل إلى معهد الفنون الجميلة التي تخرّج منها ليمارس فن الخط بوصفه فنا قائما بذاته بغض النظر عن المحتوى الذي تحمله خطوطه. ومن ثمة نفّذ لوحات تشكيلية أظهر فيها براعته وحبه للحرف العربي.
كما يمكن القول إن الرسم على الملح بما وهبه إياه الملح الفلسطيني من أحادية اللون أو التقشّف اللوني الذي يمتاز به دفعت بتجربته إلى بعد جديد. وقد يرى المُتأمل بلوحاته التشكيلية الملونة جمالية واضحة، لكنها حتما لا تفوق جمال ما صنعه من ندرة اللون واستنطاق ظلاله وتعاريجه كما بدا في مشاهد الملح على شاطئ بحر الميت.
ويبقى السؤال ماذا لو عمّق الفنان تجربته أكثر في استخدام المواد الطبيعية والعمل عليها أيضا والتفاعل معها وتطوير قدرته على الإصغاء إليها وعبر احترام ماهيتها؟ محمد أبوعزيزة، الفنان المتواضع، حتما سيبدع.
والفنان الأردني محمد أبوعزيزة حاصل على العديد من الدورات المتخصّصة، منها: دورة غرافيك آرت مع الفنان الأميركي لاري توماس مدير معهد سان فرانسيسكو في دارة الفنون. ودورة زخرفة وتذهيب مع الفنان البريطاني آشلي مانينج في دارة الفنون، ودورة في النحت مع فنان سويسري في أمانة عمّان الكبرى. وهو عضو رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، وجمعية الخطاطين الأردنيين، ونادي أسرة القلم – الزرقاء.
وكان أقام عددا من المعارض الشخصية، منها: “التشظي” في المركز الثقافي الفرنسي عام 1998، و”اسكتش” في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين عام 1999، و”ولادة” في مراكش عام 2002.