مؤشرات على تصفية ملف "ماسبيرو" في مصر بإحالته إلى البرلمان

القاهرة - وضعت الحكومة المصرية أمام مجلس النواب حجم الخسائر المالية التي يتعرض لها التلفزيون الرسمي للدولة “ماسبيرو”، لإيجاد حلول للمشكلة دون ظهورها في المشهد بشكل مباشر، فقد يذهب البرلمان إلى التوصية باتخاذ إجراءات تقشف قاسية تقود لاحقا إلى التصفية بعد أن عجزت الحكومة عن رسم خارطة لمستقبل التلفزيون الرسمي، مع تراكم الديون.
وناقش البرلمان المصري قبل أيام تقريرا صدر عن الجهاز المركزي للمحاسبات (جهة رقابية رسمية) تضمن خسائر فادحة تتعرض لها بعض الهيئات العامة، وتم التركيز على خسائر جهات محددة، على رأسها الهيئة الوطنية للإعلام التي تضم تحت مظلتها اتحاد الإذاعة والتلفزيون، بقنواته وإذاعاته المختلفة.
وأعلن الجهاز المركزي للمحاسبات أن خسائر التلفزيون الرسمي بلغت خلال العام المالي الماضي نحو 10.5 مليار جنيه (حوالي 200 مليون دولار)، ما أثار غضبا برلمانيا واسعا في ظل عدم الإفصاح عن الأسباب التي أدت إلى تراكم الديون بهذا الحد، على الرغم من تراجع دور وتأثير القنوات والإذاعات المملوكة للدولة.
وتأكد أن خيارات الحكومة بشأن مستقبل “ماسبيرو” محدودة، ولا تستطيع التصرف وحدها بشأن الخسائر المالية والجماهيرية التي تحاصره، ما دفعها إلى وضع المشكلة في ملعب البرلمان للبحث عن حل لا يقحمها في أزمة مع الموظفين والرأي العام.
وتعتقد دوائر إعلامية أن توقيت الإعلان عن خسائر اتحاد الإذاعة والتلفزيون جاء متعمدا، لتكون لدى الحكومة مبررات لاتخاذ خطوات مؤجلة، تتعلق ببيع بعض الأصول وغلق قنوات وإذاعات محلية لا تواكب متطلبات العصر، وتُحمّل موازنة الدولة مبالغ مالية طائلة في خضم أزمة اقتصادية قاسية.
وارتبطت تفسيرات الحكومة بشأن خسائر “ماسبيرو” بالزيادة المفرطة في أعداد الموظفين، حيث وصل عددهم إلى 45 ألفا، ومع وقف التعيينات منذ فترة، وخروج الكثير من العاملين على المعاش، كان من المفترض خفض الخسائر، لكن ارتفعت الديون من خمسة مليارات جنيه عام 2017 إلى أكثر من عشرة مليارات حاليا.
ومع كل طرح للأزمة تطال الاتهامات الحكومة وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المالية والمهنية داخل تلفزيون الدولة، وجرى إنشاء قنوات وإذاعات تابعة لجهات رسمية، والاستحواذ على أخرى امتلكها بعض رجال الأعمال.
وأمام اهتمام الدولة بالقنوات البديلة، أصبح اتحاد الإذاعة والتلفزيون مترهلا ولا تتم الاستفادة منه، وترتب على ذلك تراجع إنتاج البرامج وندرة الإيرادات، وأغلب ما يدخل خزانته يتم الاستحواذ عليه لصالح بعض البنوك لسداد مديونيات وقروض، وينفق الباقي على جزء من الرواتب والصيانة وتتكفل وزارة المالية بما يتبقى من مصروفات، ما ضاعف الديون وراكم الخسائر.
وأوحى التقرير الرقابي حول خسائر “ماسبيرو” بوجود اتهامات مبطنة لوجود شبهات حول مخالفات مالية وإدارية في بعض القنوات والإذاعات تتطلب التحرك العاجل من جانب الحكومة والبرلمان، لأنه ليس منطقيا عدم إنتاج برامج وتراجع قطاع الإنتاج الدرامي وانخفاض أعداد الموظفين، وتتزايد الديون بلا مبررات منطقية.
ويدافع مسؤولون في الهيئة الوطنية للإعلام ضد ما يوجه من اتهامات صريحة أو مبطنة، بأن ديون التلفزيون ليست كلها خسائر، لأنه ينفق من موازنته الخاصة على بعض المشروعات الإعلامية القومية، مثل المساهمة في تأسيس القمر الصناعي النايل سات وتطوير مدينة الإنتاج الإعلامي، من دون أن يحقق عوائد مباشرة من وراء ذلك، علاوة على أن الديون متراكمة منذ سنوات، وتضاعفت بسبب الفوائد البنكية عليها.
ويرى خبراء إعلام أن الحكومة حسمت موقفها بشأن تقويض بعض الهيئات الإعلامية المترهلة ولن تبذل جهدا لإصلاحها، فالإعلام الرسمي كان يعبر عن حقبة تاريخية لها تصورات سياسية محددة لم تعد تنسجم مع توجهات الجمهورية الجديدة، لكن تظل المشكلة الحقيقية: من أين يبدأ حصار أزمات التلفزيون الرسمي؟
وقال عضو لجنة التطوير الإعلامي في اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقا وأستاذ الإعلام بجامعة السويس حسن علي “من الواضح أن ماسبيرو تنتظره قرارات صعبة في الفترة المقبلة، بحجة خفض فاتورة الخسائر، والخوف أن تستمع الحكومة لنداءات بعض المستثمرين ورجال الأعمال والخلاص من المبنى الرئيسي الضخم على النيل لعدم فائدته عمليا، لأن ذلك يمثل انتكاسة لصوت مصر الرسمي”.
وأضاف لـ”العرب” أن “تراجع تأثير منبر إعلامي بعينه لا يعني إعدامه، لأن الإصلاح يبدأ من إعادة الاعتبار والبحث عن الأسباب التي قادت إلى ذلك، لكن اختزال المشكلة في الخسائر المادية يمهد الطريق لقرارات صعبة، مثل التصفية، لأنه لا يجب التعامل مع ماسبيرو وفقا لمبدأ الربح والخسارة”.
دوائر إعلامية تؤكد أن توقيت الإعلان عن خسائر اتحاد الإذاعة والتلفزيون جاء متعمدا، لتكون لدى الحكومة مبررات لاتخاذ خطوات مؤجلة
وعلم موظفو اتحاد الإذاعة والتلفزيون بعزم الحكومة على الخلاص من المبنى الرئيسي وتحوله إلى فندق سياحي، واستثمار موقعه على نيل القاهرة، ولم يصدر نفي رسمي بهذا الشأن، وبعد ذلك أثيرت تكهنات حول اتخاذ خطوة من شأنها خفض العمالة إلى الحد الأدنى بالخروج إلى المعاش المبكر.
وليس من السهل على الحكومة الدخول في صدام مع الآلاف من الموظفين داخل “ماسبيرو” الآن، فقد سبق لمئات منهم أن نظموا مظاهرات داخل المقر للرد على أنباء تواترت بشأن وجود رغبة في غلق القنوات الخاسرة، ونقل عدد من العاملين إلى العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة، بعد أن أصبحت مقرا للحكم في مصر.
ويؤكد تخصيص مبنى في العاصمة الإدارية ليكون مقرا مصغّرا للتلفزيون الرسمي واختيار بعض العاملين ونقل عدد من الأستوديوهات إلى هناك وجود اتجاه لإنهاء صلاحية المقر القديم وسط القاهرة.
ويحمّل بعض العاملين في “ماسبيرو” الحكومات المتعاقبة مسؤولية تدهور الأوضاع في التلفزيون بعد أن رفعت يدها تدريجيا عنه وقررت أن ينفق على نفسه من موارده الذاتية، وتعاملت معه من وجهة نظر اقتصادية تخضع لحصاد المكاسب والخسائر المادية، ومن دون أن تختار الكوادر القادرة على التطوير بما يتناسب مع المستجدات الإعلامية، ما عرّضه لأزمات مالية يصعب تعويضها.
وأوضح حسن علي لـ”العرب” أن “أي توجه نحو المزيد من إضعاف دور ماسبيرو أو القضاء عليه أو تقويض صلاحياته سوف يمثل خطرا معنويا، لأنه يوحي بتهاوي الإعلام الرسمي، ومهما كانت التحديات يظل الأمر بحاجة إلى حلول مهنية واقتصادية من خلال الاستعانة بخبراء ومتخصصين”.
ويشير وضع الأزمة في حوزة البرلمان أخيرا إلى أن الحكومة غير مستعدة لتبادر بفتح نقاش موضوعي يخص مصير المبنى وقنواته والعاملين فيه حاليا، خشية احتجاج بعض الموظفين مرة أخرى، وما يترتب عليها من تداعيات، لأن التلفزيون الرسمي يصنف كمؤسسة رسمية يجب أن تظل هادئة ومستقرة، ويتم التعامل معها بحكمة وحنكة.