لوحات مريم بوخمسين.. عالم أنثوي وروح طفولية

“المرأة ليست جوهرة لتنام في صندوق، ولا شوكولا تغلّف بالقراطيس، ولا وردة في مزهرية. هذه النزعة الاستهلاكية التشييئية في وصف المرأة والنظر إليها أحالت الأنوثة إلى أشياء، لا كينونة أو فرادة، تستمدّ كل سماتها من سطوحها الخارجية” بهذه العبارة الثورية صدحت التشكيلية السعودية مريم بوخمسين في معرضها الشخصي الأول “صحبة العِقد” متحديةً بلوحاتها سطوة النسق الاجتماعي الذكوري المختطف لكيان المرأة الحرة.
من خلال 35 لوحة قدمتها بوخمسين مستخدمةً الأكروليك على الكانفس، ومشغلةً بعضها بتقنية الكولاج، وضعت المرأة في جميع لوحاتها بلا ملامح قد ترشد القارئ لحزنها أو فرحها أو انكسارها أو انتصارها، مغيبةً العيون التي تخافها أثناء رسمها لها حسب تعبيرها. وتاركةً الجسد الأنثوي وحده يعّبر عن هذه اللغة على طريقته، حيث وضعت “نساءها” على شكل دمى في مزهرية، أو برواز، أو كأس نبيذ، أو حذاء بكعب عالٍ، أو درّاجة، أو على حبل غسيل، وجعلت البعض الآخر في حالة رقصٍ وانتشاءٍ ونشوة إيروتيكية. بينما غاب الرجل عن المعرض بالكامل ماعدا لوحة واحدة يتيمة استحضرت فيها الرجل على شكل “ظل”، أو خيال لرجلٍ يسكن المرأة، لكنه ليس حقيقياً، أو هكذا أرادت له ألا يكون حقيقياً. مكتفية بحضور شواربه بصورة ساخرة في بعض اللّوحات.
|
استخدمت بوخمسين في تجربتها ثيمة “العقد” ليس في دلالته الجمالية فحسب، بل ذهبت بمدلولاته ناحية اللغة، تقول في “صحبة العقد”: “عُقود. عِقد على امراة. عَقد بين طرفين. وعُقَد تنفثها الساحرات. بين فتحة وضمة وكسرة. (ع ق د). المرأة مرآة لكل ذلك”. وربما هذا الانزياح من التشكيل للغة للتشكيل من جديد يعكس مدى الجهد العقلي المبذول في الاشتغال التشكيلي من قبلها، فهو –على ما يبدو- ليس وليد لحظته بقدر ما هو تراكم معرفي قائم على التأمل الدائم. اختلفت القراءات لتجربة “صحبة العقد” التي استلهمت عنوانها من قصيدة المتنبي الذي يقول فيها “نسيت وما أنسى عتاباً على الصدّ* ولا خفراً زادت به حمرة الخدّ. ولا ليلة قصرتها بقصورة * أطالت يدي في جيدها صحبة العقد”. ولكن الجميع كان متفقاً على أن مريم بوخمسين صاحبة صوت تشكيلي له بصمته الخاصة، ولو استمرّت بهذه القوة فستكون من أهم التجارب السعودية، فلقد قدّمت نفسها بذكاء في معرضها الشخصي الأول ممررةً موقفها الوجودية حيال المجتمع بقوة تتكئ على احترافية بدت كبيرة مقارنةً بعمرها الفني القصير، الأمر الذي سيجعلها في اختبار حقيقي حيال تجاربها القادمة.
وعن تجربتها عبّر القاص حسين الجفال قائلاً “بأن ألوان بوخمسين تبعث على البهجة والاحتفال بالحياة، لكنها مسكونة بهاجس الرجل/ القيد الذي يطوّق عوالمها. وهذا الأمر طبيعي جداً في مجتمع يخنق المرأة بكل وسائله المتاحة وغير المتاحة”.
بوخمسين: تجربة صحبة العقد هي تطور لتجربتي الفنية التي تبلورت خلال الثلاث سنوات الماضية، فالمرأة هي قضيتي
وعن استشرافها لمستقبل المشهد التشكيلي السعودي علّقت: “أعتقد أن الوضع يسير نحو الأفضل، فالفنان السعودي أصبح يملك رؤية فنية ناضجة تؤهله للمشاركة في المحافل الدولية، وبدأ الاعتراف بالفنان كجزء محرك حقيقي للمشهد الثقافي”.