لماذا تواصل الـ"أليكسو" غيابها الثقافي؟

المنظمة تحولت إلى جمعية خيرية ولم تلعب الدور المنتظر منها.
الجمعة 2020/02/14
المنظمة الثقافية تواصل عطالتها عربيا ودوليا

إلى اليوم لا يوجد تقييم دقيق وسنوي أو دوري لفاعليات ومردود مؤسساتنا الثقافية المحلية أو الإقليمية على أصعدة ابتكار ونشر وتوظيف الثقافة في مسار التنمية، وخاصة على مستوى المؤسسات الثقافية ذات الطابع العربي المشترك مثل المجمع اللغوي العربي، والـ”أليكسو” (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم). كما لا نعثر على مقارنة جدية بين مستوى هذا المردود وبين مستوى ما تحقق ويتحقق في البلدان المتطورة في عالمنا المعاصر. في هذا الخصوص نتساءل: ماذا أنجزت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في مجالي تنظيم وتأطير ورعاية حقل الثقافة والفكر، والابتكار الثقافي والفكري النوعيين والمتفردين حتى الآن ببلداننا، ولماذا ليست لهذه المنظمة فرق للتفكير وقنوات لنشر الثقافة وتوصيلها إلى المواطنين؟

من المعروف أن تأسيس الجامعة العربية للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) قد مرّ عليه حتى الآن نصف قرن من الزمان، ورغم ذلك لا تسمع الأجيال الشابة الجديدة في بلداننا بهذه المؤسسة، ويعود ذلك إلى كون المسؤولين عليها قد اختاروا طوال خمسين سنة الانزواء في منطقة الظل مما أدى إلى عدم لعب أي دور محوري في خلق الإشعاع الثقافي والفكري والعلمي والتعليمي المشترك من المحيط إلى الخليج.

ومن المعروف أيضا أن ميزانية هذه المنظمة التي تصبها في صندوقها 22 دولة عربية عضوا فيها تكفي ولو جزئيا للمساهمة في الانطلاق لتعميم وتطوير وإبراز مختلف أشكال التعبير الثقافي والحضاري والعلمي ببلداننا.

والأدهى والأمر هو أنّ هذه المنظمة لم تسلط عليها أعين النقد الإعلامي الجاد لتحريكها حتى تمضي في مشوار تحقيق هدف مفصلي وهو بناء أسس الشراكة الثقافية على المستوى العربي، وتنفيذ سياسات إيصال الإنتاج الثقافي والفني والحضاري لمجتمعاتنا إلى الفضاء الدولي.

وتفيد التقديرات أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تتوفر على ميزانية وإطارات لتسييرها، إذ أن عدد المديرين العامين الذين تداولوا على إدارة شؤونها منذ 1970 قد بلغ تسع شخصيات وكان من المفترض أن هذه الشخصيات تملك عاملين أساسيين كفيلين بإنجاح مهمتها وهما الدعم السياسي والمادي للدول المؤسسة لهذه المنظمة وعددها 22 دولة عربية فضلا عن دعم الجامعة العربية التي تشرف على نشاطها وتراقب عملها، كما أنه يفترض أنها تملك أيضا الكفاءة في إدارة العمل الثقافي والتعليمي والعلمي، فضلا عن توفر المعلومات الكافية لديها التي تتعلق بالأهمية المركزية لدور ثالوث الثقافة والتعليم والعلوم في التأسيس للتحديث والتحول الحضاري في مجتمعاتنا التي تحاول قهر مختلف أنماط التخلف بعد تحررها من الاستعمار الأجنبي.

الغالب على نشاط "أليكسو" العمل الخيري في صورته التربوية عبر تعيين سفراء النوايا الحسنة

لا شك أن التأمل في السير العلمية والسياسية لهذه الشخصيات يؤكد لنا أن بعضها يعدّ من النخب الأدبية والفكرية في بلداننا أمثال السياسي والدبلوماسي والكاتب الجزائري الراحل محمد الميلي الذي بقي على رأس هذه المنظمة أربع سنوات، وكذلك السوداني السيد محيي الدين صابر الذي عمّر فيها 12 سنة كاملة وهلمّ جرّا. حسب المعطيات الشحيحة المتوفرة لدينا فإنّ هذه المنظمة لم تنتج سوى عدد قليل من المؤلفات ذات الطابع الأكاديمي البارد، وأغلبها معاجم منها معجم قصة الحضارة في عام 1988، والمعجم العربي في عام 1989.

والجدير بالذكر أيضا هو أن المراكز التي تشرف عليها هذه المنظمة، منها معهد المخطوطات العربية، قد امتصها النسيان حيث لم يروّج لها كما أنها لم تتحوّل إلى منارات لتوليد الإشعاع الثقافي والفكري والتربوي والعلمي. في هذا السياق يلاحظ أن الغالب على نشاط الـ“أليكسو” القليل جدا هو العمل الخيري في صورته التربوية وذلك من خلال تعيين سفراء النوايا الحسنة الذين لا يعرف عنهم العالم العربي شيئا يذكر منذ تأسيس هذا التقليد في عام 2016 إلى يومنا هذا. ومن الملفت للنظر هو أن بلداننا تحتوي على آلاف الجمعيات الثقافية والفنية والعلمية والتعليمية بالإضافة إلى اتحادات الكتاب والأدباء والمراكز الثقافية وبيوت الشعر فضلا عن عدد هائل من دور النشر ووزارات الثقافة ومخابر البحث الفكري والثقافي والعلمي ولكن يبدو واضحا أن المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم لم تتفاعل معها بما يؤدي إلى صنع معمار التكامل، وآفاق الحوار والعمل المشترك الثقافي والعلمي في ما بينها جميعا.

وينبغي التذكير هنا أيضا بأن المسؤولين في منظمة الـ“أليكسو” بحاجة إلى توفير أرضية ملائمة للانفتاح على جالياتنا الأوروبية/ الغربية المقيمة بالمهاجر لدعمها قصد مساعدتها على حماية هويتها الثقافية واللغوية والحضارية من كافة مظاهر الاغتراب والامتصاص الثقافي والهوياتي الأجنبية.

في الحقيقة هناك الآلاف من المبدعين ضمن جالياتنا المهاجرة في مجالات المسرح، والسينما، والآداب، والفكر والإعلام، وعلوم الطب والفيزياء والزراعة والصناعات الصغرى والكبرى والبصريات وغيرها، وهم في حاجة ماسة إلى الرعاية النفسية وإلى الدعم المادي والمعنوي لزرع الإحساس بالمواطنة ولتشجيع روح الابتكار لديهم والعمل على استقطابهم إلى بلدانهم الأصلية ليساهموا بإبداعاتهم وتجاربهم المتميزة في تحديثها.

ما لم يحصل

كان من الممكن أيضا أن تتحول منظمة الـ“أليكسو” إلى صمام أمان للثقافات الوطنية ببلداننا وإبعاد شبح تناحر الإثنيات الثقافية الذي ينذر بعواقب وخيمة. وزيادة على ما تقدم فإن الملاحظ هو أن بلداننا لا تعيش في الواقع في كوكب معزول عن تنوع ثقافات العالم ولكن الحقائق تفيد بأنها تعزل نفسها بنفسها ولا ترمي بثقلها للمشاركة في صنع الحدث الثقافي والعلمي المؤثر وطنيا وإقليميا وعالميا.

صمام أمان لا يعمل جيدا
صمام أمان لا يعمل جيدا

ولذلك ينبغي أن تحدد منظمة الـ“أليكسو” مهمتها في هذا المجال، كأن تشرع في إقامة الندوات الكبرى والحلقات الدراسية الجادة وطبع الأبحاث والمؤلفات المبتكرة والتركيز استراتيجيا على تشكيل خلايا التفكير وتتكفل بالإشراف عليها في مستوى كل بلد من بلداننا من أجل رصد التحولات الثقافية والفكرية والعلمية في العالم ومتابعة تطوراتها الكبرى قصد استيعابها وتَمثُّلها ثم تقديم أبرز منتوجها إلى أجيالنا الشابة لتعمل فكرها فيها ولتكون لها غذاء روحيا وحضاريا.

وفي هذا الخصوص نجد مجلة آفاق السويسرية تركز على صعود نجم القطب الآسيوي بقيادة اليابان والصين وكوريا الجنوبية، ولا تذكر أيّ دولة عربية ضمن الدول المتطورة، التي تحتل الصدارة في رصد الأموال لفائدة ابتكارات البحث الثقافي والعلمي.

توأمة ومثاقفة

ربما يحاجج بعض المسؤولين في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن عدم توفر التمويل الكافي لمشاريعها هو الذي حال ولا يزال يحول دون تحقق القفزات النوعية في مجال البحث العلمي العربي تحت إشرافها. ولكن مسألة التمويل هذه لم تطرح بقوة وصراحة، سواء في وسائل الإعلام أو على مستوى الجامعة العربية.

وأكثر من ذلك فإنه تنبغي الإشارة إلى قضية مرتبطة بهذا التمويل وتتمثل في غياب التنسيق المالي بين وزارات التعليم العالي ووزارات الثقافة العربية، فالتقارير السنوية تؤكد أن مبالغ ضخمة بهذه الوزارات لا تصرف وغالبا ما تعاد إلى خزائن الدول العربية ومن ثم تصرف مجددا على قضايا لا علاقة لها بالثقافة والعلوم.

من المؤكد أن مجلة آفاق السويسرية لا تتحامل على بلداننا وإنما هي تقدم الإنجازات المهمة التي تحققت وتتحقق في هذا البلد الأوروبي أو في ذاك البلد الآسيوي.

وفي التحليل الأخير فإن المطلوب من منظمة الـ“أليكسو” إعادة النظر جذريا في طريقة عملها وفي أولوياتها. ومن الضروري مثلا أن تدعو المراكز والتنظيمات والجمعيات والاتحادات الثقافية في العالم العربي إلى عقد ندوة سنوية أو دورية لوضع مخططات تطوير العمل الثقافي والعلمي في بلداننا. ولا شك أن في الفضاء العربي قطاعا خاصا يملك الإمكانيات المالية التي يمكن أن يسخرها أيضا لصالح تمويل مشاريع تطوير الحقول الفنية والثقافية والعلمية عندنا.

ممّا لا شك فيه أن قضية النهوض بالثقافة والفنون والعلوم ينبغي ألّا تهمش أو تعامل كمسألة ثانوية، كما هو المعتاد على المستوى الرسمي في الأقطار العربية وعلى مستوى الجامعة العربية. وفي هذا السياق فإن منظمة الـ“أليكسو” مدعوة إلى أن تخوض تجربة التوأمة مع مراكز البحث الثقافي والفني والعلمي في الدول المتطورة من أجل تجسيد فعل المثاقفة وتبادل الخبرات للاستفادة منهما.

15