لماذا تتفاجأ تونس بالفيضانات كل عام في غياب إستراتيجية لمواجهتها

كميات الأمطار المسجلة بالمناطق الشرقية تكشف اهتراء البنية التحتية.
الأحد 2024/10/20
المشهد يتكرر مع هطول الأمطار

بالموازاة مع هطول كميات مهمة من الأمطار تتصاعد الدعوات الشعبية إلى المطالبة بتحسين مكونات البنية التحتية من طرقات وجسور، وهو أمر بات معهودا في مختلف جهات البلاد في السنوات الأخيرة، في ظل محدودية دور السلطات في إصلاح البنية التحتية.

تونس- طرحت كميات الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على عدد من المناطق الساحلية في تونس، تساؤلات بشأن تفاجؤ السلطات من تداعياتها على البنية التحتية للبلاد، خصوصا في ظلّ غياب إستراتيجية واضحة للتعامل مع التغير المناخي المفاجئ. وشهدت مناطق على السواحل الشرقية لتونس الجمعة فيضانات مع هطول الأمطار بكميات كبيرة منذ ليل الخميس.

ولئن كانت الكميات المسجلة من الأمطار مهمة بالنظر إلى إنعاش الخزان المائي للبلاد التي تعاني من معضلة الشح المائي لسنوات عديدة، ، فإنها كشفت اهتراء واضحا للبنية التحتية من طرقات وجسور أصبحت في حاجة إلى الصيانة أو إعادة البناء أكثر من أيّ وقت مضى.

ويرى مراقبون أنه منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي هناك تجاهل ممنهج للبنية التحتية للمدن والطرقات في الأحياء.

باسل الترجمانّ: هنالك تجاهل ممنهج للبنية التحتية للمدن التونسية
باسل الترجمانّ: هنالك تجاهل ممنهج للبنية التحتية للمدن التونسية

وكثيرا ما يساهم تساقط الأمطار بغزارة في المناطق التونسية إلى سيلان الأودية وانجراف عدة طرقات غير معبّدة في العديد من التجمعات السكنية، ما يتسبب في عزل بعض الأحياء ويخلّف حالة هلع لدى السكان، ويعكس عدم الاستعداد للأمطار رغم التحذيرات.

وأظهرت مقاطع فيديو السيول وهي تجرف السيارات في شوارع معتمدية صيادة بولاية المنستير (شرق). وأعلنت الحماية المدنية عن عمليات شفط المياه في مناطق سكنية ومؤسسات تعليمية بالمعتمدية ومناطق أخرى من الولاية.

وتشهد أغلب الولايات في تونس هطول الأمطار بعد فترات انحباس طويلة متواترة. وأفادت شركة تونس للطرقات السريعة بتسجيل عدة انزلاقات لشاحنات ما تسبب في أضرار مادية واصطدام بعربات أخرى.

ولقي كهل حتفه مساء الجمعة، بعد أن جرفته مياه الأمطار داخل سيارته بعمادة واد الحجل من معتمدية حاجب العيون بولاية القيروان. ولئن نجا صاحب السيارة الأولى من الغرق، لم يتمكن الثاني من تفادي تيّار المياه القوي لتجرفه السيول على بعد كيلومترات.

وصرحت الحماية المدنية لوسائل الإعلام بأنها عثرت على جثة الضحية على بعد 3 كيلومترات من مكان سيارته. وتهاطلت كميات غزيرة من الأمطار الجمعة بعدد من مناطق البلاد لاسيما في الوسط، حيث غمرت المياه الشوارع في المدن.

وفاضت الأودية في الأرياف، في المنستير والمهدية وسيدي بوزيد والقصرين والقيروان، وتسببت الأمطار في خسائر مادية فادحة لبعض المواطنين في عدد من المناطق المذكورة.

وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان أن “التغير المناخي في العالم يحدث مشاكل، ومنذ سقوط نظام بن علي في تونس هناك تجاهل كامل للبنية التحتية للمدن في مستوى تنظيف مجاري المياه والقنوات الرابطة بين الأحياء”.

تونس تحتلّ موقعا متميزا في جوار الطرق البحرية والجوية الأكثر استعمالا، وتهدف من خلال اختياراتها الإستراتيجية في مجال البنية التحتية، إلى تسريع المبادلات، ومضاعفة التدفقات التجارية

وأضاف لـ”العرب”، “البلديات منذ 12 سنة غير مبالية بما يجري”، متسائلا “ما الذي قامت به بلدية تونس في السنوات الأخيرة لتفادي نتائج مثل هذه الظواهر؟”.

ولفت الترجمان إلى أن “الإهمال يطرح مسؤولية كبرى على كل من له علاقة بالعمل البلدي وديوان التطهير، وهذا ما نرى نتائجه في الواقع”.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “من المفترض أن يكون هناك خطة وطنية متكاملة في علاقة بتهاطل الأمطار، لكن ليس هناك استمرارية في المواقع القيادية، ولدينا إشكال في تعدد المؤسسات المشرفة على المياه، وهذا يجب أن يحسم نهائيا”.

وأكد في تصريح لـ”العرب”، “هنالك اهتراء في البنية التحتية ومسالك توزيع الماء الصالح للشراب، فضلا عن مشاكل صيانة السدود وتجهيز المنازل الذي لا يزال ضعيفا، إلى جانب التهيئة الترابية للأحياء العمرانية”. وتابع ثابت “الفضاء البلدي أصبح متروكا للمجهول، وليست هناك سلطة فعلية لمراقبة الخلل”.

وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أنه لا بدّ من وضع خطة إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف تهدف إلى تحسين البنية التحتية والتقليص من تداعيات هطول الأمطار، فإن ذلك ظلّ غائبا منذ سنوات، وأصبح الأمر لا يقتصر إلا على دعوات تحذيرية من الحماية المدنية للمواطنين.

ودعا المتحدث باسم الحماية المدنية، الجمعة، مستعملي الطريق بولاية تونس إلى الالتزام بالحذر واليقظة وخاصة تجنب السرعة في ظل الحالة الجوية المرتقبة والمتميزة بسقوط أمطار. ونشر المتحدث باسم الحماية المدنية بلاغا تنبيهيا قدم فيه نصائح لمستعملي الطريق حول القيادة خلال نزول الأمطار.

منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي هناك تجاهل ممنهج للبنية التحتية للمدن والطرقات في الأحياء

ودعا في هذا السياق إلى ترك النوافد مفتوحة قليلا تفاديا لتشكل غشاوة ضبابية على الزجاج من الداخل ومضاعفة الانتباه والتركيز التام أثناء القيادة على الطريق وتجنب كل ما من شأنه أن يصرف انتباه السائق، إلى جانب عدم المجازفة والانتباه للتجمعات المائية وعدم عبور الأودية، فضلا عن احترام مسافة الأمان والأخذ بعين الاعتبار حالة الطريق المبللة.

وأشارت آخر نشرات المعهد الوطني للرصد الجوي إلى أن مناطق مختلفة ستشهد نزول أمطار غزيرة مع هبوب رياح قوية أثناء ظهور السحب الرعدية.

وتحتلّ تونس موقعا متميزا في جوار الطرق البحرية والجوية الأكثر استعمالا، وتهدف من خلال اختياراتها الإستراتيجية في مجال البنية التحتية، إلى تسريع المبادلات، ومضاعفة التدفقات التجارية.

والشهر الماضي، تسببت الأمطار التي دامت دقائق في مدينة نابل (الوطن القبلي)، أيضا في سقوط حائط نزل على امتداد 70 مترا، من الجهة المؤدية للبحر، ما تسبب في إصابة عشرة أشخاص بينهم أجنبية، وقد تم التدخل من قبل الحماية المدنية لإيواء المصابين بالمستشفى.

 وشهدت مدينة نابل أيضا سقوط الكثير من الأشجار على السيارات ما تسبب في أضرار جسيمة عاينتها والية الجهة عندما تنقلت على عين المكان لرصد تداعيات الأمطار على الأشخاص والمدينة والحرص على تدخل مصالح البلدية على إثر الأمطار الغزيرة لفتح الطريق بعد سقوط بعض الأشجار على مستوى الطرق وتصريف المياه الراكدة ببعض الطرقات تسهيلا لحركة المرور، بالإضافة إلى التنسيق مع مصالح شركة توزيع الكهرباء والغاز بالجهة لإرجاع التيار الكهربائي الذي انقطع نتيجة سقوط بعض الأعمدة الكهربائية بسبب سرعة الرياح والتقلبات الجوية التي شهدتها المنطقة.

2