ما هو مصير القاعدة العسكرية الروسية في سوريا

كشفت صور أقمار اصطناعية حديثة تحركات عسكرية روسية في كل من قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية بمنطقة الساحل السوري. وأظهرت صور التقطتها شركة “ماكسار” المختصة بصور الأقمار الاصطناعية ، نشاطا عسكريا ملحوظا في قاعدة طرطوس البحرية.
لقد ثبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدميه في سوريا أولا من أجل الوصول إلى المياه التي تصلح للملاحة البحرية وثانيا الوصول إلى خيرات سوريا بكل أصنافها، فبعد الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 وجد بوتين ضالته في سوريا، واستغل الأحداث هناك للوصول إلى العمق السوري، وتحقيق حلمه، فكانت ثمة مصلحة متبادلة بين الطرفين، وقد بان واضحا بأن الرئيس بوتين كان يهيئ لهذا التدخل حين قال إن هنالك حوالي 3000 مقاتل إسلامي منخرط في التنظيمات الإرهابية في سوريا، من تنظيم الدولة إلى النصرة إلى أجناد القوقاز، وغيرهم، أتوا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، والاتحاد الروسي ويشكلون خطرا جديا على الأمن القومي الروسي.
على صعيد آخر، يرى المحلل السياسي أندريه أونتيكوف أن “احتمالية بقاء القواعد الروسية قد تكون ضئيلة”، وتطرق في الوقت نفسه إلى أن موسكو بالتأكيد ستتفاوض بهذا الشأن.
يستبعد أن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا، وإذا بقيت موجودة فإن الروس سيبقون في سوريا ما لم تنسحب الولايات المتحدة، إذ لا يوجد أحد أفضل من الآخر تحت بند تقاسم الغنائم
وأضاف “إذن روسيا تحاول قدر الإمكان البقاء في سوريا، لأسباب منها اقتصادية، ومنها استغلال مياه البحر المتوسط كنقطة انطلاق لأعمالها في البحر، فنعمة البقاء في سوريا لا تقدر بثمن حسب ما يفكر به بوتين والروس بشكل عام، أما على صعيد الإدارة التي تدير سوريا اليوم بعد سقوط بشار الأسد فلا يوجد حينئذ تصريح رسمي حول بقاء روسيا في حميميم من عدمه.”
الحقيقة أن ثمة ملفات عديدة تقع على عاتق الإدارة الجديدة في سوريا اليوم، منها الأكراد في شمال شرق سوريا، وتركيا التي تسيطر على شمال سوريا، والأخطر من ذلك التوغل الإسرائيلي في القنيطرة، فرغم تصريحات القادة الإسرائيليين بأن بقاءهم في سوريا هو ضمان إنهاء السلاح السوري وضرب المنشآت الكيماوية حتى لا تقع في أيدي الفصائل السورية وتستخدمها ضد إسرائيل، فإسرائيل تريد من توغلها في القنيطرة السيطرة على الخط العازل، فالخط العازل هو اتفاق بموجبه يجري الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية، من خلال منطقة عازلة تخلو من القوات العسكرية على أن تقع القوات السورية في المناطق الشرقية من الجولان، بينما تسيطر القوات الإسرائيلية على المناطق الغربية.
أما الموقف السوري الجديد الذي عبّر عنه رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني)، فإن إدارته ليست بصدد خوض صراع مع إسرائيل. وقال إن الجانب الإسرائيلي تجاوز اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974.
نحن في الواقع أمام تغول إسرائيلي في سوريا ما كان ليصبح ممكنا لولا رعايته من قبل الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة، تجسيدا لسياسة “اغتنام الفرص” المعتمدة من قبل إسرائيل.
نحن أمام تغول إسرائيلي في سوريا ما كان ليصبح ممكنا لولا رعايته من قبل الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة، تجسيدا لسياسة “اغتنام الفرص”
إذن نحن أمام موقف ضبابي في سوريا: قواعد عسكرية أميركية وقواعد عسكرية روسية، وأطماع تركية، واحتلال إسرائيلي للمنطقة العازلة، فهذا الموقف المحير يجعل الإدارة الجديدة في سوريا في حيرة من أمرها، فمن أين تبدأ؟ وما هي أولوية الملفات فكلها متداخلة بعضها ببعض؟
الولايات المتحدة على لسان إيثان غولدريتش مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والمسؤول عن الملف السوري في الخارجية الأميركية، أكدت أن القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا، نافية أي خطط لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لسحبها، ويبقى موقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي لم يصرح بعد به، هل ينسحب من سوريا أم يريد البقاء هناك؟
هنا يجب التذكير بأن ترامب في أكثر من مناسبة انتقد بادين عندما انسحب من أفغانستان. واعتبر الانسحاب غير منظم وفوضويا، وأشار إلى أن هذه الطريقة ساهمت في تدهور الوضع الأمني بشكل سريع، وأنها أدت إلى استعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد، وأضرت بسمعة الولايات المتحدة أمام حلفائها وأعدائها، وأن الأمر بدا وكأنه انسحاب غير منسق وعاجل.
لهذا السبب يستبعد أن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا، وإذا بقيت موجودة فإن الروس سيبقون في سوريا ما لم تنسحب الولايات المتحدة، إذ لا يوجد أحد أفضل من الآخر تحت بند تقاسم الغنائم.
من الاختزال القول إن الصراع على سوريا ما زال قائما، فرغم تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن وغيره من المسؤولين الأميركيين حول وحدة سوريا فإن ذلك يبدو للاستهلاك المحلي فقط، تريد الولايات المتحدة سوريا خالية من المنظمات المعارضة لسياستها في سوريا، وأن تبقى هي المسيطرة هناك، وفي نفس الوقت تحاول جاهدة إخراج الأتراك والروس من سوريا نهائيا. يبدو أن مغازلة الشرع من قبل الولايات المتحدة هو بداية لتأسيس مرحلة جديدة.