ماكرون يغري القاهرة بمزايا تعليمية لإحياء اللغة الفرنسية في مصر

القاهرة- استثمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى مصر لإعادة الاعتبار إلى اللغة الفرنسية بعد خطوات اتخذتها الحكومة وقادت إلى تهميش الفرنسية في المدارس المصرية.
وكرر آلاف من المصريين الاحتفاء بالرئيس الفرنسي، الثلاثاء، عندما رافق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بزيارة مدينة العريش في شمال سيناء، لتوصيل رسائل بوجود توافق بين القاهرة وباريس على رفض مخطط تهجير سكان قطاع غزة ووقف الحرب، وإدخال المساعدات إلى القطاع.
وأراد الرئيس ماكرون توظيف تلك الحالة لتعزيز تدريس اللغة الفرنسية بالمدارس المصرية، وظهر ذلك في إعلانه خلال كلمة في احتفالية نظمتها جامعة القاهرة ضمن ملتقى الجامعات المصرية – الفرنسية، حيث أعرب للسيسي عن رغبته في أن تكون فرنسا شريكة في نظام البكالوريا الذي تريد الحكومة المصرية تطبيقه بالمدارس الثانوية.
ويعتبر نظام البكالوريا الفرنسية لغة خارج المجموع الكلي للطالب، وهو ذات الأمر بالنسبة إلى النظام الجديد المتوقع تطبيقه بدءا من العام الدراسي المقبل، لكن التصور النهائي لم يُعرض على مجلس النواب لمناقشته وإقراره، وسط ضغوط من معلمي الفرنسية لعدم تهميشها.
من شأن سعي مصر لتقوية روابطها بفرنسا أن يفضي إلى عودة الفرنسية كلغة أساسية في المدارس، وإن جاء ذلك على حساب سياسات الحكومة
وقال ماكرون إن وجود اللغة الفرنسية كأداة تعليمية في مصر “أمر مبهج وجيد، وتمثل كنزا لا يقدر بثمن في تعزيز العلاقات الثقافية والتعليمية بين القاهرة وباريس، وإن بلاده تسعى بقوة لتكون شريكا دائما لمصر في المجال التعليمي، ومستعدة لتقديم كل الدعم في تأهيل المعلمين بالمدارس المصرية.”
وحاز حديث ماكرون عن اللغة الفرنسية مساحة واسعة من كلمته أمام حشد من الطلاب والأكاديميين والوزراء، في خطوة استهدفت الترويج لأهميتها وتحقيق المزيد من التقارب الثقافي، وحث الحكومة المصرية على التراجع عن تهميشها.
ومن شأن سعي مصر لتقوية روابطها بفرنسا أن يفضي إلى عودة الفرنسية كلغة أساسية في المدارس، وإن جاء ذلك على حساب سياسة الحكومة الرامية إلى تقوية علاقة الطلاب بلغتهم العربية الأم كجزء من الحفاظ على الهوية المصرية.
وتتعامل باريس مع إعادة الاعتبار للغة الفرنسية في المدارس المصرية كجزء من نشر ثقافتها في بلد يتجاوز تعداد سكانه مئة وستة ملايين نسمة.
ويأتي تحرك ماكرون لإعادة الاهتمام بلغة بلاده من بوابة مصر بعد أن تعرضت الفرنسية إلى خسارة فادحة في عدد من الدولة الأفريقية، ما مثّل نهاية مأساوية لمشروع باريس الثقافي الذي سعت على مدار عقود إلى تعميمه في دول القارة، وضاعف قرار الحكومة المصرية الأخير من خسائرها الثقافية، ومع أن مصر دولة ليست فرانكفونية، إلا أن ترسيخ اللغة الفرنسية بها ينطوي على قيمة ثقافية.
وأكدت نورهان الشيخ عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وأستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن باريس تتعامل مع نشر اللغة الفرنسية كمصدر قوة، وماكرون يُدرك جيدا أن مصر بوابة لبلاده لتطوير علاقاتها مع دول عديدة، وتعامل باهتمام مع إعادة الفرنسية كلغة وشريان يربط فرنسا بشعوب مختلفة.
وأضافت لـ”العرب” أن الفرنسية تراجعت خلال حقبة ماكرون، وهذا مؤشر على تراجع دور باريس سياسيا، ما أثّر على مكانتها دوليا، ويرغب ماكرون في إصلاح وضع بلاده في جنوب البحر المتوسط وأفريقيا من خلال مصر ويُعاد فيها نشر الإرث الثقافي والتعليمي، بما يساعد فرنسا لتعود قوة دولية مؤثرة.
وتخطط باريس لتقديم مزايا معنوية ومادية مقابل إعادة الاعتبار للفرنسية، وهي الخطوة التي أحيت آمال آلاف من معلمي اللغة الفرنسية في مصر ممّن تعرضوا إلى خسائر كبيرة بسبب تهميشها وخروجها من المجموع الكلي، لأن الطالب لم يعد في حاجة إلى الحصول على درس خصوصي في مادة مهمشة.
وسوّقت الحكومة المصرية لقرارها المرفوض من معلمي بعض اللغات الأجنبية، مثل الفرنسية والألمانية، بأنها لغة ثالثة وليست ثانية، فاللغة الأم للدولة هي العربية، وبعدها يتم اختيار اللغة الأشهر والأكثر تداولا واستخداما في العالم وهي الإنجليزية، ولا جدوى من الفرنسية أو غيرها في المدارس وإضافة درجاتها إلى المجموع الكلي.
وقد يكون التوجه لإحياء الفرنسية كمادة أساسية عقب زيارة ماكرون مقدمة لتعرّض الحكومة المصرية إلى انتقادات شعبية، لأنها سمحت بالتدخل الخارجي في السياسة التعليمية وستبدو مرتبكة وعشوائية.
ويتمسك النظام المصري بإصلاح نظام البكالوريا وتخفيف عدد المواد إلى الحد الأدنى، على أمل تخفيف الأزمات السياسية التي يتم تصديرها على فترات متقاربة بسبب ملف التعليم وعشوائية الحكومة في التطوير، ما يجلب مقاومة شعبية واسعة ضد أيّ خطة للإصلاح.
وتستثمر الحكومة في رفض شريحة معتبرة من الأسر للتوجه التعليمي القائم على الانكفاء حول الخصوصية الثقافية المحلية، بحجة تحصينها من الاندثار، وتتمسك تلك الشريحة بالانفتاح على الثقافات الغربية المختلفة والسماح للطلاب بأن يُتاح أمامهم أكثر من لغة للدراسة دون اقتصار الأمر على الإنجليزية فقط.
كما أن الإغراءات التعليمية، التي أعلن عنها ماكرون للطلاب المصريين، قد تعزز القبول المجتمعي لعودة اللغة الفرنسية دون إحراج الحكومة، حيث أفصح عن امتيازات عدة، مثل إلحاق المصريين بجامعات فرنسية وتسهيل تأهيلهم ودمجهم في سوق العمل ومنحهم شهادات مزدوجة تتيح التوظيف بها.