ليبيا تراهن على الكفاءات التونسية لتحسين جودة التعليم

حكومة الدبيبة تعتزم انتداب 3 آلاف مدرس تونسي عن طريق التعاون الثنائي.
الاثنين 2021/03/22
نموذج شراكة جديد مفتاحه التعليم

تراهن الأطراف الليبية الجديدة الساعية إلى إرساء استقرار سياسي واجتماعي في البلاد ما بعد النزاع المسلح، على إعادة الروح إلى العلاقات مع الجارة تونس. ويبدو أن استقدام الكفاءات الأكاديمية والتعليمية التونسية سيكون مفتاحا لذلك خاصة بعد الإعلان عن الترتيب لجذب المئات من المدرسين التونسيين في الفترة القليلة المقبلة، في خطوة اعتبرها مراقبون إيجابية وتحمل اعترافا ليبيا بأهمية الكوادر التونسية في إعادة إعمار البلد المنهك على كافة الأصعدة.

تونس - تعتزم السلطات الليبية الانتقالية استقدام ثلاثة آلاف من الكوادر التربوية التونسية للتدريس بالمؤسسات الليبية، ما يعكس المساعي الإيجابية لتطوير التعليم المحلي والاستفادة من الخبرات التونسية في هذا المجال، فضلا عن تكثيف التعاون في مختلف المجالات الأخرى لمواجهة التحديات القادمة.

ويبدو أن الزيارة، التي قام بها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى طرابلس الأسبوع الماضي بعد يوم من نيل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة الثقة من البرلمان، كانت مفتاحا لتوثيق العلاقات في العديد من القطاعات الأخرى من جديد.

ويراهن البلدان اليوم على مجموعة واسعة من الشراكات عبر تعزيز المبادلات التجارية وتطوير قطاع الصحة والدخول في شراكات جديدة بين المستثمرين التونسيين والليبيين لتنفيذ مشاريع البناء والتشييد الكبرى بليبيا، باعتبارها خطوات محورية للنهوض بالعلاقات الاقتصادية.

خطوة لتعزيز العلاقات

مصطفى عبدالكبير: ثمة تبادل للخبرات والكادر الإداري في ليبيا يحتاج إلى التأهيل

في بادرة تأتي في أعقاب الزيارة “التاريخية” التي أداها قيس سعيد إلى العاصمة الليبية طرابلس، كشف رئيس المجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين والليبيين، عبدالحفيظ السكروفي، الخميس الماضي أن “ثلاثة آلاف معلم تونسي سيتم استقدامهم إلى ليبيا”.

ولفت في تصريح لإذاعة محلية ليبية، أن العملية التي لم يتم إقرار الإجراءات المتعلقة بها بعد، ستنفذ عن طريق التعاون الفني. وأكد أن الأمر لا يقتصر على المعلمين وإنما يشمل انتداب عدد من الكفاءات الطبية، الذين يعملون حاليا في إطار عقود في ليبيا أو في إطار قوافل طبية.

وأفاد السكروفي أن المجلس بصدد العمل على بعث صندوق تونسي ليبي سيخصص لإعادة إعمار ليبيا بتمويلات تونسية وليبية وكذلك دولية، مبيّننا أن “دفع الاستثمار بين تونس وليبيا يتطلب بالأساس تغيير قوانين الاستثمار”.

ورحبت أطراف حقوقية وسياسية تونسية بالمبادرة الليبية، واصفة الخطوة بـ”الإيجابية”، معتبرة إياها إقرارا ليبيا بأهمية الكفاءات التونسية، وامتدادا للروابط التاريخية بين بلدين يربطهما الامتداد الجغرافي والحضاري والقرابة والمصاهرة.

وأشار مصطفى عبدالكبير الخبير في الشأن الليبي ورئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان إلى أنّ

 المدرسين التونسيين متواجدون منذ سنوات في ليبيا، وهناك المئات منهم من يدرس في المؤسسات التعليمية الليبية الخاصة والعامة (بين 3 آلاف و5 آلاف مدرس).

وقال عبدالكبير في تصريحات لـ”العرب”، إن “هناك مراهنة على الكفاءة التونسية منذ القدم،

فضلا عن اليد العاملة اليومية في الأشغال، وهذا فيه اعتراف بأحقية تونس في مسألة إعادة إعمار ليبيا، والعمالة التونسية المتخصصة في مجال الإعلامية والهندسة والتجارة”.

وتابع “هي رسائل إيجابية والأمور لا زالت لم تحسم بعد لأنها مسائل إدارية بالأساس، وهناك أفق كبيرة للتونسيين في ليبيا على غرار شركات التطوير العقاري والشركات الأخرى وأيضا في قطاع الرعاية الصحية، ويوجد إيمان قطعي لليبيين أنهم يحبذون العمالة التونسية”. واستطرد عبدالكبير قائلا “هناك تبادل للخبرات والكادر الإداري اليوم في ليبيا يحتاج إلى الترتيب والتكوين”.

ولئن ثمنت شخصيات سياسية وأكاديمية الانعكاسات الإيجابية للوظائف التعليمية التونسية في ليبيا، فإنها طالبت صناع القرار السياسي بالبلاد، بضرورة استغلال الوضع الليبي كنقطة لانطلاق الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي في تونس.

ناجي جلول: الخطوة تعتبر إيجابية كما سترفع من جودة التعليم في ليبيا

كما دعت السلطات إلى المزيد من تعزيز الروابط مع الحكومة الليبية الجديدة، وتفعيل التعاون في مجالات أخرى، معتبرة أن التعليم محطة تمهد لتبادل الخبرات في مجالات متعددة على غرار الصحة واستثمار رجال الأعمال في عدة قطاعات.

ويرى ناجي جلول رئيس حزب الائتلاف الوطني في تصريح لـ”العرب”، أن هذه العملية تأتي في إطار المراهنة على الكفاءات الأكاديمية التونسية التي درست في مختلف البلدان الأفريقية منذ السبعينات من القرن الماضي.

وقال جلول وزير التربية الأسبق في حكومة يوسف الشاهد في تصريح لـ”العرب” إن “الكوادر التدريسية تبقى مهمة في ليبيا، ونحن شعب واحد في بلدين، وهناك تقارب ثقافي وحضاري وجغرافي، والمطلوب من السلطات التونسية الآن أن تأخذ قرارات جدية في مجال الدبلوماسية الاقتصادية”.

وأضاف “هذه الخطوة الإيجابية سترفع من جودة التعليم في ليبيا، والأستاذ هو سفير وشخصية مؤثرة في العقليات ولا بد أن يمهد الطريق لرجل الأعمال والمستثمر وغيره”.

ولم يكتف جلول بذلك، بل دعا السلطات التونسية أيضا إلى “تشجيع الطلاب الليبيين على القدوم إلى تونس لمزاولة تعليمهم في إطار دعم الشراكة بين البلدين وتطوير مستويات التعليم وتبادل الخبرات”.

وسبق أن استقبل رئيس ديوان وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مارس 2018 وكيل وزارة التعليم لشؤون التعليم العالي بوزارة التعليم الليبية، وذلك في إطار اللجنة الفنية المشتركة التونسية الليبية للتعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي بتونس.

محاولات حثيثة

Thumbnail

تعهد الجانب الليبي حينها على موافاة الجانب التونسي بعرض كامل حول استقدام مدرسين جامعيين تونسيين للتدريس بالجامعات والكليات والمعاهد العليا التقنيّة الليبية، ودعم التعاون بين شبكة المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية بتونس وهيئة التعليم التقني الليبي، فضلا عن تشجيع مراكز البحث من الجانبين على إبرام اتفاقيات شراكة مع نظرائها من البلد المقابل وتنظيم ندوات علمية مشتركة.

وتمحورت الجلسة حول دعم تونس للجانب الليبي في مجال تأطير وتكوين الإداريين والموظفين في المجالات الإدارية والمالية، وإعداد اتفاقية تعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي على ضوء حاجيات الجانب الليبي في مجالات تأهيل الكوادر.

كما تم الاتفاق كذلك عل استقدام أساتذة وباحثين شبان بالجامعات ومراكز البحث الليبية وتصدير الخبرة التونسية وإيفاد طلبة ليبيين ضمن البرنامج الرسمي والبرنامج الجديد لتسجيل الطلبة الليبيين بمقابل في كل الاختصاصات والمستويات الأكاديمية بالجامعات التونسية.

ويأتي التعاون التونسي الليبي في إطار ما يعرف بإعادة “إعمار ليبيا”، التي عرفت وضعا سياسيا وأمنيا مأزوما منذ سنة 2011.

ويبدو أن التعاون التونسي الليبي في مجال التعليم أثمر نتائج أخرى ومهد الطريق نحو المزيد من تبادل الخبرات والكفاءات، فقد استقدمت السلطات الليبية في الآونة الماضية حوالي أكثر من مئة شخص من الكوادر الطبية وشبه الطبية التونسية وذلك بمقتضى عقود تم إبرامها خلال الفترة الأخيرة.

ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن المكلف بالإعلام الإلكتروني بالمجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين والليبيين، محمد علي تبرسقي قوله إن “الدفعة الأولى من البعثة الصحية توجهت إلى ليبيا السبت الثالث عشر من مارس الجاري لتسلم أعمالهم”، مشيرا إلى أن هذه الكوادر الطبية وشبه الطبية ستعمل في مصحات خاصة.

كما أكد تبرسقي على أن العشرات من العقود ستبرم في هذا الشأن خلال الأيام القليلة القادمة مع عدد من الكوادر الطبية وشبه الطبية التونسية وتأتي هذه العملية في وقت تشهد فيه العلاقات التونسية الليبية عودة ملحوظة وخاصة بعد الزيارة التي أداها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى ليبيا، والتي تم خلالها التأكيد على ضرورة دفع التعاون الثنائي في كافة المجالات.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد في طليعة رؤساء الدول الذين زاروا ليبيا بعد توصل كافة أطراف النزاع إلى اتفاق بعد مارثوان من المفاوضات أنهى سنوات من الاقتتال الداخلي، وهي تطمح إلى إجراء انتخابات في نهاية العام الجاري من أجل فتح مرحلة جديدة في مسار البلد النفطي الذي تضرر اقتصاده بشكل بالغ.

ومثلت الاستحقاقات المقبلة للبلدين وفي صدارتها المسائل التنموية والاقتصادية، أبرز محاور المحادثات حيث تم الاتفاق على إعطاء دفع جديد للنشاط التجاري ووضع خطة عمل لتفعيل الجانب الاستثماري عبر تسهيل إجراءات العبور بين البلدين وتيسير الإجراءات المالية بين البنك المركزي التونسي ومصرف ليبيا المركزي.

7