مباحثات فرنسية تونسية لترحيل المهاجرين مقابل مضاعفة الاستثمارات في تونس

المشيشي: فرنسا باتت مقتنعة بأن معالجة الهجرة غير النظامية لا تكون وفق مقاربة أمنية.
الثلاثاء 2020/12/15
استعداد للتعاون

تونس – مثّلت ملفات ترحيل التونسيين المطلوبين للعدالة والهجرة غير النظامية أبرز المواضيع التي طرحت في المباحثات التي جمعت رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي مع نظيره الفرنسي جان كاستيكس.

ويبدو أن المشيشي نجح في إقناع باريس بأن المقاربة الأمنية لوحدها لا تُجدي نفعا في ملف الهجرة غير النظامية، حيث أكد أن فرنسا توصلت إلى قناعة بأن معالجة الظاهرة لا تكون وفق مقاربة أمنية.

كما حاول رئيس الحكومة خلال هذه الزيارة استمالة رجال أعمال تونسيين يقيمون في فرنسا من أجل إقناعهم بضرورة استقطاب استثمارات فرنسية إلى تونس في وقت تعيش فيه بلاده على وقع أزمة اقتصادية وسياسية متصاعدة.

وقال المشيشي في تصريحات للصحافيين عقب لقاء جمعه برئيس الوزراء الفرنسي كاستيكس في قصر ماتينيون بباريس “وجدنا تفهما كبيرا من الجانب الفرنسي للمقاربة التي تعتمدها تونس في القضايا المتعلقة بالهجرة غير النظامية”.

وأوضح أن تونس تنتهج مقاربة تنموية، تعتمد على الاستثمار في المناطق المصدرة للمهاجرين غير النظاميين، واعتبر أن المقاربة الأمنية مفيدة “لكنها غير كافية”.

وقال المشيشي إن “العلاقات الفرنسية التونسية لم تتأثر، وباريس لا زالت تؤمن بالصداقة بين البلدين”.

وأفاد رئيس الحكومة، أن “فرنسا عبّرت عن استعدادها الكبير جدا لمضاعفة الاستثمار في تونس، في سبيل توفير فرص العمل، إضافةً إلى تحسين ظروف إقامة الطلاب التونسيين في فرنسا”.

ويرى مراقبون أن المشيشي يسعى إلى تعزيز التعاون التونسي الفرنسي على المستوى الاقتصادي مدفوعا بالأزمة التي تمر بها بلاده مقابل الالتزام بتنفيذ حلول ناجعة لملفي الإرهاب والهجرة غير النظامية اللذين يقلقان باريس وهي من أبرز شركاء تونس التقليديين.

المقاربة الأمنية لوحدها لا تُجدي نفعا في ملف الهجرة غير الشرعية
المقاربة الأمنية لوحدها لا تُجدي نفعا في ملف الهجرة غير الشرعية

ودفعت هذه الخطوة المشيشي نحو تقديم تطمينات وضمانات للشركاء الفرنسيين بأنّه بإمكانهم مواصلة الاستثمار في تونس، مع سعي حكومته بالتنسيق مع الحكومة الفرنسية لتطوير منصة ستمكن من تعزيز الاستفادة من الخبرات والكفاءات التونسية في فرنسا خاصة في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، فضلا عن تأكيده أن هجرة التونسيين إلى فرنسا يمكن اعتبارها من ضمن مجالات التعاون بين البلدين.

وقال رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “ما يقلق فرنسا هو التدفقات الكبيرة للمهاجرين، وزيارتها في هذا التوقيت بحث عن حلول وتعاون مقابل الترحيل وحماية الحدود”.

وأضاف بن عمر في تصريح لـ”العرب” “أن قضايا الهجرة تبنى على احترام الحقوق وخاصة للمهاجرين غير النظاميين، وقرار الترحيل لن يكون إلا باستكمال الملفات”.

وحمّل المتحدث فرنسا مسؤولية هذه الأزمة قائلا “على فرنسا أن تتحمل مسؤوليتها لأن هؤلاء وقع استقطابهم في فرنسا وتونس لا تملك الإمكانيات لإعادة تأهيلهم”.

وتأتي الجولة الخارجية الأولى للمشيشي كرئيس للحكومة بحثا عن حلول للأزمة الاقتصادية التي باتت تعصف باستقرار تونس في ظل تنامي الاحتجاجات الشعبية تزامنا مع أزمة سياسية حادة، فضلا عن تعزيز جهود مكافحة الهجرة غير النظامية والإرهاب ومصير المتطرفين التونسيين في أوروبا عموما.

وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان أن زيارة المشيشي إلى فرنسا تأتي في سياق الزيارات الروتينية التي يجريها رئيس الحكومة لكن “هل أن الحكومة اليوم ستشجع على الاستثمار في تونس مع وجود التعطيلات الواقعية والملفات الإدارية العالقة”.

باسل الترجمان: هناك استفزاز للمستثمرين في تونس، وعلى الحكومة أن توفر لهم الضمانات
باسل الترجمان: هناك استفزاز للمستثمرين في تونس، وعلى الحكومة أن توفر لهم الضمانات

وأضاف الترجمان في تصريح لـ”العرب” “هناك أطراف تريد استفزاز بعض المستثمرين، وعلى الحكومة أن توفر جملة من الحوافز والضمانات والآليات في ظل الأجواء الموجودة، وهناك تعاون لاتخاذ إجراءات”.

ووصف الترجمان الزيارة بـ”الإيجابية”، موضحا أن “الجميع  ينتظر نتائج ميدانية، وعلى الدولة أن تكون حامية لنفسها بالتصدي لكل المخاطر، مع المزيد من التعاون في ملف الهجرة غير النظامية وترحيل التونسيين، خصوصا وأن فرنسا تملك الإمكانيات اللازمة لذلك وقد يكون لها دراية بخصوص من قام بتجنيد وإعداد منفذ عملية نيس الإرهابية والخلايا التي تتبعه”.

ويحاول المشيشي إيجاد مخرج للأزمة التي تتخبط فيها بلاده، حيث ترزح تونس تحت وطأة أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية غير مسبوقة.

وتندرج الزيارة أيضا في إطار تضامن تونس مع باريس بعد اعتداء نيس، الذي نفذه إبراهيم العيساوي وهو تونسي يبلغ من العمر 21 عاماً، وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في كاتدرائية نيس في جنوب شرق فرنسا في 29 أكتوبر، لكنه أعاد الحديث عن التونسيين المتطرفين في فرنسا.

ومثّل اللقاء فرصة لمراجعة التعاون بين فرنسا وتونس في المجالات ذات الأولوية في إطار المجلس الأعلى للتعاون الذي يرأسه رئيس الوزراء، وهذه المجالات هي التنمية الاقتصادية والقضاء والدفاع والتعليم والثقافة.

ويزور رئيس الحكومة التونسية منذ السبت الماضي وحتى الأربعاء المقبل، كل من فرنسا وإيطاليا، وذلك بدعوة من نظيريه الفرنسي كاستيكس، والإيطالي جوزيبي كونتي.

وفي نوفمبر الماضي، بحث وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي، ووزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في لقاء جمعهما في تونس، سبل تعزيز التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية.

وتزايدت معدلات الهجرة غير النظامية في تونس منذ ثورة يناير 2011، مستغلة الغياب الأمني، حينها، لكنها سرعان ما تراجعت بعد تشديد السلطات الخناق على شبكات الهجرة غير النظامية.