"ماذا في ذلك؟" معرض جماعي يعكس غليانا فنيا شديد التنوع

تجمع صالة “كايوس” اللبنانية عددا من الفنانين التشكيليين وتفسح لهم المجال ليعبروا عن فوضى الأفكار بداخلهم، والتي ينجحون كل مرة في تحريرها وتحويلها من هواجس وقلق إلى مواضيع ورسائل تستفز المتلقي ضمن لوحات متنوعة الأساليب تمزج بين الخيال والواقع.
في مدينة كبيروت، يفترض أن يتقلص حضور الصالات الفنية بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة والاجتماعية والسياسية، يشهد محبو الفن نمو صالات عرض صغيرة تكاد أن تكون منمنمة تصعب ملاحظتها لولا أنها مصممة لتطل على الشارع من خلال واجهات زجاجية كبيرة تعقد الصلة عبرها ما بين الخارج والداخل بشكل شعري ومعاصر.
كما يلفت النظر اهتمام الشباب اللبناني بالانغماس في العالم الفني ليس فقط لناحية الممارسة الفنية، بل أيضا لناحية إنشاء صالات فنية صغيرة وأماكن يجتمع فيها المثقفون من أهل المسرح والشعر، والفن التشكيلي، والتجهيز، والسينما.
من هذه الصالات الناشئة سنة 2022 نذكر صالة “كايوس”، أي “فوضى” في اللغة العربية، في قلب بيروت لصاحبها المحب والمقتني للأعمال الفنية شربل عون. وهو شاب من مواليد بيروت 1982 ولديه خبرة 22 سنة في الفن وجمع واقتناء الأعمال الفنية.
أما اسم الصالة “كايوس” فمرده إلى رغبة صاحب الصالة بأن تكون من ناحية انعكاسا للفوضى الشاملة التي نختبرها في حياتنا اليومية وعلى جميع الأصعدة، ومن ناحية ثانية جاء اختيار اسم الصالة كتأكيد وإقرار بأن من هذه الفوضى والضجيج العارم ينبعث الفن بكل أشكاله وأساليبه.
قدمت مؤخرا صالة “كايوس” معرضا جماعيا و”صيفيا” بامتياز إذ طغت عليه الألوان المتفجرة وفوضى الأساليب الفنية التي اعتمدها فنانون صاعدون وآخرون مازالوا في بداية حياتهم الفنية. كما ضم المعرض فنانين من لبنان وعالميين. وجاء المعرض بمناسبة مرور ستة أشهر فقط على افتتاح الصالة.
جاء عنوان المعرض الذي تقيمه الصالة منسجما مع اسم الصالة “ماذا في ذلك؟” وقد يجد المرء نفسه يضيف سؤالا آخر وهو “لم لا؟”، أو حتى “ما يهمك في الأمر؟” أسئلة تتصاعد كالبخار في سماء عاصمة لم تصل إلى أي جواب شاف لكل الأسئلة التي اندلعت منها كالحرائق منذ أكثر من 15 سنة. أسئلة على شكل لوحات في معظمها يطفو فوران لوني يشير إلى غليان داخلي شديد التنوّع.
الفنانون المشاركون هم الفنان اللبناني أمين الصايغ وهو مهندس داخلي وفنان تشكيلي ناشط منذ التسعينات من القرن الفائت، والفنانة هدى بعلبكي التي أبدعت ولا تزال لوحات بمجملها انطباعية ومطعمة أحيانا بروح الفن الرمزي. انصهر في أعمالها الخيال مع الواقع، والحنين مع الطبيعة بأسلوب تعبيري اتجه في أحيان كثيرة إلى الغنائية. والنحات اللبناني بسام كرلوس الذي بنى صروحا معدنية من البرونز والرزين. أعمال مشحونة بذاكرة الحرب، والقيامة الممكنة، ولكن بعيدة المدى لوطنه لبنان.
كذلك يشارك في المعرض الفنان داني طنوس الصيدلي الذي اكتشف موهبته الفنية خلال فترة الحجر الصحي لينشغل بعد ذلك بتطوير نصه واختبار مواد فنية مختلفة، أهمها مادة “الريزين” وألوان الأكريليك والألوان الزيتية والميكست ميديا، وعمد خاصة إلى اختبار كثافة المواد المستخدمة لاسيما في عمله المعروض الذي يجسد أربعة مربعات بأربعة ألوان يكاد أن يكون الفنان اشتغلها بمنطق نحتي بحت.
ومن الفنانين المشاركين أيضا نذكر الفنان اللبناني جورج مطر وهو من مواليد 1961 بدأ كمهندس لينتقل إلى عالم التشكيل الفني والغوص في روحانيات الألوان وتداخلها، والنحات اللبناني عماد صليبا الشغوف باستعمال البرونز في ابتكار منحوتاته، غير أنه مهتم بالفن التشكيلي ويمارسه بشغف إلى جانب فن النحت، والفنان جاد الخوري الذي لمع اسمه بعد الحرب اللبنانية حين زين جدران بيروت المتضررة برسوماته التي تميزت بالأفكار المطروحة إلى جانب الجمالية الفنية. كذلك تحضر الفنانة ليلى سبيتي التي تصف عملها بـ”يوغا الذهن”. تحولت سبيتي من عالم الاقتصاد إلى عالم السيراميك. لمدة 12 سنة اختبرت نظريات في التشكيل والتجريد وفي استخدام المواد المختلفة واعتمدت على عالم الأزهار والنباتات كمصدر رئيسي للإلهام الفني.
يحضر أيضا الفنان مخايل فاضل الذي اتجه من عالم تصميم الأثاث وإنتاج الموسيقى نحو عالم الفن التشكيلي لينتقل من ممارسته لفن البوب أرت إلى فن الأيقونات وصولا إلى التشكيل الذي يعتمد على الأشكال الهندسية المكررة كتلك التي نراها في فن تصميم السجاد، والفنان الأرمني اللبناني ميساك تيريزيان الذي يؤمن بعالمية الفن وقدرته على إيصال صوته إلى كل الشعوب.
تشارك أيضا الفنانة نائلة حبيش التي بدأت رحلتها الفنية سنة 2012 ويتميز نصها الفنيّ بحيوية الألوان وحركتها الصارخة ولها مجموعة أعمال معروفة لأشجار الأرز.
وفي المعرض عمل للفنان التشكيلي السوري سبهان أدم المشهور بمخلوقاته المشوهة التي تأخذنا إلى عالم أفلام الرعب العلمية. غير أن في المعرض هذا لوحة له هي الأقل “رعبا” من بين أعماله المعروفة.
كما شارك جملة من الفنانين الأجانب وأصحاب الأصول اللبنانية في المعرض الجماعي وهم: الفنان فريدي فيللاميل الذي ترجع أصوله إلى كوبا وهو من أهم الممثلين للفن الكوبي المعاصر، وتنضح أعماله بحسّ النوستالجيا والتوق إلى الفرح في آن واحد لاسيما من خلال ألوانه الدافئة ومجاورتها الحيوية لبعضها بعضا، والفنان الكوبي إريك ألفارو خريج جامعة كوبا للفنون وهو معروف عالميا وله مشاركات فنية داخل وخارج بلده.
وأيضا شاركت الفنانة كارين هوشار اللبنانية – المكسيكية المتأثرة بأجواء عائلتها الفنية. فجدها كان فنانا وعمها كان نحاتا، والفنانة ستيفاني بويري التي اختارت عالم السيراميك والتصميم الغرافيكي إلى جانب الفن التشكيلي وجعلت من دقائق الطبيعة والنباتات مصدرا فكريا وجماليا لأعمالها.
يُذكر أنها ترعرعت في لبنان وهي من والد لبناني وأم ألمانية، وكذلك يشارك الفنان اللبناني – الإيطالي ماركو وارد الذي يعتمد في فنه بشكل خاص على المواد المعاد تدويرها.
