ما هو مخطط إسرائيل في الضفة الغربية

تشهد الضفة الغربية تصعيدًا ملموسًا في الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش الإسرائيلي مؤخرًا، مما أدى إلى تحول المنطقة إلى سجن كبير. وتزايدت الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي عززت من حصار المدن الفلسطينية، مما جعل التنقل بين المدن أو إلى مدينة القدس أكثر صعوبة. ويظل الوضع في الضفة الغربية مرشحًا للانفجار في أيّ لحظة، حيث تتزايد التوقعات بأن تشهد المنطقة عمليات عسكرية واسعة قد تكون جزءًا من سياق أوسع للتصعيد الإسرائيلي في المنطقة. فالضفة الغربية أصبحت عبارة عن مستودع لتخزين المستوطنين وهو البعد الإستراتيجي لإسرائيل.
للتذكير، لقد أقيمت في الضفة الغربية منذ سبعينات القرن الماضي آلاف الوحدات الاستيطانية، فهناك بُعدان لهذه الكتل الاستيطانية؛ الأول هو بُعد أمني بامتياز، فكل المستوطنات الكبرى التي أقيمت على ما احتل من فلسطين عام 1967 محاطة بمدينة القدس. فثمة مستوطنات قريبة من مدينة القدس وهي مستوطنة “إفرات”، ستشكل حزامًا يلتف حول مدينة القدس ليلتقي عند مشارف العيزرية وأبوديس مع مستوطنة “معالي أدوميم” بجانب مستوطنة أبوغنيم أو ما تسمى “هار حوماه”، بالإضافة إلى مستوطنة “بسغات زئيف”.
كل هذه المستوطنات أقيمت لتكون امتدادًا لمدينة القدس وسياجها الواقي. فإسرائيل ماضية في سياسة مصادرة الأراضي المحتلة عام1967 وخصوصًا المناطق المهمة والحيوية المحاذية للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام النكبة. إذا هي تفكر للأمام وللمستقبل، تريد أن تفرغ الضفة الغربية من السواد الأعظم من سكانها والبحث عن بدائل أمام الأردن الوطن البديل أو جزء من سيناء، حتى أن باراك أوباما الرئيس السابق للولايات المتحدة اقتنع بفكرة إسرائيل التي تبناها ترامب اليوم وقال “السلام في الشرق الأوسط وصل إلى طريق مسدود.”
ليس لدينا أدنى شك في أن واشنطن أعطت إسرائيل الضوء الأخضر في ما يتعلق ببدائل الدولة الفلسطينية، فعلى صعيد اقتطاع جزء من صحراء سيناء للفلسطينيين فهذا الطرح يدرس بعناية. والطَّرْح الآخر وهو الوطن البديل المقصود الأردن، أيضا مطروح وبقوة وخصوصا بعدما قامت الولايات المتحدة بتقليص الدعم المالي لعمّان كورقة ضغط يراد منها توطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في غزة، وثانيًا من خلال استيعابه عددًا أكبر من فلسطينيي الضفة الغربية والقدس وقد يكونون من فلسطينيي الداخل. أما البُعد الديني، فإن إسرائيل تؤمن بأن الضفة الغربية هي أرض إسرائيلية يجب في يوم ما تصفية الوجود الفلسطيني فيها. وحسب ما قالته التوراة إن الرب أوجد أرض الميعاد لليهود فقط ولا يساكنهم فيها أحد، فهذان البعدان التقيا ليشكلا حاجزًا قويًا أمام أيّ قائد من قادة إسرائيل حينما يحاول أن يتنازل عن أيّ شبر من أرض فلسطين للفلسطينيين.
◄ الضفة الغربية أصبحت عبارة عن مستودع لتخزين المستوطنين وهو البعد الإستراتيجي لإسرائيل
يقول الكاتب اليهودي هول ليندسي إن “خطوط الهدنة لعام 1949 ليست حدودا آمنة، والانسحاب إليها يعتبر بمثابة الدخول في مصيدة إستراتيجية، لذلك فكل من يطالب بالاستناد عليها – حتى في نطاق معاهدات سلام – فإنه يفرض على الدولة خطرًا شديدًا. إذ لا يجوز إعادة الوضع الدفاعي لإسرائيل إلى ما كان عليه سابقًا، فلا يمكن أن نتصور عودة المدفعية السورية إلى الجولان والمدرعات الأردنية أمام مشارف “السهل الساحلي” شمالًا أو أن نسمح بتقسيم القدس من جديد أو أن نفتح أبواب النقب مرة أخرى على حدود سيناء، أو نجعل حرية الملاحة الإسرائيلية في الممرات الدولية أمام علامات استفهام.”
كلام هول واضح لا لبس فيه، قال ما عنده من باب الأمن والأمن المجرد. فالقاعدة الأمنية الإسرائيلية تنفذ من خلال بناء المستوطنات وإقامة القواعد العسكرية في مناطق متفرقة من الضفة الغربية. إذا، هذه التصريحات جاءت لتخدم البعد الديني وأرض الميعاد التي وعدوا بها حسب ما يدّعون. الأيام القادمة مليئة بالمفاجآت ولا غرابة في ما تقوم به إسرائيل وبغطاء أميركي وأممي.
المعطيات في الضفة الغربية بما في ذلك شرقي القدس ستكون في عين الاستهداف الإسرائيلي في الأيام القادمة. بالطبع فإن مخطط تهويد الأقصى والقدس وباقي الضفة لم يتوقف طوال السنوات الماضية، وسار بشكل حثيث تحت حكم الليكود، واليوم هو طرح يبرز بقوة وأخذ نسقًا متصاعدًا تحت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتحالفة مع الصهيونية الدينية. غير أن الاتجاه قد يأخذ مسارات أكثر حسمًا برعاية أميركية، بما في ذلك مخاطر ضم الكتل الاستيطانية في الضفة، وكذلك مخاطر ضم مناطق “ج” أو أجزاء كبيرة منها التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وبالتالي القضاء على مسار التسوية السلمية وعلى أحلام تحول السلطة الفلسطينية إلى دولة فلسطينية، بل وإمكانية تفتيت السلطة إلى عدة كانتونات، تتولى على أساس أمني إدارة التجمعات الفلسطينية في الضفة.