لماذا تتسبب التمارين الرياضية في الإصابة بالصداع

يشعر البعض من المتدربين فجأة بصداع يجبرهم على التوقف عن ممارسة التمارين وهم في أوج النشاط، للبحث عن قسط من الراحة. لكن غالبية الرياضيين لا يعلمون إن كانت آلامهم مرتبطة بنوع التمارين أو شدتها أو هي نتيجة عوامل أخرى تتفاقم مع بذل الجهد، خلال ممارسة الرياضة.
واشنطن – أفاد تقرير نشر في موقع “سالف” الأميركي، الذي يُعنى باللياقة والصحة والجمال، أن الصداع المرتبط بالتمرين قد لا يكون بحدة الصداع النصفي لكنه يخلق نوعا من الإزعاج الذي يمكن أن يتحوّل إلى آلام شديدة.
ويقول الدكتور إيلان دانان، وهو أخصائي في أمراض الأعصاب المرتبطة بالتمارين الرياضية في مستشفى “سيدرز سيناي” في ولاية لوس أنجلس الأميركية، “تعدّ هذه الآلام شائعة، لدرجة أنها تصيب معظم الرياضيين في مرحلة ما من حياتهم، حتى وإن لم تتجاوز مدة الألم بضع دقائق.
وتختلف آلام التمارين هذه التي تصيب الرأس عن الصداع النصفي الناجم عن التدريبات. وينتج هذا الصداع عن الإجهاد الأولي، ويمكن أن يشعر به الشخص أثناء تأدية التمارين أو بعد الانتهاء منها. ولا تؤثر نوعية التمارين على احتمال الإصابة بهذا الألم في أغلب الأحيان.
وجدت دراسة نشرت في مجلة “سيفالالجيا” الصادرة عن جمعية الصداع الدولية، التي تجمع المختصين الملتزمين بمساعدة المصابين بالصداع، أن هذه الآلام أصابت 12 بالمئة من المشاركين فيها. وظهر لديهم هذا النوع من الأوجاع لمرة واحدة على الأقل خلال حياتهم الرياضية. شملت هذه الدراسة حوالي 1800 شخص من النرويج.
عادة ما يظهر هذا الصداع في شكل ألم مستمر على جانبي الرأس، ويمكن أن يستمر لمدة تتراوح من خمس دقائق إلى 48 ساعة، وهو ما أكدته مجلة “كارينت باين أند هادايك ريبورتس” المختصة في مراجعة أنواع الصداع.
يمكن أن يخلق التعامل مع صداع التمرين صعوبة على الرياضيين في متابعة أسلوب حياتهم الرياضية، خاصة إذا كان يجبر المصابين على تقليص التدريبات التي يعتمدونها ضمن روتينهم اليومي أو الأسبوعي. كما يمكن أن يدفع إلى الشعور بالخوف من التمارين، مما قد يشجع على الخمول الذي يعدّ أمرا أكثر خطورة على الصحة وخاصة على المدى الطويل. ولكن، قبل التطرّق لكيفية تخفيف هذا الألم، ينبغي التعرف على العوامل التي تؤدي إلى حدوثه.
ويبقى الصداع من المشكلات التي يعاني منها الكثيرون دون أن تتوفر معلومات دقيقة تفسرها. ولا يختلف الأمر في ما يتعلق بالصداع المرتبط بالتمارين الرياضية. يقول الدكتور دانان “لكي نكون صادقين، لا نحمل إجابة دقيقة عن سبب حدوث هذه المشكلة بالضبط. ولكن، يمكن أن نجد بعض النظريات القوية القائمة على الاستجابات الفسيولوجية التي تحدث داخل الجسم نتيجة للتمارين الرياضية”.
أثناء التمارين، يشهد الجسم زيادة في معدل ضربات القلب وتزيد حاجة العضلات والدماغ إلى الأكسجين، مما يؤدّي إلى تمدد الأوعية الدموية لزيادة تدفّق الخلايا الحمراء التي تحمل هذه الجزيئات. وأضاف الدكتور دانان أن هذا التحوّل المفاجئ يزيد الضغط داخل الأوعية الدموية في الدماغ، ويمكن أن يؤدي إلى الصداع قصير الأجل أثناء حدوث ذلك.
وأشار إلى أن التمارين تزيد من الالتهابات وهرمون الكورتيزول، مما يمكن أن يدفع الدماغ إلى إرسال إشارات تجعل المتدرب يشعر بالألم.
أسباب الصداع
قال الدكتور دانان إن الطريقة التي نتنفس بها عندما نمارس التمارين الرياضية تلعب دورا في الإحساس بهذا الصداع. وتابع “يميل الرياضيون إلى سدّ أنفاسهم دون أن ينتبهوا لتأثيرات ذلك أثناء بذل جهد ما. يمكن أن يزيد هذا من الضغط داخل الجمجمة، ويستجيب الجسم بالصداع. كما يمكن أن نذكر بعض الطرق التي عادة ما يشد بها الناس عضلاتهم لدرجة يمكن أن تسهم في حدوث الصداع الناجم عن ممارسة التمارين”.
وذكر مثال تحريك الرقبة لأعلى مع رفع الرجلين.
وعلى الرغم من حدوث الصداع نتيجة لعدد من العوامل المختلفة، إلا أن التركيز على الأسباب الشائعة التي يمكن التعرّف عليها بسهولة يعدّ مفيدا. وهذا ما أشارت إليه الدكتورة ميشيل ريد، المختصة في طب الأسرة في نيويورك.
وتقول ريد إن الجفاف هو السبب الأكثر شيوعا وراء الإصابة بالصداع. قد يبدأ بعض الأشخاص في شرب الماء بمجرد بدء التمرينات الرياضية. لكن هذا يعني أنهم يبدؤون جلسة تمارين دون أن تحمل أجسامهم الكمية المناسبة من المياه. وعندما يعاني الدماغ من الجفاف، يمكن أن يتضخم قليلا، وقد يزيد الجهد المبذول من هذه الظاهرة. وأردفت الأخصائية الأميركية أن التعب يعدّ من مسببات الصداع الأخرى، وغالبا ما يقترن بالجفاف، خاصة بعد السهر. وتؤكد على أن اجتماع كل هذه العوامل مع التمارين وقلة النوم، يؤدي إلى إصابة صاحبها بالصداع.
وتابعت “في هذه الحالة، يعدّ التخلي عن ممارسة الرياضة طوال اليوم الخيار الأفضل”. وأوصت من يشكو من الألم بشرب الكثير من الماء والنوم قليلا بدلا من مواصلة التمرن. فعند استهلاك الكميات الكافية من المياه والنوم كما يجب، يفقد التوتر الأرضية التي تعزز الصداع أثناء التمارين. فالتوتر ينتج عن مستويات عليا من هرمون الكورتيزول الذي يتضاعف إفرازه مع التمارين.
الإحماء يقلل الضرر
تؤكد الدكتورة ريد على أن تحديد سبب الصداع يستغرق وقتا، لكن تجميع البيانات يساعد في تسريع العملية. وتقترح شراء دفتر صغير لتدوين جميع المعلومات حول التمارين والعوامل غير المتعلقة به. يتضمن الدفتر معلومات عن ساعات النوم التي يقضيها المتدرب، وما يأكله قبل التمرين، والمدة الذي استغرقها في التمارين قبل بدء الصداع، ومدة الصداع ونوع الألم، وإذا كان أكثر حدّة عند اتباع تمارين معيّنة، ونوعية الاستراتيجيات التي حاول القيام بها لتحسين حالته، مثل شرب ماء إضافي لبضع ساعات قبل ممارسة الرياضة. بهذه الطريقة، يمكن أن تحديد السبب الذي يزيد من احتمال الشعور بالصداع.
ومهما كانت العوامل المسببة له، لا ينبغي على الرياضيين التخلّي عن شرب الماء وتوفير الراحة اللازمة للجسم. ويحتاج الشخص، عادة، إلى كمية تتراوح بين لتر ونصف ولترين من الماء يوميا، وهو ما يعادل 8 أكواب تقريبا. ويجب أن لا تقل ساعات النوم عن 7 كل ليلة.
ويقول الدكتور دانان إن المتدرب يخاطر بتمديد الأوعية الدموية في رأسه بشكل مفاجئ. لكن الإحماء يساعد على أن تحدث هذه العملية بشكل تدريجي، حيث يزيد من تدفق الدم إلى العضلات ويعزز الدورة الدموية تدريجيا.
كما تساعد هذه المرحلة على إفراز الهرمونات المسؤولة عن توفير الكربوهيدرات والأحماض الدهنية اللازمة لإنتاج الطاقة التي تعدّ أساسية لممارسة التمارين الأشد. ورغم أهميتها، تبقى تمارين الإحماء بسيطة، ولا تتجاوز مدة ممارستها 10 دقائق.
تُحفّز تمارين الإحماء الجهاز القلبي الوعائي تدريجيًّا من خلال رفع درجة حرارة الجسم وقد تساعد على تقليل تقرُّح العضلات وخفض خطر التعرّض للإصابات.
كما يسمح التبريد بعد التمرين بالاستعادة التدريجية لمعدل ضربات القلب وضغط الدم. وقد يكون التبريد أكثر أهمية في رياضات التحمّل التنافسية، مثل سباقات الركض، لأنه يساعد على تنظيم تدفُّق الدم.ونصحت الهيئة الألمانية للتوعية الصحية كبار السنّ بضرورة القيام بالإحماء قبل ممارسة تمارين الاتزان وتدريبات تقوية العضلات، والتي تجنّبهم خطر الانزلاق والسقوط على الأرض.
وأوضحت الهيئة الألمانية أنه من الأفضل البدء بالمشي في المكان لمدة دقيقة أو دقيقتين مع الإمساك بمقعد ثابت أو ترك الأذرع تتمايل بحرية. ثم الوقوف بعرض الفخذين وإدارة الرأس يميناً ويساراً ببطء، مع مراعاة تحريك الرأس فقط وتكرار هذه الحركات 5 مرات.
وفي وضع الوقوف ذاته، يمكن ممارسة تمارين إطالة الرقبة بوضع إصبعين على الذقن والضغط المضاد عليها حتى تشعر بانبساط الرقبة، مع مراعاة تكرار هذا التمرين 5 مرات أيضا. وبعد ذلك يتم وضع الأيدي على الجزء السفلي من الظهر أو الأرداف ثم الميل بحذر إلى الخلف مع ثني الركبتين قليلا، مع تكرار هذا التمرين 5 مرات.
ومن ضمن التمارين الأخرى، دوران الجزء العلوي من الجسم والرأس فقط، دون الفخذين، جهة اليمين إلى أقصى نقطة لا تفتقر بها إلى الشعور بالراحة، ثم العودة إلى المنتصف والدوران ناحية اليسار بنفس الطريقة، ويتم تكرار هذا التمرين 5 مرات.
تمارين الإحماء تحفّز الجهاز القلبي الوعائي تدريجيًّا من خلال رفع درجة حرارة الجسم وقد تساعد على تقليل تقرُّح العضلات وخفض خطر التعرّض للإصابات
وبالنسبة إلى تمارين إطالة القدمين فإنه ينبغي الجلوس بظهر مستقيم على مقعد وفرد إحدى الساقين إلى الأمام وإلى أعلى وثني الركبة قليلا ثم جذب أطراف القدم في اتجاه الجسم 5 مرات بالتناوب مع القدم الأخرى.
وشددت اختصاصية العلاج الطبيعي الألمانية أوته ريبشليغر على ضرورة إجراء عملية الإحماء لمدة 3 إلى 5 دقائق قبل ممارسة تمارين تقوية العضلات، موضحةً أهمية ذلك بقولها “يعمل الإحماء على تهيئة العضلات والمفاصل للتحميل عليها بشكل سليم، وحمايتها من التعرض لتحميل زائد”.
وأردفت ريبشليغر أنه “يفضّل البدء بإحماء الجسم بأحد أجهزة بذل الجهد (الكارديو)، ولاسيما جهاز التجديف، لأنه يعمل على إحماء الأذرع والسيقان معاً”، إلا أنها حذّرت من استخدام جهاز المشي للإحماء، لأنه يعمل على إحماء الساقين فقط.
وبعد الانتهاء من الإحماء، ينبغي إرخاء الجسم بعض الشيء، ثم البدء في ممارسة تمارين الإطالة للأجزاء العضلية التي سيتمّ التحميل عليها بصفة خاصة أثناء تمارين تقوية العضلات. وأوضحت الخبيرة الرياضية ريبشليغر“يحتاج جسم الإنسان إلى بضع دقائق، كي يتسنّى له التكيّف على الانتقال إلى وضعية التحميل”.
وعند البدء في ممارسة تمارين تقوية العضلات أكدت ريبشليغر على ضرورة زيادة كميّة تدفق الدم إلى العضلات على نحو مقصود، موضحة “يمكن تحقيق ذلك من خلال تأدية نفس التمرين الذي سيتم ممارسته على الجهاز، مع الالتزام في البداية باستخدام أوزان قليلة قدر الإمكان مع تكرار ذلك بصفة متواصلة”. وبعد ذلك، تتم الزيادة في شدة التمرين والأوزان.
وبعد الانتهاء من ممارسة تمارين تقوية العضلات، تنصح الخبيرة الألمانية بالتمرين على أحد أجهزة الكارديو لمدة تتراوح بين 5 و10 دقائق. ولفتت إلى أنه لا بأس من استخدام جهاز المشي في هذا الوقت. ويفضل أيضاً الإبطاء من سرعة ممارسة التمرين في نهايته، مع الانتهاء بممارسة بعض تمارين الإطالة.
يذكر أن إحدى الدراسات كانت قد اُجريت على 44 رجلا لا يُعانون من أمراض القلب، وقام المشاركون خلالها بممارسة تمارين عالية الكثافة لمدة 10 إلى 20 ثانية دون إحماء. وقد أظهرت بيانات تخطيط كهربائية القلب أنّ ما نسبته 70 بالمئة من المشاركين أظهروا تغيّرات غير طبيعية في تخطيط القلب، نتيجة انخفاض تدفق الدم إلى عضلة القلب. ثمّ قام 22 رجلًا من المشاركين الذين ظهرت لديهم تغيّرات غير طبيعية في تخطيط القلب بالركض، في شدة معتدلة، لمدّة دقيقتين قبل زيادة مستوى الشدة. وقد أظهرت نتائج تخطيط كهربائية القلب أنّ 10 مشاركين حصلوا على نتائج طبيعية لتخطيط القلب، و10 آخرين حصلوا على نتائج أكثر صحيّة، و2 فقط لم يتأثّر لديهما تخطيط القلب قبل الإحماء وبعده.
ويفسّر الباحثون أن ظهور الصداع أثناء تجربة تمرين جديد لأول مرة، قد يكون نتيجة لحركة خاطئة. ويوصون بأداء الحركات أمام مدرب كي يحدد مكامن الخطأ. ويشير الدكتور دانان إلى ضرورة الاعتماد على مصادر موثوقة قبل تجربة تمرين جديد والانتباه إلى طريقة التنفس أثناء أي تمرين، مع ضرورة عدم حبس الأنفاس طوال الفترة التي يقضيها المتدرب في القيام بحركة ما.
صداع آخر
عند الفشل في تخفيف الألم بعد اتباع كل التوصيات التي قدمها الأخصائيون ومدربو اللياقة واستمر الصداع لبضعة أسابيع، تقترح الدكتورة ريد زيارة الطبيب، وخاصة إذا كانت حدة الصداع تزداد سوءا وبشكل تدريجي.
وتقول إن الدفتر الذي دون فيه المتدرب كل ما يتعلق بحالته مفيدا لتقييم الصداع وتشخيص الحالة.
ولف الدكتور دانان إلى أن الصداع الناتج عن الإجهاد من أكثر الأنواع شيوعا التي يربطها الكثيرون بالتمارين الرياضية. ووفقا لتقرير نشر في موقع مايو كلينيك، لا يعتبر هذا الصداع ضارّا. ويبقى غير مرتبط بأي مشكلة صحية أساسية. وعادة ما يحدث نتيجة لتشنّج عضلات الظهر والرأس والعنق.
ويمكن لأنواع من الصداع الثانوي أن تحدث دون إنذار أو قد تتفاقم مع التمارين. ويصاب الشخص بالصداع الثانوي محمّلا بأعراض أخرى مثل ارتفاع درجة الحرارة، وتصلّب العنق، والدوار، والارتباك. ويمكن أن ينتج عن مشكلات في الأسنان، أو احتقان الجيوب الأنفية.
وتحدّث الدكتور دانان عن نوع من الصداع يتطلّب من صاحبه أن يترك كل شيء ويسرع إلى غرفة الطوارئ. وقال إنه يوصف بـ”بداية مفاجئة لأسوأ صداع في حياتك”.
وهذا ما يسمى “صداع الرعد”، والذي يمكن أن يتسبّب لصاحبه بفقدان الوعي، وعدم وضوح في الرؤية، وتصلّب الرقبة، وشعور بالإجهاد، وصعوبة في التنفس والقيء، وارتفاع درجة الحرارة. كما يمكن أن يشعر المصاب بتغيرات في حاسة السمع (مثل سماع أشخاص يتحدثون بجوارك ويبدون وكأنهم بعيدون).
ويقول إن الأمر قد يصل إلى نزيف مفاجئ في الدماغ أو جلطة دماغية أو ورم. كما يمكن أن يكون نتيجة لتمزق في بطانة الشريان الذي يعمل على إمداد المخ بالدم، أو التهاب السحايا، وتسرب سائل النخاع في الدماغ نتيجة لتمزق في غلافه. وهنا، لا يصبح شرب الماء والنوم عامليْن يمكنك اتباعهما. وقد يتطلّب الأمر التدخل الجراحي إذا كانت المشكلة في خطورة تسرّب السائل النخاعي، حيث يجب أن يعمل الطبيب على علاج الغلاف الذي تمزق.
ولحسن الحظ، تعدّ جلّ آلام الرأس المرتبطة بالتمرين من النوع الذي يتلاشى بسرعة بمجرد الراحة. لكن، لا يعني هذا إمكانية تجاهلها.
يقول الدكتور دانان “يعدّ أي نوع من الألم، بما في ذلك الصداع، إشارة من جسمك. ويجب عليك أن تهتم به بالبحث عن أسبابه”.