ماذا لو..؟

المشكلة أن إسرائيل كانت تفكر بأن العزل الواقعي الإسمنتي بين الإسرائيلي والفلسطيني قد يكون حلا واقعيا حقيقيا.
الأحد 2024/01/28
العالم فشل في حماية الفلسطينيين

ماذا لو كانت هناك احتمالات مختلفة لإيجاد حلول للقضية الفلسطينية، وتطبيقها منذ زمن طويل، قبل عشرة أعوام، أو عشرين عاما وأبعد من ذلك؟

ماذا لو لم يحدث الانقسام بين الفلسطينيين عام 2006 ولم يتم تعميق نكبتهم بدعم من إسرائيل وصمت المجتمع الدولي على الانقسام وفصل غزة عن الضفة تماما، على قاعدة “فرّق تسد”، ما زاد من معاناة الفلسطينيين وتأثير ذلك على ظروفهم الحياتية واليومية الصعبة. وما المأساة سوى حاضنة للمزيد من السخط والغضب.

إسرائيل، التي أرادت أن تجعل من غزة سجنا مفتوحا وعزلتها عن محيطها، معتبرة بذلك حلا، كانت فقط تزيد من تضخيم المعاناة.. وتزيد من حجم الصراع والأذى والمأساة.. وبدورها تتحمل “هي الأخرى” مسؤولية كاملة لأيّ نتائج تمخضت عن ذلك.

ماذا لو تمكنت الفصائل الفلسطينية في غزة من التوصل إلى تسويات أفضل خلال السنوات العشر الماضية مع إسرائيل ما كان سيوفر حياة متوازنة للفلسطينيين، بوساطة إقليمية، وبدعم من الدول التي تدعم إسرائيل.

في عالم طوباوي، كان من المفروض منح قطاع غزة الساحلي أفضل حياة لمليوني فلسطيني فيستفيدون من طبيعته وموقعه.

ماذا لو كان الهم الأساسي في هذا العالم هو توفير كافة الاحتياجات الأساسية للناس، ومحاولة لإيجاد فرص عمل لهم، والاستثمار في الأفراد واحترام حق كل فرد منهم في الحياة.

◙ ماذا لو عملت السلطة الفلسطينية جاهدة في الضفة على إصلاح مواقع ضعفها وترهلها خلال السنوات الماضية، وحاولت إيجاد حلول تمنح واقعا أفضل للفلسطينيين

ماذا لو تم ربط غزة بالعالم بدلا من عزلها وتحويلها إلى سجن مفتوح، ماذا لو تحول قطاع غزة إلى مدينة سياحية.. مليونا فلسطيني يعيشون في 365 كم² لكن بانفتاح وانسجام مع العالم الخارجي.

ماذا لو عملت السلطة الفلسطينية جاهدة في الضفة على إصلاح مواقع ضعفها وترهلها خلال السنوات الماضية، وحاولت إيجاد حلول تمنح واقعا أفضل للفلسطينيين.

ماذا لو حاولت إشراك الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وتحديد خياراتهم.. وطرح كافة الحلول والأفكار على الطاولة بدلا من تضخيم الفجوة بينها وبين المواطن؟

ماذا لو حاولت الحكومة الفلسطينية خلال السنوات الطويلة أن تعمل لصالح صورة القضية الفلسطينية إقليميا، عربيا، دوليا، بدلا من الاكتفاء بتكديس ملفات عبثية أمام طاولة المحكمة الدولية.

وبدلا من ترك القضية على رف النسيان في المحافل الدولية لسنوات طويلة، حيث كانت هناك محاولات دولية في تغييبها وتهميشها على مبدأ “أن محاولتك الجاهدة في عدم النظر إلى الفيل في الغرفة قد يجعله يختفي”، والمحاولات الهشة في إنكار مأساة الشعوب قد يجعلها تتلاشى.

إن الفيل تضخم في الغرفة حتى انفجر في وجه الجميع، والآن، الجميع يدفع الثمن بشكل أو بآخر.

كل التقصير الذي حدث والأخطاء التي وقعت من كافة الأطراف كلها كانت سببا لميلاد مأساة العصر الجديد.

المشكلة أن إسرائيل كانت تفكر بأن العزل الواقعي الإسمنتي بين الإسرائيلي والفلسطيني قد يكون حلا واقعيا حقيقيا، وأن عزل غزة وتضييق الخناق عليها كان سيكون حلا جوهريا للمشكلة.

ماذا لو حاول العالم إيجاد حلول متوازنة واقعية وإن كانت بخطوات بطيئة سابقا، ألم يكن من الممكن مثلا أن يكسب العالم وقتا مستقطعا أكبر والعيش 20 عاما إضافية في مد وجزر في القضية.

كان من الممكن، في ظل محاولات حثيثة وجهود إقليمية عربية دولية التوصل إلى نتائج أفضل مما نراه الآن، وأقل من النزيف البشري المؤلم الذي يعيشه العالم اليوم.

ماذا لو لم يقتل الإسرائيليون إسحق رابين، ولم يقتلوا أيّ محاولات في التفاوض والحوار بين الجانبين سابقا؟

ماذا لو سمع العالم صدى صوت المعاناة المستمرة للفلسطينيين خلال كل السنوات السابقة وحاول إحلال العدالة رويدا رويدا بدلا من تهميشهم.

ماذا لو تم تطبيق قرار واحد على الأقل من قرارات الأمم المتحدة أو تم احترام قرار واحد من القرارات المتمخضة من الاجتماعات والقمم العربية والدولية.

ماذا لو تم كسر لعنة النمط المتكرر مرة واحدة على الأقل، أو تم إيقاف السيناريو المحترق والمشهد المزري المستمر، لو كسر أحدهم الحلقة مرة ووجد بصيصا لمخرج ما.

كان على الأقل من الممكن أن نتوقع مستقبلا أفضل للأجيال القادمة، بدلا من النفق المظلم الذي علقت البشرية بداخله.

◙ الشعوب وحدها من تدفع ثمن كل ما يحدث، وهي التي يتم تقديمها قربانا لقضايا خُلقت كي لا تُحل، ولا يراد من وجودها إيجاد أيّ حلول حقيقية

لو تعامل العالم بجدية ونية حقيقية لحل القضايا والتوصل إلى نتائج متوازنة وعادلة، لما كان الواقع اليوم بهذا البؤس.. وربما لم يكن ليحدث هجوم السابع من أكتوبر وكل ما تبعه من تصعيد ومقتل وجرح الآلاف من الأبرياء.

ربما لم تصل البشرية إلى هذه النقطة المظلمة وهذه الحرب غير العادلة.. لو تم أخذ القضايا على محمل الجد، ولو تم التعامل مع حريات وحقوق الإنسان بشكل عقلاني ومنطقي لمرة واحدة.

كنا على الأقل تركنا خلفنا مجتمعات جاهزة ثقافيا وفكريا للحديث عن حلول بدلا من الحديث عن الموت.

ولكن خلال 70 عاما للأسف، لم يتم بعد اكتشاف بداية الطريق للوصول إلى حل محتمل.

لم يتم أخذ الشعوب وواقعها بعين الاعتبار، تفاصيل حياتها، ذكرياتها، أحلامها، قيمة وجودها، وإمكانية الاستثمار فيها لعالم أفضل.

وحدها السياسة كانت تبحث دائما عن مصالحها وعن محاولات تعميق الأزمات أكثر وأكثر.. لحسابات مختلفة.

لكن، في النهاية، فالشعوب وحدها من تدفع ثمن كل ما يحدث، وهي التي يتم تقديمها قربانا لقضايا خُلقت كي لا تُحل، ولا يراد من وجودها إيجاد أيّ حلول حقيقية.

5