متى تتخلص الدراما المشتركة من عقدة أنوثة لبنان وذكورة الشام

الدراما السورية اللبنانية.. نجاح في الشكل وإخفاق في المضمون.
الجمعة 2021/08/20
"عشرين عشرين".. جمع بين ذكورة قصي خولي وأنوثة نادين نسيب نجيم

استطاعت الأزمات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية أن تجمع الخبرات السورية والإمكانيات اللبنانية لإنتاج دراما مشتركة مبنية على بطولات رجالية من سوريا ونسائية من لبنان، ينتقدها ممثلون وممثلات من كلا الطرفين بحجة أنها لم ترتق إلى معالجة الهموم الحقيقية وظلت أسيرة القصور الفخمة وقصص الحب الرومانسية.

"لا توجّع رأسك.. دائما هناك طرف رابح وطرف خاسر في الدراما التلفزيونية المشتركة.. لا وجود لشراكة متساوية في الأعمال الفنية".. هذا ما قاله لي أحد العاملين في قطاع الإنتاج التلفزيوني بإحدى الشركات الخاصة حين أبديت له ملاحظتي بأن” القسمة ليست عادلة” في الأعمال الدرامية المشتركة بين سوريا ولبنان، فقد ظُلم ممثلون وممثلات من الطرفين وأسيئ توزيع الأدوار، خصوصا بين الأدوار الرجالية ومثيلاتها النسائية.

الجهات الإنتاجية هي المتحكم في هذا الشأن بطبيعة الحال، وتحتكم إلى مقاييس يصعب تغييرها بل لا حاجة لها إلى المغامرة في تغييرها أو تحريكها بطريقة تربك الذائقة العامة وتكسر ما اعتاد الجميع على توقعه؛ أنت في النهاية لست إزاء عمل سينمائي يتحمّل المغامرة والتضحية بالمألوف.

نبقى دائما في الأعمال السورية اللبنانية التي تعتبر من أنجح الشراكات في مجال الدراما التلفزيونية في السنوات الأخيرة، فإن هناك ما يشبه الثوابت في ما يتعلق بتوزيع الأدوار الرجالية والنسائية على وجه الخصوص، وعلى مستوى البطولة والأدوار الأولى.

ثوابت قارة

مسلسل {لو} لعب فيه الممثل اللبناني يوسف الخال دورا ثانويا رغم وسامته وملامحه الذكورية
مسلسل "لو" لعب فيه الممثل اللبناني يوسف الخال دورا ثانويا رغم وسامته وملامحه الذكورية 

أهم هذه الثوابت هي أن البطولة النسائية من نصيب الممثلات اللبنانيات، بينما تذهب البطولة الرجالية للممثلين السوريين بلا جدال، ما عدا بعض الأعمال النادرة، والتي لم تحظ أصلا بنسبة مشاهدة ونجاح.

الأمثلة كثيرة في هذا المضمار، ومن أشهرها ثنائية السوري عابد فهد واللبنانية نادين نسيب نجيم في مسلسل “لو” للمؤلف بلال شحادات والمخرج سامر البرقاوي، الذي لعب فيه الممثل اللبناني يوسف الخال دورا ثانويا رغم وسامته وملامحه الذكورية لدى جمهوره من المعجبات.

ثنائية الممثل السوري تيم حسن واللبنانية نادين نسيب نجيم في مسلسل “الهيبة”، وقبله “تشيللو” و”نص يوم”، تؤكّد هذا الإصرار على “أنوثة لبنان وذكورة الشام” في أعمال درامية كثيرة، بل إن صورة الفتاة اللبنانية “الغنوج” لا تفارق أذهان منتجي الدراما الرمضانية، حتى وإن كان الشريك ليس سوريا مثل الممثل التونسي ظافر العابدين وشريكته اللبنانية ماغي بوغصن في المسلسل الكوميدي اللبناني “كاراميل” الذي كتبه السوري ممدوح حمادة، اقتباسا عن مسلسل روسي، أو بين العابدين وكارمن بصيبص في “عروس بيروت” النسخة العربية من المسلسل التركي “عروس إسطنبول”.

ويبدو أن هذا الأمر قد تكرّس كأمر واقع في مسلسل “عشرين عشرين” الرمضاني الأخير الذي جمع بين اللبنانية نادين نسيب نجيم والسوري قصي خولي أو بين عابد فهد وكارين رزق الله في “350 غرام” وغيرهما الكثير، ممّا أثار استياء نجمات سوريا ونجوم لبنان على حد السواء، واحتج الطرفان على هذا التغييب المتعمّد لدور البطولة، فكأنما هي حكر على السوريين في صيغتها المذكّرة، وحكر على اللبنانيات في صيغتها المؤنّثة.

وفي هذا الصدد تقول الممثلة السورية جيني أسبر، والتي دخلت الدراما من كونها تحمل لقب ملكة جمال المغتربين، عن السبب الذي يقف وراء حرص شركات الإنتاج على التعامل مع نجوم سوريا والابتعاد عن التعامل مع نجماتها “لست منتجا لكي أجيب على هذا السؤال. وكل ما يمكنني قوله إن هناك تركيبة معينة تعتمد في الأعمال المشتركة، نجحت وفرضت نفسها واستمرت. شركات الإنتاج اللبنانية ترغب في التعامل مع الممثلات اللبنانيات ومنحتهنّ الفرص لكي يبرزن، وعلى ما يبدو فإن المنتج اللبناني يرى أن هذه التركيبة هي الأصح”.

وفي المقابل فإن اللبناني يوسف الخال -الذي انتخب بدوره في السابق ملك جمال لبنان- على الرغم من كونه واحدا من أكثر الممثلين اللبنانيين حضورا في معظم الأعمال التي طبعت المرحلة وبارز زميله السوري تيم حسن في مسلسل “تشيللو”، من كتابة نجيب نصير وإخراج سامر البرقاوي، تحوّل أخيرا إلى شريك في الأعمال التاريخية، منها “سمرقند” ومجموعة أخرى لم تعطه الحضور أو النجاح الذي اكتسبه في الأعمال الأخرى الأكثر انتشارا.

الأمر ينطبق أيضا على الممثل اللبناني عمار شلق، وكيف تجاهل منتجو الدراما اللبنانية السورية المشتركة قدراته في مسلسلات رمضان هذه الأعوام، وجعلوه يكتفي ببعض الأعمال التاريخية وكأنه لا يناسبه دور “العاشق الموديرن” الذي ينبغي أن يكون لغير اللبنانيين وحدهم.

استفادة متبادلة

Thumbnail

المشكلة إذن ليست فنية، ولا تتعلق بالمواهب والكفاءات بل بنزوع من طرف الجهات الإنتاجية اللبنانية خصوصا نحو هذا المزاج لغايات تسويقية بحتة، لكنها غير مبررة؛ فما المانع من قلب الصورة؟ وما سرّ هذا الإصرار الغريب على توزيع الأدوار بهذه الكيفية المسيئة إلى قدرات الممثل وكأنها تشكّك في أدواته وتحصره في دور نمطي يذكّر بالأفلام التجارية المصرية التي صنفت الممثلين إلى أشرار وعشاق وفرسان وكوميديين وغير ذلك.

الأمر هنا أكثر غرابة واستهجانا من هذا؛ إن المنتج هنا يصنّف الممثلين حسب الجنسية لا حسب القدرات والأدوار المناسبة على الأقل، وهي مسألة في غاية الخطورة، وتجعلنا نطرح التساؤل من أبعاد تفاضلية.

وفي هذا الصدد يتساءل الناقد اللبناني يامن مغربي “هل يتغيّر هذا الواقع أمام سعي ممثلين لبنانيين لترسيخ حضور عربي أكبر؟ أم أنّ شركات الإنتاج ستبقي على ثنائيتها الناجحة والقائمة على نجم سوري ونجمة  لبنانية؟”.

ويتساءل مغربي مستدركا “لعلّ المواسم المقبلة ستوضّح الصورة أكثر، لكن الأعمال التي يحضّر لها للموسم الرمضاني المقبل لا تشي بالكثير من التفاؤل بالنسبة إلى نجوم الدراما اللبنانيين”.

ومهما يكن من أمر فإن العلاقة بين الدراما السورية ومثيلتها اللبنانية مبنية على الاستفادة المتبادلة، فالأولى وجدت لها حاضنة في لبنان ومنحتها بعض الحرية على المستوى الرقابي مقارنة ببلاد اللجوء المجاورة للأزمة السورية كالأردن وتركيا، والثانية تمكنّت من الاستفادة من الكفاءات السورية، وسوّقت نفسها بفضل ما تتميّز به الدراما السورية من سمعة، لكن هذا النمط المعلب في توزيع الأدوار وعدم المغامرة في التنويع من شأنه أن يصيب هذه التجربة الناجحة في الإنتاج المشترك بالإفلاس وانسداد الآفاق.

وبعيدا عن عقدة “أنوثة لبنان وذكورة الشام” في هذه الدراما المشتركة، فإن الموضوع لا ينبغي أن يقتصر على قصص الحب المكرّرة التي بدأ الجمهور يسأمها سواء كان “الفارس العاشق” سوريا أو لبنانيا، ذلك أن الخلل يبدو واضحا في النصوص المكتوبة وبعدها عن الواقع وجوهر الأزمة.

ويشير النقاد إلى أنه على الرغم من كل المحاولات لصعود الدراما اللبنانية عن طريق السوريين وتعبيد الطريق أمام أعمال لبنانية خالصة، فإن ضعف المستوى الفني لهذه الأعمال يتمثل في كونها تتحاشى الحديث عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها لبنان، وتحديدا تلك المرتبطة بالفساد والطائفية والوضع الاقتصادي الصعب، وحصرها في دراما القصور الفخمة والخيانات الزوجية والمغامرات العاطفية، وهو ما يرجعه النقاد إلى ضعف السيناريوهات المكتوبة بالأساس.

16