ماذا ينتظر التونسيون من الحوار الوطني وأي قضايا سيناقشها

مسودة دستور مرتقبة تلغي ذكر الإسلام كمرجعية.
الأربعاء 2022/06/08
التفاف شعبي على مسار الانتقال لجمهورية جديدة

مع انطلاق أولى جولات الحوار الوطني في تونس تتصاعد التساؤلات حول مضامينه والقضايا التي سيناقشها خاصة أنه سيفرز مسودة دستور ستُعرض على استفتاء شعبي في الخامس والعشرين من يوليو المقبل.

تونس - يثير انطلاق الحوار الوطني في تونس بقيادة الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة التي كلفها الرئيس قيس سعيد تساؤلات بشأن القضايا التي سيسلط المتحاورون الضوء عليها.

ومن المرتقب أن تفضي النقاشات في هذا الحوار إلى صياغة مسودة دستور جديد سيطرح على استفتاء شعبي في الخامس والعشرين من يوليو، وهو دستور قد يؤسس لإلغاء ذكر الإسلام كدين للدولة بحسب ما أعلن منسق الهيئة أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد.

وقالت فاطمة المسدّي النائبة السابقة بالبرلمان التونسي والمشاركة في أولى جلسات الحوار الوطني التي عُقدت السبت إنه “توجد لجنة استشارية أكثر من الحوار، لأن ما جمع هذه الأطراف هو ضرورة الانتقال إلى دستور ونظام سياسي جديدين”.

فاطمة المسدي: الحوار بين الأطراف الداعمة لمسار 25 يوليو حوار بنّاء

وأضافت لـ”العرب” أن “الحوار بين الأطراف الداعمة لمسار الخامس والعشرين من يوليو هو حوار بنّاء، وكلّ طرف سيقدّم مقترحاته بالرغم من وجود اختلافات بين التيارات وبعض الكفاءات المشاركة، وهذا فيه تنوّع فكري وسياسي، حيث ستتّفق هذه الأطراف حول تصوّرات للجمهورية الجديدة”، مؤكّدة أن “رئيس اللجنة طلب أن تكون المقترحات مدوّنة”.

وتابعت المسدّي أن “الحوار يطرح مسائل عدّة منها فصل الدين عن الدولة، وفصولا تهم المجال الاقتصادي، ونريد تناغما بين الحكومة والشعب، كما قد تجمعنا جلسة بالحكومة في إطار التنسيق حول التوجهات الاقتصادية”.

ولفتت إلى أن “المناخ السياسي القائم فيه بعض التحفظات، والإصلاحات العميقة دائما ما تواجه عرقلة من أطراف تسعى لحماية مصالحها أو وجودها”، مشيرة إلى أن “المعارضة أقليّة، وهناك مساندة قطعيّة للرئيس سعيّد وتوجهاته من أغلب المنظمات والهيئات”.

ويعلّق مراقبون آمالا على الحوار الوطني ومخرجاته، معتبرين أنه سيمهّد لصياغة نظام حكم جديد يقطع مع السياسات السابقة التي أحدثت قطيعة بين النخب والفئات الشعبية.

وأفاد رافع الطبيب أستاذ العلوم الجيوسياسية والاستراتيجيات أن “الحوار الوطني لم يكن مطلب الناس عند الخروج في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، بل جاء إرضاء لبعض الأطراف”، معبّرا عن اعتقاده أن “الحوار سيكون داخليا وبين النخبة التي اختارها العميد الصادق بلعيد (رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة)”.

وأضاف لـ”العرب” أن “مخرجات الحوار ستكون جيّدة والحديث عن مسائل مهمة، وسيكون التأثير إيجابيا للحوار من خلال إعادة صياغة الحكم في تونس بطريقة موحدة والقطع مع السياسات التي فرضت على البلاد من الخارج وفكّكتها، وأحدثت هوّة بين النخب السياسية والشعب”.

وأكد الطبيب أن “موقف الشعب التونسي واضح، ومن خلال إضراب القضاة يمكن أن نفهم أن النظام السياسي بعد 2011 كارثي، والتونسيون أصبحوا يرفضونه”، مضيفا “سيكون هناك تصوّر ذكي للنمط الاقتصادي والتأسيس لدولة العمل وإعادة قيمة الإنتاج وضرب الريع، فضلا عن حلّ مشكلة البطالة”.

رافع الطبيب: المخرجات ستكون جيّدة وستعيد صياغة الحكم في تونس بطريقة موحدة

وأردف “الناس يريدون تصورات وقوانين جيدة، ولا يريدون العودة إلى ما قبل الخامس والعشرين من يوليو، والشعب سيصوت في الاستفتاء لإيمانه بالقطع النهائي مع المنظومة التي حكمت في العشرية الماضية”.

وبدوره قال زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب إن “الحوار الوطني يهدف إلى القطع مع ما تم إرساؤه طيلة عشر سنوات، وثقافة تقسيم السلطة والمنافع والامتيازات”.

وأكّد في تصريحات صحافية “سنعمل على إرساء ثقافة جديدة هي ثقافة بناء الدولة عكس ثقافة السنوات العشر الأخيرة، وهي ثقافة تقاسم السلطة”.

ولئن ثمّن متابعون للشأن السياسي في تونس خطوة الحوار بشأن القضايا المهمة في البلاد التي تقطع مع التوافقات والترضيات السابقة، فإنهم اعتبروا أن الرئيس سعيّد مطالب بكسب رهان مساندة الأغلبية السياسية والشعبية المطلقة تحصينا لتوجهاته ودعما للمسار الانتقالي الذي يقوده.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “الحوار في حدّ ذاته معطى إيجابي لأنه سيحرّك الراكد الفكري في مسار العملية السياسية في ظلّ تدني مستوى الخطاب السياسي، ومن الضروري جدا أن تطرح القضايا الجوهرية في مفهوم النظام السياسي، الديمقراطية التي نريدها، المسائل الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن دور الدولة في إطار السياق التاريخي اقتصاديا واجتماعيا”.

وأكّد في تصرح لـ”العرب” أن “الدولة مطالبة بأن تكون قوّة عادلة دون أن تغتال الاستثمار، ومفهوم السيادة الوطنية يجب أن يكون دقيقا، لأن الشارع يتطلّع إلى أن تكون القضايا الكبرى مطروحة وإلى دستور يضمن الحقوق والحريات”.

وأضاف ثابت “الحوار لا يفضي بالضرورة إلى توافقات، لأننا جربنا التوافقات وأنتجت دستور 2014، وهو دستور متناقض جاء في إطار الترضيات السياسية، وليس المطلوب الذهاب إلى دستور تلفيقي بل دستور يحفظ مبادئ التعددية والحريات والتوازن بين السلطات في إطار نظام رئاسي، ومن الضروري أن يتم هذا في إطار ضمان حرية التعبير للسلطة والمعارضة”.

المنذر ثابت: الشارع يتطلّع إلى طرح القضايا الكبرى ودستور يضمن الحقوق والحريات

واستطرد “مسار الرئيس سعيّد دعمته الأغلبية وما تحصّل عليه من دعم داخلي وخارجي إلى حدّ الآن لا يحسم المعركة السياسية مع المعارضة، بل ستحسم يوم الخامس والعشرين من يوليو القادم، ويفترض أن تكون أغلبية داعمة لتوجهات الرئيس، ودون ذلك ستنقلب الأمور”.

وترى أطراف سياسية أن المقترحات ستركّز أساسا على المسائل الجوهرية في علاقة مباشرة بمعيشة التونسيين على غرار تحسين مستويات العيش والاهتمام بالقطاعات الحيوية.

واعتبر الناشط السياسي حاتم المليكي أن “الحوار الوطني ليس له علاقة بالانتظارات، لأنه جاء كطلب من الرئيس سعيّد بتكوين لجنة استشارية تقدم مقترحات في علاقة بالقضايا المطروحة والاستشارة الوطنية”.

 وقال في تصريح لـ”العرب” إن “التوجهات الاقتصادية قدمتها حكومة نجلاء بودن في إطار تصورات وإصلاحات حتى العام 2035، علاوة عن مفاوضاتها مع الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي”.

وتابع المليكي “لجنة بلعيد ستقدّم مقترحات للاستشارة، والحوار يتطلب مناخا سياسيا واجتماعيا ومخرجات يتمّ تنفيذها، أما المخرجات المنتظرة الآن هي أن كلّ طرف سيقدّم مقترحات للعميد بلعيد تهم المسائل الكبرى والرفع من إنتاجية القطاع الزراعي وضمان مقومات العيش الكريم للتونسيين”.

وانطلقت السبت أولى جلسات الحوار الوطني في دار الضيافة بقرطاج في ضواحي العاصمة تونس، وحضرها عدد من السياسيين على غرار القيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي رغم رفض حزبه المشاركة، ورئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري، ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، وأمين عام حزب التيار الشعبي زهيّر حمدي، بالإضافة إلى أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري، والخبير المالي أحمد كرم، ووفد عن اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (مجمع رجال الأعمال).

 ودعا بلعيد خلال الكلمة الافتتاحية للجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية المشاركين إلى “تقديم ورقة تتضمن تصوراتهم لتونس خلال الأعوام الأربعين المقبلة، وكيفية ترجمة المقترحات في نصوص دستورية ومؤسسات قادرة على تنفيذها في الواقع خلال 72 ساعة”.

ومن المقرر أن يرفع بلعيد إلى الرئيس سعيد تقارير دورية عن تقدم أعمال لجنة الحوار الوطني، ويقدم له تقريرها النهائي طبقا للفصل 2 من هذا المرسوم في أجل أقصاه يوم العشرين من يونيو الجاري.

4