لماذا لا تستجيب مصر لمنح الأرض مجانا للمطورين العقاريين؟

ساويرس يطلق نداء "الأرض مجانا للمستثمرين" والمطورون يتبادلون الاتهامات.
الجمعة 2021/03/26
عقارات تحتاج إلى الانسجام مع الواقع

فتح نداء الملياردير المصري نجيب ساويرس للحكومة المصرية بمنح أراضي الاستثمار العقاري للمطورين العقاريين مجانا سجالا جديدا بين المستثمرين والحكومة بعد أن سجلت أسعار الأراضي ارتفاعا قياسيا ينذر بتقويض نشاط السوق العقارية الذي تعول الحكومة عليه لتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد.

القاهرة - تعاني سوق العقارات في مصر من تشوهات سعرية، تعكس إلى حد كبير انفصالها عن واقع المدخول الحقيقي للأفراد، ولذلك بدأ المطورون العقاريون يتقاذفون الاتهامات مع الحكومة بوصفها صاحبة اليد العليا في عمليات تسعير الأراضي، وارتفاع أسعار مدخلات البناء.

تستحوذ تكلفة الأراضي على نحو 30 في المئة من ثمن الوحدة العقارية، وتتوزع نسبة الـ70 في المئة الباقية على مدخلات الإنتاج والتشغيل ونسب ربحية المطور العقاري.

ويتواكب نداء الملياردير المصري نجيب ساويرس حول أزمة تسعير الأراضي مع دخوله سوق الاستثمار العقاري، بعد أن كانت استثماراته تتركز في قطاع الاتصالات قبل أن تتجه مؤخرا للاستثمار في الذهب.

ومعروف عن رجل الأعمال المصري أنه من الشخصيات المؤثرة في النشاط الاقتصادي، ويهرول خلف قراراته الكثير من المستثمرين والأفراد. وأمعن ساويرس في طلبه لحدّ يصل إلى منح الأراضي مجانا للمطورين العقاريين، في ظل رهان الحكومة على قيادة قطاع التشييد والبناء لمعدلات النمو.

محمد البستاني: المطلوب منظومة محددة تضمن تسعيرا عادلا للشركات والأفراد
محمد البستاني: المطلوب منظومة محددة تضمن تسعيرا عادلا للشركات والأفراد

ويتراوح سعر متر الأرض بين 255 و639 دولارا، الأمر الذي يرفع سعر الوحدة السكنية التي تصل مساحتها إلى 90 مترا إلى نحو 57.5 ألف دولار، وهو مبلغ يفوق قدرات شرائح كبيرة من متوسطي الدخل.

وقدر البنك الدولي المتوسط العام لدخل الفرد في مصر بنحو 11.8 ألف دولار سنويا، بما يعادل 983 دولارا شهريا.

ولا يسمح البنك المركزي المصري ضمن مبادرة التمويل العقاري للأفراد بخصم أكثر من 40 في المئة من قيمة الدخل الصافي، بما يعادل نحو 393 دولارا، وهي قيمة تفوق قدرات شريحة كبيرة من الفئات متوسطة الدخل.

ورغم دعوة نجيب ساويرس، التي تبدو منطقية في نظر البعض، إلا أن واقع السوق المصرية يكشف عن مضاربات على الوحدات العقارية من شأنها رفع أسعار الوحدات لصالح الفئات القادرة على الشراء من أجل إعادة البيع.

وبالتالي فإن منح الأراضي بالمجان للمطورين العقاريين لا يضمن تراجع أسعار الوحدات السكنية، في ظل اعتماد عمليات بيع العقارات على التعاملات النقدية، وتتم معاملاته خارج إطار الاقتصاد الرسمي، وبات مقصدا لعمليات غسل الأموال.

ودعت هذه الظاهرة الحكومة إلى إلزام أصحاب الوحدات العقارية بتسجيلها في الشهر العقاري، فضلا عن منح كل وحدة عقارية رقما قوميا موحدا، من خلاله يمكن تتبع عمليات نقل الملكية.

وأدى تشابك الأمور وبيروقراطية الأداء في عمليات نقل الملكية إلى منح أصحاب الوحدات فترة انتقالية لمدة تصل إلى عامين، من أجل توفيق أوضاعهم.

وتغرد سوق العقارات في مصر منفردة، بدليل الارتفاعات القياسية في الأسعار رغم تداعيات جائحة كورونا وتراجع مستويات مداخيل الأفراد وتباطؤ النشاط الاقتصادي، ومع كل هذه التداعيات فإن أسعار العقارات واصلت الصعود.

وقال محمد البستاني، رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة، إنه لا يمكن منح الأراضي للمطورين العقاريين بالمجان إلا عبر منظومة تؤسسها الدولة، تلزم وضع تسعير عادل للأفراد، على الوحدات السكنية لمحدودي الدخل لمنع التلاعب بأسعار البيع.

وأضاف لـ”العرب” أن الأراضي المصرية ملك للشعب بأكمله، وليست للمطورين العقاريين فقط، ويمكن وضع إطار يحدد العلاقة بين الحكومة والشركات العقارية الراغبة في بناء وحدات سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل.

وطرح البنك المركزي مؤخرا مبادرة لتنشيط السوق العقارية بقيمة 64 مليون دولار بفائدة ثلاثة في المئة لأول مرة بمصر وبفترات سداد تصل إلى نحو 30 عاما.

وكشفت شروط المبادرة إصرار حكومي لتحفيز الطلب على العقارات بعد أن خفضت مستويات المداخيل للفئات متوسطة الدخل في المبادرة الجديدة إلى 895 دولارا بالنسبة إلى دخل الأسرة، مقارنة بنحو 3200 دولار في المبادرات السابقة، بفائدة تصل إلى نحو 8 في المئة.

وسام عيسى: دور الحكومة هو وضع الحوافز وليس المتاجرة في أسعار الأراضي
وسام عيسى: دور الحكومة هو وضع الحوافز وليس المتاجرة في أسعار الأراضي

ولا يقبل المطورون العقاريون خفض الأسعار، فعندما تراجعت أسعار الحديد والإسمنت لم يتم خفض الوحدات السكنية، الأمر الذي يعقد الأمور.

ويتصدر الإسكان الاقتصادي لمحدودي الدخل مشهد النشاط العقاري في مصر، وبلغ إجمالي عدد الوحدات السكنية التي شيدت في العام الماضي نحو 281.3 ألف وحدة، باستثمارات قيمتها ستة مليارات دولار.

وحصد الإسكان الاقتصادي المرتبة الأولـى بنحو 151.7 ألف وحدة، بنسبة قدرها 53.9 في المئة، وجاء الإسكان المتوسط في المركز الثاني بنحو 87.9 ألف وحدة بنسبة قدرها 31.3 في المئة، وثالثا حل الإسكـان فوق المتوسط بنحو 33 ألف وحدة بنسبة قدرها 11.7 في المئة، ثم الإسكان الفاخر بنحو 8.7 ألف وحدة بنسبة 3.1 في المئة.

وأكد وسام عيسى عضو غرفة التطوير العقاري، أن المطورين العقاريين لا يحبذون الحصول على الأراضي بالمجان، حتى لا تتحكم الحكومة في مستويات التسعير.

وأشار لـ”العرب” إلى أن الشكوى الأساسية للمطورين هي اتجاه الحكومة للمتاجرة بالأراضي، ومن الأفضل منحها للمطورين بسعر المرافق دون المغالاة في الأسعار.

ويراهن المطورون على تصدير العقارات لتنشيط القطاع، في ظل الاتجاه إلى بناء وحدات سكنية فاخرة، والاستفادة من فارق العملة بين الجنيه المصري والدولار الأميركي، كذلك سعر الصرف مع عملات دول الخليج، الأمر الذي يظهر سعر الوحدات السكنية في مصر رخيصة مقارنة بمستويات المداخيل في هذه الدول.

ويسهم قطاع العقارات في تنشيط نحو 99 نشاطا اقتصاديا مرتبطا بسوق العقارات، وبالتالي فإن البطء ينذر بأزمة تنعكس مباشرة على معدلات النمو الاقتصادي.

وأدى تشوه منظومة تسعير الوحدات السكنية إلى تنشيط حركة بيع الوحدات التجارية، والتي باتت قبلة مهمة لراغبي الاستثمار العقاري.

وكشف باروميتر غرفة التطوير العقاري تصاعد معدلات الطلب على الوحدات التجارية والإدارية بمنطقة شرق القاهرة مع قرب الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

ولا تبالي شركات التطوير العقاري بتباطؤ الطلب على العقارات، لأنها تلزم حاجزي الوحدات السكنية بدفع مقدمات وأقساط تحصل عليها خلال عامين قبل أن تبدأ في بناء المشروع وتعظم استفادتها من هذه الأموال في مشروعات أخرى.

ويتيح هذا النظام المتبع في مصر للشركات العقارية سيولة نقدية ضخمة على حساب حاجزي الوحدات السكنية، إلى جانب إرجاء مواعيد تسليم الوحدات للحاجزين دون التزام قانوني.

11