مبادرة "لينتصر الشعب": حزام سياسي لقيس سعيد أم متسللون إلى السلطة

الحزام السياسي الأول للرئيس التونسي قيس سعيد فشل وتلاشى، وقد تشكل منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية في 2019 وضم الحزام حركة الشعب والتيار الديمقراطي. والآن هناك مساع لتشكيل حزام جديد من مستقلين وآخرين منسحبين من أحزابهم بهدف دعم الرئيس وخياراته في مواجهة الإسلام السياسي.
تونس - طرحت المبادرات السياسية الداعمة لمسار 25 يوليو وللرئيس التونسي قيس سعيد على غرار مبادرة “لينتصر الشعب” تساؤلات بشأن طبيعة مساندتها للمسار، فضلا عن حقيقة تكوينها لحزام سياسي للرئيس سعيد أم أنها مجرد أسماء تسعى للتسلّل إلى السلطة من بوابة رئاسة الجمهورية.
وكشف منجي الرحوي، عضو مبادرة “لينتصر الشعب” خلال مؤتمر صحفي في العاصمة تونس، أن أكثر من 400 مرشح من بين 1058 مرشحًا للانتخابات التشريعية المقررة في ديسمبر المقبل، عبّروا عن رغبتهم بالانضمام إلى المبادرة.
وقال الرحوي المنشق عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد “أكثر من 400 مرشح، بمجرد أن تم الإعلان عن مبادرة لـ’ينتصر الشعب’، تقدموا للانخراط فيها، وكلهم عبّروا عن إرادتهم ورغبتهم في الانضواء تحتها”.
وفي التاسع من أكتوبر الماضي، أعلن سياسيون ونشطاء في المجتمع المدني إطلاق مبادرة “لينتصر الشعب” لاستكمال مسار ثورة 17 ديسمبر 2010، ومساندةً لمسار 25 يوليو 2021 الذي أعلنه الرئيس سعيد.
وضمت المبادرة العميد السابق للمحامين إبراهيم بودربالة، وأمين عام التيار الشعبي زهير حمدي، وعضو المكتب التنفيذي السابق للاتحاد العام التونسي للشغل محمد سعد، ورضا شهاب المكي المقرّب من الرئيس سعيّد.
وعلى الرغم من تمسّك الرئيس سعيّد باستقلاليته السياسية بعيدا عن دائرة الأحزاب والوسائط السياسية، يحاول البعض تبنّي أفكار الرئيس والدفاع عنها من منطلق التنظيم السياسي عبر الحركات والمبادرات.
ويقدم المؤسسون المبادرة على كونها حزاما سياسيا داعما لمسار 25 يوليو وقرارات الرئيس سعيد المنبثقة عنه، فضلا عن التصدي لممارسات الدولة العميقة والثورة المضادة على غرار تيار الإسلام السياسي ومنظومة ما قبل 2011.
وأفاد نبيل الرابحي، الناشط السياسي وأحد الداعمين لهذه المبادرة، أن “المبادرة أطلقها بعض القريبين من الرئيس سعيد على غرار حزب التيار الشعبي ورضا شهاب المكي، ثم التحق بهم منجي الرحوي بعد أن تردد في البداية”.
وقال الرابحي لـ”العرب”، هي حزام سياسي داعم لمسار 25 يوليو وليس بهيكل تنظيمي بقدر ما هي اتفاق حول مساندة ذلك المسار، ولا يوجد تيار سياسي يمثل الرئيس، بل إن المبادرة ضمت نقابيين وسياسيين، وتهدف لاستكمال مسار ثورة 17 ديسمبر- 14 يناير وتحقيق أهدافها وتصحيح المسار وإرجاع تونس للشعب”.
وأضاف الرابحي “هي تصدّ لكل ما يمثل الدولة العميقة والثورة المضادة من إسلام سياسي (حركة النهضة وجبهة الخلاص) وأزلام النظام السابق (الدستوري الحر بقيادة عبير موسي)”، لافتا “هي حزام سياسي للرئيس دون تكليف، بل بمبادرة ذاتية للردّ على كل من أسس تنسيقيات باسم الرئيس”.
بدوره، أقر عضو المبادرة صلاح الدين الداودي، الخميس، أنهم يعتبرون أنفسهم “نواة صحيحة وسليمة لبناء حركة وطنية جديدة”.
وقال في تصريح لإذاعة محلية إن “هدفهم بناء تيار وطني مقاوم سيادي يقاوم غلاء الأسعار والإرهاب والفساد”.
وأقر الداودي أن هذا التيار سيتكون من عدة ركائز أهمها “النظرة الوطنية والنظرة الدولة والأممية”، مؤكدا أن العنصر النسائي سيكون حاضرا في مبادرتهم بنسبة 25 في المئة والشباب بنسبة 50 في المئة”، وداعيا التونسيين إلى “التصويت لصالح النساء في انتخابات 17 ديسمبر حتى يتطور المجتمع”.
في المقابل شكّكت شخصيات سياسة في طبيعة وجود تلك المبادرة ووجاهة أهدافها السياسية، معتبرة أنها ولدت في حالة غير طبيعية، حيث يقدم أصحابها أنفسهم على كونهم تيارا مدافعا عن الرئيس، بينما لا يعترف سعيّد بذلك.
وأوضح الناشط السياسي وعضو البرلمان المنحل، حاتم المليكي، إنه “يوجد مبادرات لحلّ الأزمات وهناك أخرى ذات طابع سياسي”، قائلا “من حيث المبدأ هناك حق طبيعي لتكوين المبادرات، لكن لا يوجد من يعترف بهذه المبادرة، حيث ينصّب هؤلاء أنفسهم للدفاع عن مسار 25 يوليو دون اعتراف رسمي من الرئيس سعيد”.
وصرّح لـ”العرب” قائلا “هذه حركة غير طبيعية ومجهولة الأهداف، ومن غير المنطقي أن يتكون حزب سياسي يدافع عن قناعات الرئيس ولا يعترف به الرئيس سعيد، كما أن هذه المبادرة تزعم الدفاع عن برنامج الرئيس، لكن أصحابها غير قادرين عن ذكر ذلك البرنامج”، متسائلا “لماذا بُعثت هذه الحركة السياسية، وما أهدافها؟”.
وبالموازاة مع ذلك، تتصاعد أصوات أخرى تطالب بإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتجاوز الأزمات السياسية القائمة في البلاد، عبر الانتصار لآلية الحوار، فضلا عن تحفّظها على خطوات الرئيس سعيد رغم مساندتها لمسار 25 يوليو 2021.
وأعلنت مجموعة من الشخصيات المستقلة والحزبية الجمعة عن تشكيل جبهة سياسية جديدة تحت مسمّى “جبهة الخيار الثالث”.
وتهدف الأطراف المؤسسة لهذه الجبهة إلى تجميع أكثر ما يمكن من القوى السياسية والرموز الوطنية في تكتل سياسي يعمل على إيجاد حلول ومبادرات سياسية تساهم في إخراج البلاد من “المرحلة الخطيرة التي تمرّ في ظل الدرجة العالية من الانقسامات السياسية العمودية والأفقية”.
وقال عمر الماجري، أحد مؤسسي الجبهة، إن “جبهة الخيار الثالث تطرح مطالب متعلقة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما تطالب بحوار وطني يخرج البلاد من وضعها الراهن.
وأكد في تصريح لإذاعة محلية أن “جبهة الخيار الثالث بمختلف أطرافها سواء كانت أحزابا أو شخصيات لا تدعم أيّ مترشح وليس لها مرشحون للانتخابات التشريعية المقبلة”، مشيرا إلى “وجود تحفظات لدى الجبهة على المسار الذي رسمه رئيس الدولة رغم دعمها لمسار 25 يوليو”.
ويعتبر عمر الماجري وأحمد الكحلاوي (رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة الصهيونية) وعبد الكريم الغابري (أمين عام حركة الوحدويين الأحرار) من بين الأطراف السياسية والشخصيات المؤسسة لـ”جبهة الخيار الثالث”.
ويُنتظر أن يتم التنافس على 154 دائرة انتخابية في تونس من أصل 161 دائرة، بعد عدم تسجيل ترشحات في 7 دوائر بالخارج من أصل 10 دوائر.
وتعتبر الانتخابات التشريعية المقبلة إحدى الإجراءات الاستثنائية للرئيس، وسبقها حلّ البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد للبلاد عبر استفتاء أُجري في 25 يوليو الماضي.