لماذا تتحمل الأمهات وحدهن أخطاء الأطفال؟

تحمل المجتمعات العربية الأمهات بدرجة أولى مسؤولية أخطاء الأبناء، وتساهم عائلة الزوج في انتشار هذا التفكير في حال انحرف أطفال العائلة أو حادوا عن الطريق السليم. وفي المقابل يتم الثناء على الآباء في حال بدر عن الأطفال سلوك طيب.
الشارقة ـ تلقي المجتمعات الشرقية غالبا اللوم على الأمهات في حال أخطأ أبناؤهن، ولأنها مجتمعات ذكورية يتم الثناء على الآباء في حال قام الأبناء بأشياء إيجابية.
وقال خبراء علم الاجتماع إنه بالرغم من أن الأبوة مسؤولية جسيمة، إلا أنه في كل مرة يخطئ فيها الطفل يقع اللوم على الأم فقط. وفي المقابل، عندما يحقق الأطفال إنجازا ما، أو تتم الإشادة بهم، فإن الآباء يبتهجون ويفخرون، حتى أنهم يعتبرون ذلك إنجازا خاصا بهم. وتابعوا “ليس الآباء فقط، ولكن المجتمع أيضا يلوم الأم وينسب الفخر للوالد في معظم الأحيان”.
وأضاف الخبراء أنه في أربعينات القرن الماضي ربط الطبيب النمساوي ليو كانر سبب اضطراب طيف التوحد بنقص حقيقي في دفء الأم. وخلال الفترة الزمنية نفسها ألقى عالم النفس سيغموند فرويد وعلماء نفس آخرون باللوم على الأم في مرض انفصام الشخصية، إذ ربطوا بينه وبين رفض الأم وعدم الارتباط بها.
بالرغم من أن الأبوة مسؤولية جسيمة، إلا أنه في كل مرة يخطئ فيها الطفل يقع اللوم على الأم ويتم تحميلها المسؤولية
وقال سلطان حميد الجسمي “طالما ارتبط مفهوم التربية مع وجود المرأة، فعندما نتحدث عن الطفل، نتحدث عن الأم مباشرة، دون أن نلقي الضوء على دور الأب في هذه التربية وأهمية دوره في بناء شخصية الطفل. وبما أننا نعيش في مجتمع شرقي تكون فيه للرجل صلاحية تحديد مختلف أمور البيت، فقد يلقي على عاتق المرأة مسؤولية التربية كاملة، ليس فقط لأن الأب مشغول بتوفير لقمة العيش، بل قد يكون جهلا منه بأهمية وجوده في مراحل تربية الطفل وما يخصه في بناء شخصيته بشكل متوازن”. وأضاف الإعلامي والكاتب ومؤلف الروايات الإماراتي أن الأسرة المكونة من زوج وزوجة وأبناء، تحتاج إلى منهجية خاصة ودعائم قوية في علاقاتها في ما بينها وفي معاملاتها مع أفرادها، حتى تستطيع تحقيق السعادة وتحصيل الغايات والأهداف المنشودة.
وفي دراسة قام بها كل من الباحثين بولاج كابلان وإيان هول مكوركوديل لمجموعة واسعة من المجلات الطبية المتعلقة بالصحة العقلية، تم إلقاء اللائمة على الأمهات في مجموعة واسعة من المشاكل؛ ففي 125 مقالة في الدراسة تم تحميل الأمهات مسؤولية 72 نوعا مختلفا من الاضطرابات النفسية لدى أطفالهن، بدءا من رهاب الخلاء وفرط النشاط إلى الفصام، والحداد المبكر إلى التحول الجنسي القاتل؛ إلى درجة أن دراسة أكاديمية أرجعت أداء الفتيات السيء نسبيا في الرياضيات إلى أمهاتهن.
واعتبر علماء النفس أن هذه الصورة الجماعية للأمومة المُمْرِضة ليست قابلة للتصديق علميا فحسب، بل إنها أيضا مدمرة اجتماعيا.
وقال الجسمي “بالرغم من أن الأم هي الأساس في حياة الطفل منذ الولادة، إلا أنه تبقى لدور الأب أهميته، وذلك من خلال تقديم الحنان الأبوي والسهر على حياة الطفل وحمايته من كل أذى، بالتواصل معه والتقرب منه، فينمو الطفل ويكبر على أسس تربوية سليمة، فالأدوار التي يقوم بها كل من الأب والأم مهمة جدا في الإنماء التربوي للطفل، رغم اختلافها”.
ويعني وجود الأب في حياة الأطفال الحماية والرعاية والقدوة والسلطة والتكامل الأسري، فالأطفال بحاجة إلى أن يشعروا بأن هناك حماية ورعاية وإرشادا يختلف نوعا ما عما يجدونه عند الأم، وبأن الأب هو الراعي الأساسي للأسرة، وهو المسؤول عن رعيته، فوجود الأب كمعلم في حياة الطفل يعتبر من العوامل الضرورية في تربيته وإعداده.
وأضاف أن بعض الآباء يظنون أن دور الرجل يقتصر على تأمين السكن والملبس والمصاريف، ويعرفون مفهوم رب الأسرة بأنه ذلك الدكتاتور المتسلط الحازم في كل شيء، لكن هذا خطأ فادح، فمشاركة الأب في تربية الأبناء شيء في غاية الأهمية، لما له من تأثير قوي في شخصية الأبناء، فالأب يستطيع تحقيق التوازن الأسري من خلال اهتمامه بأبنائه ومصاحبتهم ومعرفة أفكارهم وميولهم وهواياتهم.
ويحرص الآباء والأمهات على تنشئة أطفالهم بشكل سليم وصحي قدر الإمكان، لكن تظل بعض الأخطاء التربوية التي قد يقترفونها دون قصد وتؤثر على تنشئة أطفالهم.
ولا يقتصر تأثير التربية على مرحلة الطفولة، بل يمتد تأثيرها طوال العمر. فكما أن التربية السليمة للطفل تؤثر على مستقبله إيجابا، فإن وجود أخطاء في تربية الأطفال له تأثير سلبي على حياتهم المستقبلية.
سلطان حميد الجسمي: مسؤولية التربية كاملة تلقى على عاتق المرأة
ومع ذلك، فإن ضغوط الحياة والمهام الكثيرة المطلوبة من الوالدين تعرضهما بشكل أو بآخر للوقوع في أخطاء دون أن يشعرا بذلك.
وقالت الاختصاصية في الصحة النفسية ريان البدوي النجار إن أبرز الهفوات التي يرتكبها الوالدان أثناء تربية أطفالهما دون أن يدركا هي الانتظار ليبلغ الطفل سنا معينة لإرشاده ظنا من الأهل أن الطفل لا يزال “صغيرا أو لا يفهم”.
وأضافت أن الطفل مهما كان عمره يتعلم من خلال أدواته الخاصة التي يطوّرها مع نموه الجسدي والإدراكي والنفسي. وكلما تم استخدام تقنيات التربية الصحية مبكرا، ساعد ذلك الطفل على تطوير مهاراته بالتزامن مع نموه.
كما أن الاعتقاد بأن الطفل في سن معينة يصبح مدركا للسلوك المرغوب، خطأ أيضا يرتكبه الآباء في تربية أبنائهم دون أن يشعروا بذلك.
وقالت البدوي “نعتقد أنه يعرف بنفسه التصرف المرغوب فيه والمنتظر أداؤه، كأن يكون عمره 5 سنوات وعندما يأكل تتسخ ملابسه والمكان حوله فيوبخه الأهل بكلام قاس من مثل ‘أصبحت كبيرا ولا تعرف كيف تأكل'”.
وأضافت “عندما نتأخر في تعليم الطفل طريقة الأكل السليمة ونتأخر بالسماح له بالأكل بنفسه لا يمكننا توقع أنه يعرف كيف يجب أن يأكل وما العوائق التي تساهم في اتساخ ملابسه والمكان. فعلينا توجيه الطفل للسلوك الذي نود تعديله كأن نعطيه ملعقة مناسبة لفمه، وتوجيهه لتقليل كمية الطعام في الملعقة، والأكل بهدوء. ويجب إبعاد المؤثرات التي تشتت تركيزه كالألعاب والأجهزة الإلكترونية وإطفاء التلفاز أثناء تناول الطعام. علينا تذكر أن الطفل يتعلم بإرشاده”.
كما أن مقارنة تطور مهارات الطفل بأطفال آخرين من عمره هفوة تسرق من الأهل فرصة الاستمتاع بمهارات الطفل، والعمل على تعزيزها وتقوية المهارات الأخرى، فيشعر الطفل أنه عاجز ولا يستطيع القيام بشيء، وأن الآخر أفضل منه، مما ينعكس على أدائه اليومي والمدرسي والاجتماعي. فهو لا يثق بنفسه وبقدراته.