أزمة إسرائيل قبل 7-10-2023: هل كانت ستقود فعلا إلى حرب أهلية؟

مع تصاعد الدماء والغارات والمذابح والهجمات الصاروخية والانتقام المرتبطة بهيمنة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة، ستستمر الأزمة الأعمق.
الأربعاء 2023/12/13
معركة كسر عظام مع تأجيل التنفيذ

هل لو تأخرت عملية حماس قليلا كان يمكن أن ينهار الوضع في إسرائيل لوحده، فتكون الفرصة للشعب الفلسطيني أكثر مناسبة، أم أن قراءة تحليلية لقيادة حماس عن الوضع المتدهور في الجيش الإسرائيلي دفعها للمضي قدما في تنفيذ عملية طوفان الاقصى لربما؟

الوثائق والتحليل بعد انتهاء هذه الأزمة والحرب التي دفع ثمنها الفلسطينيون في قطاع غزة حتى اليوم 35 ألفا ما بين شهيد وجريج مع هدم عديد المناطق في القطاع هي التي ربما ستقدم لنا الجواب لاحقا، وإن كنا اليوم نشهد تعاطفا دوليا مع القضية الفلسطينية بشكل كبير وغير مسبوق وإعادة تقديم القضية الفلسطينية بشكل أكثر تفاعلا من الخطابات الحماسية، فهذه المرة الثمن هو الدم الفلسطيني المسفوح، وبالمقابل فإن هذه العملية أعادت التماسك الصهيوني لدولة الاحتلال في فلسطين، وستعطي الفرصة للولايات المتحدة لوضع يدها على المنطقة ضمن مشروعهم المعروف بقطف الثمار الذي ينص في أحد بنوده على القيام ببناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى اعتبارا من منتصف العام 2024 تحضيرا لعودة المسيح المخلص، كما أنها مرة أخرى شقت الصف العربي بين الشعوب وتعاطفها المطلق مع أهل فلسطين، وبين الحكام الذين يتعاملون مع الأحداث ضمن مفهوم لعبة القوة وإدارة المواقف الدبلوماسية والسياسية لتقدمهم بمفهوم التخاذل والخيانة، وفي المقابل فإنها قدمت أهم عنصر تمت المراهنة عليه منذ سنوات وهو سقوط الهيبة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي وهو العنصر الثاني المميز لبقاء هذه الدولة، بعد العنصر الأهم وهو الدعم المطلق من الولايات المتحدة والغرب خصوصا الأنجلوساكسون أو ما يعرف بدول العيون الخمسة لبقاء دولة إسرائيل كدولة وظيفية.

وفي تقديم توثيقي لأهم الأحداث التي جرت في إسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى التي جاءت في أحرج أوقات الدولة العبرية والتي كانت تشهد انقساماً مرعباً في الحالة العامة لشعب اليهود الخزر في فلسطين المحتلة، نقدم توثيق للحالة التي سبقت طوفان الأقصى، أما الحكم على العملية بعيداً عن التأييد المطلق للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وبعيداً عن نظرية التآمر والخيانة والتنسيق بين حماس والموساد، وبعيداً عن التنظير العاطفي أو الاستهداف الحركي للفصائل خارج السلطة الفلسطينية، فإننا نبين أهم الأحداث التي سبقت عملية طوفان الأقصى:

عندما يطالب مئات الآلاف من المتظاهرين اليهود بمساواة الحقوق للفلسطينيين، فإننا سنعلم حينها أن المعركة الحاسمة قد بدأت

لقد خرج الآلاف من الإسرائيليين من أجل التظاهر أمام المجمع الحكومي الذي يضم رئاسة الوزراء والكنيست والمحكمة العليا في القدس، احتجاجا على مضي حكومة بنيامين نتنياهو في تغييرات قانونية تحد من صلاحيات المحكمة العليا. وتزامنت المظاهرات مع عقد الكنيست جلستَه غير العادية لتمرير تشريع يقضي بوقف قانون يُعرف بـ”ذريعة المعقولية” يمنح المحكمة العليا صلاحيات إبطال قرارات السلطة التنفيذية.

وقد اجتمع الرئيس الإسرائيلي مع رئيس الحكومة نتنياهو، ومن المقرر أن يبحث لاحقا مع زعيم المعارضة تسوية بشأن التغييرات القضائية. وقد رفض حزب الليكود مقترح التسوية الذي تقدم به اتحاد نقابات العمال “الهستدروت” لإنهاء الأزمة، في حين أعلن الاتحاد أن عدم قبول التسوية المقترحة يعني اجتماعه مجددا لاتخاذ قرارات بشأن خطواته المستقبلية، حيث يُرجح أن يعلن اتحاد النقابات إضرابا عاما يشل إسرائيل بالكامل ورغم أن نتنياهو قد قال في تصريح من داخل المستشفى الذي يعالج فيه إنه يعمل على تمرير التعديلات بشكل توافقي، فإن وسائل إعلام إسرائيلية أفادت بأن نتنياهو أبلغ وزير الدفاع بعدم رضاه عن مبادرته لتمديد جلسة الكنيست للتوصل إلى تسوية.

كما أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن نتنياهو وبّخ وزير الدفاع يوآف غالانت لأنه اقترح تأجيل التعديلات القضائية لبضعة أيام. المعارضون لمشروع التعديل القضائي المثير للجدل والذي قدمته حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يشير إلى تفاقم الأزمة السياسية في إسرائيل وأنها ستؤدي إلى شلل تام في البلاد.

إيما توكاتلي واحدة من الذين خرجوا إلى الشوارع طوال الأشهر الثلاثة الماضية ضد التعديلات، أعربت عن سعادتها لانضمام أكبر نقابة وأكثرها نفوذا في البلاد “الهستدروت” وهي نقابة العمال، إلى إضراب عام احتجاجا على التغييرات التي تهدف إلى الحد من سلطات المحكمة العليا في البلاد، وتقول إيما لمحطةDW “عندما رأيت ‘الهستدروت’ تشارك في الإضراب، إلى جانب جميع رجال الأعمال في إسرائيل، أصبت بالقشعريرة. كنت أمام التلفزيون مع زوجي وكنا نبكي”.

المعارضون لمشروع التعديل القضائي المثير للجدل والذي قدمته حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يشير إلى تفاقم الأزمة السياسية في إسرائيل وأنها ستؤدي إلى شلل تام في البلاد

وتوكاتلي تدير أعمالها الخاصة وهي ناشطة في جماعة احتجاج معارضة للحكومة يطلق عليها اسم “الجبهة الوردية”.

أما في مطار بن غوريون، بوابة إسرائيل الرئيسية إلى العالم، ألغيت معظم الرحلات الجوية، كذلك أضربت البلديات المحلية، وأغلقت الجامعات، وانضم الموظفون في الخدمة المدنية إلى الإضراب. تقول توكاتلي “لقد شعرت أن الأمر يشبه الخلاص حقا، شعرت أن الجميع في هذا الأمر وسوف نفوز وسوف ينتهي في المساء وأن الحكومة قد تنهار”.

وعلى مدار سبعة أشهر متتالية خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع في واحدة من أشد المظاهرات التي تشهدها البلاد وتقود إلى انقسام حاد في المجتمع الاسرائيلي.

وينطلق المحتجون من حركة شعبية انبثقت عن معارضة الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي تقترحه حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وحلفاؤه من اليمين المتشدد، الذي يدعو إلى الإصلاح و تغييرات شاملة تهدف إلى الحد من سلطات القضاء المتعلقة بقدرة المحكمة العليا على الطعن في قرارات البرلمان وتغيير طريقة اختيار القضاة، وبينما تقول الحكومة إن الإصلاح ضروري للحد من سلطات القضاة غير المنتخبين، يقول المحتجون الذين يشكلون شريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي إن الإصلاح سيدفع إسرائيل نحو الدكتاتورية.

ومع اقتراب جزء رئيسي من ملف الإصلاح الشامل من التصويت النهائي في البرلمان، يتعهد المتظاهرون بالمضي قدما في الاعتراض وسط توقعات بحصول المزيد من الإضرابات.

ويقول حلفاء نتنياهو من القوميين المتطرفين والمتدينين المتشددين إن الحزمة تهدف إلى إعادة السلطة إلى المسؤولين المنتخبين، بالمقابل يقول المنتقدون إن نتنياهو، الذي يواجه تهما تتعلق بالفساد، يسعى إلى تقويض النظام القضائي الذي يقول إنه استهدفه بشكل غير عادل لأسباب سياسية، كذلك يرى المعارضون أن حلفاء نتنياهو يحاولون من خلال هذا الإصلاح تعميق سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وتعزيز الاستثناءات المثيرة للجدل التي يحصل عليها المتدينون المتشددون.

على مدار سبعة أشهر متتالية خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع في واحدة من أشد المظاهرات التي تشهدها البلاد وتقود إلى انقسام حاد في المجتمع الاسرائيلي

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي يشعر بالقلق من الرفض المتزايد للخدمة في الجيش، دعا لتأجيل التصويت على إلغاء “بند المعقولية” في الكنيسيت المقرر إجراؤه .وفي حال حكمت المحكمة لصالح الاستئناف، فسيتعين على ائتلاف نتنياهو أن يقرر ما إذا كان سيقبل الحكم أو يرفضه، وعندها يمكن أن يمهد ذلك الطريق لـ”أزمة دستورية” في البلاد.

وقال نتنياهو خلال جلسة أسبوعية لمجلس الوزراء، إنه قطع وعودا قبل الانتخابات من أجل إجراء إصلاحات في جهاز القضاء، معتبرا أن الخطة التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها كانت واضحة للجميع قبل تشكيل الحكومة وأصرّ على المضي فيها قدما، هذا وقد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي مما وصفها دعوات المعارضة لـ”حرب أهلية” في البلاد، بسعيها لتصعيد الاحتجاجات والإضرابات.

وتعهد القادة الذين يقفون وراء المسيرات الحاشدة ضد الحكومة الجديدة وخططها لتغييرات شاملة في نظام القضاء، بـ”الإضراب” في جهودهم لوقف الإصلاح الذي يقولون إنه سيدمر الطبيعة الديمقراطية للبلاد.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت إن إسرائيل في طريقها لخوض “حرب أهلية”، وذلك تعليقاً على إقرار الكنيست مشروع قانون “الحد من المعقولية” أحد أبرز بنود خطة التعديلات القضائية التي تقودها حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة.

الاحتجاجات لم تعد حراكاً مدنياً وحسب، بل وجدت لها داعمين داخل الجيش وأجهزة الأمن

أما الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) نداف أرغمان فقد أعرب عن خشيته من أن تؤدي القوانين التي يدفع بها الائتلاف الحاكم تحت اسم “الإصلاحات القضائية” إلى “حرب أهلية”.

ويرى المراقبون في إسرائيل أن الاحتجاجات لم تعد حراكاً مدنياً وحسب، بل وجدت لها داعمين داخل الجيش وأجهزة الأمن، “فهذا أمر لم يسمع به أبداً في تاريخ دولة إسرائيل الحديثة، هناك انقسام يحدث بشكل محبط للغاية، حتى جنود الاحتياط العسكريين الإسرائيليين يهددون برفض الخدمة، إذ أفادت التقارير أن 37 طياراً مقاتلاً من سرب المقاتلات رقم 69 التابع لسلاح الجو الإسرائيلي قالوا إنهم سيقاطعون مناورات التدريب احتجاجاً على الإصلاح القضائي”، ويرى نحو 42 في المئة من الإسرائيليين أن أكبر تهديد للدولة يتمثل في الانقسام الداخلي، كما يرى 20 في المئة أن التهديد الأكبر هو الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة، ويعتبر17 في المئة أن التهديد الثالث يتمثل في ضعف الديمقراطية، أما 15 في المئة فيعتبرون الوضع الأمني هو التهديد الرابع.

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في أغسطس أن جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي يبدأون بالتغيب عن الخدمة، احتجاجاً على التعديلات القضائية، ويهددون “الوحدة والاستعداد العسكري”، وأضافت الصحيفة أن “رفض الخدمة يعد أحد أكثر الأمثلة وضوحاً على كيفية الضغط والاحتجاج على إعادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تشكيل القضاء”.

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية، عن الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، “أمان”، تامير هايمن قوله لـ”القناة 12” إن “الجيش الإسرائيلي أدخل في معركة لا يستطيع الانتصار فيها (الانقسام الداخلي)، وهذا ما يقلقني، ولا يهم أي من الأطراف ينجح، لكن الجيش في كل الأحوال لا يستطيع النجاح”، وأضاف “إذا أقرّت كل هذه القوانين فسنرى حينها تزايداً في عدم التطوع وانعدام الرغبة في التجنيد”، مشيراً إلى أن “هذه ليست مسألة رفض أوامر، فالجيش من السهل عليه معالجتها، وإنما هو انعدام التطوع”.

نحو 42 في المئة من الإسرائيليين يرون أن أكبر تهديد للدولة يتمثل في الانقسام الداخلي

وأصدر في 21 يوليو الماضي 1142 من جنود الاحتياط في القوات الجوية، بما في ذلك 235 طياراً مقاتلاً و98 طياراً لطائرات النقل و89 طياراً لطائرات الهليكوبتر و173 مشغل طائرات من دون طيار رسالة مشتركة يقولون فيها إنهم سيتوقفون عن العمل (حينها) إذا مضت الحكومة في خطتها لتقليص الطرق التي يمكن للمحكمة العليا من خلالها نقض الحكومة.

ووفقاً لمعهد دراسات الأمن القومي والبحوث الإستراتيجية الإسرائيلي (INSS)، نشأ نظام خدمة الاحتياط الإسرائيلي عام 1948 كعنصر مركزي في الجيش الإسرائيلي، وهي المكون المهيمن عددياً في الجيش، فعلى رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حول الاحتياطيات، إلا أن بعض التقارير العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أن ما لا يزيد على 1.5 في المئة من سكان إسرائيل يخدمون في الاحتياط، وحوالي 6 في المئة فقط من الجنود الذين أكملوا خدمتهم الإلزامية ما زالوا في الخدمة الاحتياطية الفعلية، وقد ارتكزت فكرة تأسيس الخدمة في البداية إلى إنشاء قوة كبيرة بما يكفي لتعويض التقدم العددي للجيوش العربية.

هذا وقد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مما وصفه بالدعوات لـ”حرب أهلية” في البلاد من قبل المعارضة، في وقت يسعى فيه قادة المعارضة لتصعيد الاحتجاجات وسط دعوات لشن إضرابات.

وقد كشف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، لمحطة (CNN) عن مقترح للوصول إلى حل وسط بشأن أزمة إصلاح القضاء، بينما حذر من أن بلاده “على شفا حرب أهلية”. وقال هرتسوغ في خطاب “في حياتي، في أسوأ الكوابيس، لم أكن أعتقد مطلقا أنني سأسمع مثل هذه الكلمات، حتى لو كانت من أقلية صغيرة جدا، سمعت خطابا مروّعا، كراهية حقيقية وعميقة”، وأضاف “سمعت أشخاصا من جميع الأحزاب يقولون إن فكرة إسالة الدماء في الشوارع لم تعد تصدمهم”، وذكر أن إسرائيل تمر بأزمة “مقلقة”، لكنه أشار أيضا إلى وجود “فرصة تاريخية”.

قبل شهر من عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس كان الوضع يزداد سوءا في إسرائيل التي كانت تمرّ بأكثر مراحل تاريخها انقساماً واستقطاباً

هذا وقد عبر وزير جيش الاحتلال السابق بيني غانتس، عن تخوفه من وقوع “حرب أهلية ” في إسرائيل، وفي تغريده نشرها عبر حسابه على موقع تويتر، كتب غانتس يقول “أخشى من اندلاع ‘حرب أهلية’ هنا، إنني على قناعة بأن لا أحد هنا يسعى إلى مثل هذه الحرب، ولكن تدهور الأمور السريع يجعل مخطرها قريبة جدا”، وأضاف غانتس “وفقا لهيئة البث الإسرائيلي هذه ليست مجرد كلمات، وهي ليست تنبؤات غاضبة، أنا أعيش وسط شعبي وأتابع بنفسي كيف نتفكك إلى شظايا، ما من بالغ عاقل مسؤول في الحكومة ينهض ليوقف هذا التدهور”.

وقبل شهر من عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس كان الوضع يزداد سوءا في إسرائيل التي كانت تمرّ بأكثر مراحل تاريخها انقساماً واستقطاباً، وفي ظل تشظٍ كبير في مجتمعها، بفعل سعي حكومة بنيامين نتنياهو إلى تعديل النظام القضائي تحت مسمّى “الإصلاحات القضائية”، وذلك بهدف إحداث تحول على موازين القوى في العلاقة بين السلطات الثلاث الرئيسية (القضاء، الكنيست، الحكومة). وبرزت أيضا في موضوع إقالة نتنياهو لوزير الأمن يوآف غالانت لاعتراضه على خطة “الإصلاحات القضائية” وقد حذر كل من باراك ويعلون وغانتس من مخاطر اندلاع “حرب أهلية” ومن انهيار إسرائيل.

أما في ما يخص الموقف من الصراع مع الشعب الفلسطيني فإنه يزداد تطرفا، إذ يبدي حزب الليكود وحركتا “القوة اليهودية” بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير و”الصهيونية الدينية” بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، حماساً للإصلاحات القضائية لأنها تساعد على إزالة “العقبات القانونية” التي تحول دون حسم الصراع مع الفلسطينيين.

هذا وقد حذر رئيس الوزراء السابق، رئيس الأركان السابق إيهود باراك، وكل من موشيه يعلون وبني غانتس اللذين تبوّآ منصب وزير الأمن ورئيس الأركان في السابق، من مخاطر اندلاع حرب أهلية. أما تامين باردو الرئيس السابق لجهاز الموساد ونداف أرغمان الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية (الشاباك)، فقد حذرا من انهيار إسرائيل ذاتها في أعقاب هذه الإصلاحات في حال تم تمرير “الإصلاحات القضائية”، فإن بعض سيناريوهات الرعب التي يحذر منها معارضوها ستكون مرشحة للتحقق، وهذا سيُدخل إسرائيل حقبة جديدة تماماً، هناك الكثير من الضجة حول ما إذا كانت دولة اليهود ستظل أو تصبح أو تتوقف عن أن تكون ديمقراطية حقيقية، لكن تقريبًا لا يوجد نقاش حول استحالة أن تكون دولة يهودية وديمقراطية عندما يكون نصف سكان البلاد عربًا فلسطينيين. يعيش – تقريبًا – 6.8 ملايين عربي فلسطيني تحت الحكم الفعلي – إن لم يكن المعلن رسميًا – لحكومة إسرائيل، وإذا تم أخذ نصف مليون مهاجر غير يهودي من الاتحاد السوفييتي السابق في الاعتبار؛ فهذا يعني أن هناك المزيد من العرب الذين يعيشون في إسرائيل من اليهود؛ لذا ما يكون على المحك ليس فقط ما إذا كانت إسرائيل ديمقراطية بالفعل أو ستبقى ديمقراطية (أو يمكن أن تتجاوز تسمية نفسها بأنها ديمقراطية حتى لو لم تكن كذلك).

Thumbnail

ما على المحك حقًا هو ما إذا كان سيتم إقامة نظام يضمن التفوق اليهودي بحيث يمكن استخدام النفوذ الكامل لقوانين الدولة بشكل صريح لحرمان نصف السكان من حقوقهم وقمعهم بقوة القانون.

في الحقيقة إنه لكي يستمر النظام ويحمي نفسه ضد التحالفات اليهودية العربية التي يمكن أن تنهي النظام العنصري الذي يهدف إلى إنشائه؛ ستحتاج الحكومة إلى حظر مشاركة العرب في السياسة وكذلك حظر الأنشطة التي يقوم بها اليهود التي قد تؤدي إلى تحرير العرب. لذلك؛ إذا تم إبطال المحكمة العليا في إسرائيل بنجاح، فإن الحكومة الحالية ستتحرك لحظر الأحزاب المعادية للصهيونية (أي العربية) كخطوة أخرى نحو استبعاد جميع الفلسطينيين من الحياة السياسية.

من الضروري أن ننظر إلى الأزمة في إسرائيل ليس كنهاية عملية بل كبداية لحرب سياسية ممتدة، فما يكمن وراءها في النهاية ليس فقط طابع النظام – الديمقراطي الليبرالي مقابل الاستبداد القومي العرقي – ولكن أيضًا الطابع الأساسي للدولة التي يحكمها هذا النظام.

إن التفكير في هذه الأزمة على أنها أزمة هوية بالإضافة إلى أنها أزمة حقوق يعني النظر إلى حالة تاريخية مماثلة؛ حيث تواجه الدولة حربًا أهلية بسبب قوانين لا يمكن تحملها من قبل نصف مواطنيها؛ وهي مشكلة يمكن حلها فقط من خلال تحويل المعتقدات الأساسية حول ما هي البلاد ومن ينتمي إليها.

فعندما يطالب مئات الآلاف من المتظاهرين اليهود في نهاية المطاف بمساواة الحقوق للفلسطينيين، لأنهم لن يتمكنوا في النهاية من حماية حقوقهم الخاصة دون مساعدة من الفلسطينيين، فإننا سنعلم حينها أن المعركة الحاسمة قد بدأت، ولكن مع تصاعد الدماء والغارات والمذابح والهجمات الصاروخية والانتقام المرتبطة بهيمنة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة، ستستمر الأزمة الأعمق.

6