لماذا كل هذا الهجوم على الأونروا التي صنعها الغرب

رؤية إسرائيل والولايات المتحدة لمستقبل اللاجئين الفلسطينيين تغيرت وبالتالي بدأ التخطيط لتفكيك الأونروا.
الجمعة 2024/07/26
صلوحية منتهية

عُقد مؤتمر لوزان لعام 1949، بواسطة لجنة التوفيق بشأن فلسطين التابعة للأمم المتحدة (UNCCP) في الفترة من 27 أبريل إلى 12 سبتمبر 1949 في لوزان، سويسرا، وكانت بين ممثلين عن إسرائيل من جهة، وعن الدول العربية (مصر والأردن و‌لبنان و‌سوريا) وحضر مندوب عن العراق وعن ‌اللجنة العربية العليا، وعدد من وفود اللاجئين من جهة آخري، للعمل على حل النزاعات الناشئة عن الحرب العربية الإسرائيلية 1948، وأساسًا حول اللاجئين والأراضي في ما يتعلق بالقرار194 و‌القرار 181، دعت اللجنة، الحكومات العربية، وحكومة إسرائيل إلى إرسال مندوبين عنها إلى لوزان في سويسرا لإجراء محادثات بشأن قضية فلسطين. وبدأت يوم 26 أبريل 1949 بعقد اجتماعات مع كل من الفريقين على حدة، وكانت إسرائيل قد طلبت في الوقت ذاته من الأمم المتحدة قبول عضويتها في المنظمة الدولية، فطلبت الجمعية العامة للمنظمة من إسرائيل تأكيدات بشأن تنفيذ قرار التقسيم، وعودة اللاجئين (الفقرة 11 من القرار 194) وتدويل القدس، فبادرت إسرائيل إلى إصدار هذا التأكيد ووقعت على “بروتوكول لوزان” الذي كان نتيجة اتفاق الفريقين بواسطة لجنة التوفيق في 12مايو 1949، وقد ساعد ذلك كله على قبول الجمعية العامة إسرائيل عضوا في منظمة الأمم المتحدة في اليوم ذاته.

(وبعد ذلك انقلبت اسرائيل على الاتفاق، ورفضت تطبيق ما جاء فيه، كعادتها في كل اتفاق).

تضمن بروتوكول لوزان عدة مواد أهمها:

  • 1- اتخاذ الخريطة الملحقة بقرار الجمعية العامة الصادر في 29 سبتمبر1947 (قرار التقسيم) أساساً للمحادثات بشأن مستقبل فلسطين، مع بعض تعديلات إقليمية تقتضيها اعتبارات فنية.
  • 2- ارتداد إسرائيل إلى ما وراء حدود التقسيم.
  • 3- تدويل القدس.
  • 4- عودة اللاجئين وحقهم في التصرف بأموالهم وأملاكهم وحق التعويض للذين لا يرغبون في العودة.

نن

لم تحترم إسرائيل توقيعها، فما إن قبلت الجمعية العامة عضويتها في منظمة الأمم المتحدة، حتى بادرت إلى التنكر لالتزاماتها في (بروتوكول لوزان) فرفضت تنفيذ مواده، ولما عجزت (لجنة التوفيق) عن إقناعها بالإبقاء بما التزمت به أمام المنظمة الدولية، أعلنت فشل (مؤتمر لوزان)، وإنهاء أعماله، وكان ذلك إيذاناً بتجميد عمل اللجنة بعد ذلك.

حيث أعلن ممثل الولايات المتحدة في الاجتماع الذي عقد في بيروت بتاريخ 21 مارس 1949 «أن إسرائيل لا تقبل عودة اللاجئين، والخير أن تنفَّذ قرارات الأمم المتحدة عملياً بدلاً من التمسك بها نظرياً، وهناك حقيقة واقعة هي أن جميع اللاجئين لن يعودوا، فيجب التفكير في إعادة استيطانهم وإعداد المشروعات اللازمة لعودتهم إلى الحياة».

وخطة ماك جي مستشار وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط قُدمت في مارس عام 1949 من «لجنة التوفيق الدولية» عبر الإدارة الأميركية، داعياً (فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة) إلى تقديم المساعدات الكفيلة بإنشاء مشاريع تنموية، تعمل على احتواء اللاجئين وتوطينهم حيث هم، وتعهّدت الولايات المتحدة بتحمل نفقات التوطين كاملة، مع الاكتفاء بإعادة مئة ألف منهم إلى فلسطين، واشترطت إسرائيل للقبول بإعادتهم اعتراف الدول العربية بها، مع توطينهم حيثما يتفق ومصالح إسرائيل، واعتباراتها الأمنية، ثم عادت إسرائيل ورفضت الخطة.

المثير للجدل هو أن «لجنة التوفيق الدولية» كانت مهمتها أساساً توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين وتنفيذ القرار الرقم (194) الذي يدعو إلى عودة اللاجئين والتعويض واستعادة الممتلكات، فمن أصل 15 بنداً من القرار 194 خصص 11 بنداً للحديث عن دور اللجنة (2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 10، 12، 13، 14)، إذاً كيف تكون الولايات المتحدة إحدى الدول الثلاث التي تألفت منها (لجنة التوفيق الدولية)، وفي الوقت ذاته تقدم خطة لتوطين اللاجئين في الدول المضيفة؟

بعد أن فشلت خطة ماك جي، أرسلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة «للاستقصاء الاقتصادي في الشرق الأوسط» عرفت ببعثة الأميركي جوردن كلاب، وأصبحت لجنة الاستقصاء لجنة فرعية من لجنة التوفيق الدولية، وعُهد إليها القيام بدراسة للأحوال الاقتصادية للبلدان العربية، والإرشاد ببرنامج التنمية المناسب لاستيعاب اللاجئين، وقدمت اللجنة تقريرها للجمعية العامة بتاريخ 16 سبتمبر 1949، تزامناً مع التحضيرات لإطلاق عمل الأونروا رسمياً، وقد وافقت الجمعية العامة على برنامج الأشغال الذي تقدمت به اللجنة في ديسمبر عام 1950، وأوصت وكالة الأونروا بتأسيس صندوق لدمج اللاجئين من (49 مليون دولار) تساهم فيه الولايات المتحدة بنسبة 70 في المئة لإقامة مشاريع تنموية في فترة لا تتعدى 18 شهراً، ومنذ ذلك التاريخ تصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول المانحة لجهة نسبة مساهمتها المالية الطوعية للوكالة الدولية!.

في المراحل الأولى لإنشائها، حاولت الأونروا الخروج عن مهماتها الرئيسية «تقديم الإغاثة المباشرة وإقامة برامج تشغيلية للاجئين الفلسطينيين»، فبدأت بحرمان اللاجئين الذين هم خارج مناطق عملها أي خدمات، وبالتالي حقوقهم كلاجئين، وهذا يتساوى مع رؤية الاحتلال الإسرائيلي والنظرة الأميركية لمستقبل اللاجئين، ثم بدأت بتقديم القروض في محاولة لدمج اللاجئين في أماكن وجودهم من خلال إيجاد أعمال تغنيهم عن الأونروا، وهذا يتضمن تجاوز حق العودة بالتشغيل الذي يؤدي إلى التوطين.

اا

علقت وزارة الخارجية الأميركية مؤقتا تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في انتظار مراجعة الادعاءات بأن 12 من موظفيها قد يكونون متورطين في هجمات 7 أكتوبر 2023.

في ما طالبت الولايات المتحدة، الأربعاء 31 يناير 2024، الأونروا بإجراء “تغييرات جوهرية” قبل استئناف تمويلها للوكالة، الذي أوقفته بعد مزاعم للاحتلال الإسرائيلي بأن بعض موظفيها شاركوا في عملية “طوفان الأقصى” ضد الاحتلال، في السابع من أكتوبر، فيما دعت منظمة العفو الدولية الدول التي علَّقت التمويل إلى التراجع عن هذا القرار، واصفةً إياه بـ”الظالم”.

ترى إسرائيل أن الأونروا تساهم في إدامة قضية اللاجئين، بل وتضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من 700 ألف شخص في عام 1948 إلى 5.5 مليون شخص حاليا نظرا إلى منح أبناء وأحفاد اللاجئين في عام 1948 صفة اللاجئ.

وتعتبر تل أبيب أن عودة اللاجئين تمثل تهديدا ديمغرافيا للأغلبية اليهودية في إسرائيل، وبالتالي فهي قضية غير قابلة للحل في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين. ولذا تدفع باتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم؛ وبالأخص في دول الجوار. ولتحقيق ذلك، قدمت دراسة مطولة عام 2020 نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي؛ 4 بدائل في مقدمتها تفكيك الأونروا ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول المضيفة للاجئين، وفقًا لما نشره موقع “الجزيرة نت”. واقترحت الدراسة التي صدرت بعنوان “70 عاما للأونروا: حان الوقت للإصلاحات الهيكلية والوظيفية” نقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها وجميع ما يخصها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويتركز عمل المفوضية على نقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة والتجنس، وهو ما سيقود إلى سحب صفة اللاجئ من اللاجئين الفلسطينيين في حال تجنسهم بجنسية دول أخرى.

6