لقاحات كورونا مصدر خصب لعشاق نظرية المؤامرة

الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ساهما في تضخيم الشائعات.
الاثنين 2021/08/02
بينك وبين الموت جرعة لقاح أو نظرية مؤامرة

نظرية المؤامرة كانت حاضرة دوما في تاريخ البشرية، إلّا أن حضورها كان أكبر بين شعوب العالم الثالث. ومع انتشار جائحة كورونا التي تعتبر واحدة من أكبر التهديدات التي واجهتها البشرية في العصر الحديث كثرت القراءات المبنية على نظرية المؤامرة، لتتحول الظاهرة إلى جائحة مع بدء توزيع اللقاحات في العالم.

كل ما هو جديد مصدر للارتياب في دول العالم الثالث، بما في ذلك الغرباء. ولطالما أثار الحديث عن التكنولوجيا والاختراعات الحديثة المئات من التأويلات والإشاعات، فإما أن نغرق في نظرية المؤامرة، وإما نتعامل مع تلك المبتكرات على أنها شرّ لا بد منه.

لدى شعوبنا خوف موروث من كل ما هو جديد.

العقلية العربية التي طالما روّجت لنظرية المؤامرة لم تستثن شيئا إلّا وطالته. أليست أحداث 11 سبتمبر مؤامرة لتبرير غزو المنطقة، والحرب “الكونية” على سوريا، أليست هي الأخرى مؤامرة. ألم تكن موسيقى الروك والمغني مايكل جاكسون مؤامرة على العقل العربي، وهوليوود اختراع أميركي الهدف منه غزونا ثقافيا؟

حتى سجائر مالبورو وعبوة الكوكاكولا وبنطلون الجينز لم تسلم من أصحاب نظرية المؤامرة.

امتداد للحملات الصليبية

ديفيد آيك: مجموعة يهودية تقف خلف انتشار فايروس كورونا المستجد
ديفيد آيك: مجموعة يهودية تقف خلف انتشار فايروس كورونا المستجد

عقلية المؤامرة بدأت مع وصول أول أفواج المقاتلين الأوروبيين إلى سواحل شرق البحر المتوسط ضمن الحملات الصليبية، وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا؛ ألم يكن “غزو” الرئيس الأميركي جورج بوش للعراق امتدادا للحملات الصليبية؟

لم يختلف الأمر مع ظهور كورونا، التي “صنعت خصيصا لضرب اقتصادياتنا”، وعندما شاهدنا أن الغرب متضرر من الوباء تراجعنا عن هذا الاتهام. وتحولنا إلى نشر شائعات طالت هذه المرة اللقاحات.

ورغم أن تلك الشعوب لا تمتلك البنية العلمية للمساهمة في تطوير اللقاحات، وتفتقر للموارد المالية للقيام بمثل هذا العمل إلا أن ذلك لم يمنعها من حيازة النصيب الأكبر في ترويج الشائعات.

لم تجد شعوب العالم الثالث غضاضة في استهلاك المنتج الغربي، وفي نفس الوقت تبذل جهدها لمكافحة ما تطلق عليه الغزو الثقافي الذي تتعرض له من قبل الغرب.

أكثر من ذلك، المهاجرون الذين يحطّون الرحال على شواطئ الغرب، سواء كان ذلك قانونيا، أو عن طريق هجرات غير قانونية (حرقة)، معرضين حياتهم وحياة أطفالهم لخطر الموت، يستميتون للحصول على جوازات سفر غربية، وبنفس الوقت يشككون باللقاحات التي تنتجها تلك الدول، بوصفها جزءا من ثقافة الغرب الذي يعمل سرا على إبادتنا.

الشائعات التي يستخدمونها لدعم نظرية المؤامرة، لئن كانت في جانب منها مضحكة، إلا أنها من جانب آخر تستدعي الأسف.

اليوم تمارس الكثير من شعوب العالم الثالث ومن المهاجرين الحديث عن صلاحية اللقاحات ويمتنعون عن أخذها، وقال مسؤول خدمة تقصّي صحة الأخبار باللغة العربية في فرانس برس إن الوكالة نشرت ما يصل إلى 170 تقريرا عن المعلومات الخاطئة التي انتشرت خلال الوباء.

وأوضح أن “المشاهدات والمشاركات الهائلة لهذه المعلومات المضللة، تجبرنا على التعامل بجدية مع هذه المواضيع الهزلية أساسا”، لافتا إلى أن هناك فريقا مختصا في وكالة فرانس برس لرصد كل المعلومات التي تثير الشكوك في مواقع التواصل الاجتماعي قبل تفنيدها.

يقال إن الجهل يقف وراء كل المخاوف. وما بني حول لقاحات كورونا من شائعات سببه الأول، الجهل. وسببه الثاني، الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ساحة يبث من خلالها عشاق المؤامرة نظرياتهم ما دفع شركة تويتر إلى التأكيد على أنه سيكون مطلوبا من المستخدمين حذف التغريدات الجديدة التي تقدم مزاعم كاذبة أو مضللة حول لقاح كوفيد – 19، وذلك في توسيع لقواعدها بشأن المعلومات الخاطئة عن الفايروس.

مشروع تطبخه النخب

أندرو كوفمان: فايروس كورونا من إنتاج بيل غيتس ووزارة الدفاع الأميركية
أندرو كوفمان: فايروس كورونا من إنتاج بيل غيتس ووزارة الدفاع الأميركية

شعوب العالم الثالث، ومن ضمنها العرب، استهلاكية بامتياز. والاستهلاك هنا لا يقتصر على السلع والمنتجات الغذائية، بل استهلاك المعرفة والعلم، وصولا إلى الشائعات ونظريات المؤامرة.

ورغم أن مصدر هذه الشائعات غالبا هو دول أوروبية والولايات المتحدة، إلا أن مروجيها هم في الغالب من دول العالم الثالث ومن المهاجرين المقيمين في الغرب.

ومن ضمن نظريات المؤامرة التي يتم ترويجها، وتلقى قبولا في العالم الثالث، نظرية تقول إن الوباء مبتكر لأجل الوصول إلى حكومة عالمية واحدة، ويعتبر الطبيب الأميركي أندرو كوفمان من أبرز المروجين لها.

وتزعم النظرية أن مجموعة من زعماء العالم خططوا لتفشي الوباء من أجل السيطرة على الاقتصاد العالمي.

ويقول كوفمان إن تبني الدول لسياسات متماثلة في مواجهة الوباء يؤكد أن “هناك جماعات تتحكم بالحكومات، وهذا يتطابق مع رؤية الحكومة العالمية الواحدة. ستعمل هذه الحكومة الشمولية إلى تخفيض عدد السكان، وتوحيد النظام المالي وتوحيد العملة”، ويؤكد كوفمان أن نظرية الحكومة العالمية الواحدة مذكورة في قرارات منظمة الأمم المتحدة. وبحسب رأيه، لقد أنتج الفايروس كلّ من بيل غيتس ووزارة الدفاع الأميركية.

وكوفمان نفسه مؤيد قوي لنظرية الشريحة الإلكترونية النانوية التي ستزرع عبر اللقاحات، وهي النظرية الأكثر انتشارا عن لقاح كورونا، وكثيرا ما يشار إليها بـ”أم الشائعات”، ويدعي مروجو النظرية أن جميع البشر سيحقنون بها تحت مسمى لقاح، وهي “مشروع عملاق تطبخه النخب العالمية، ومنها عائلة روتشليد، تسعى إلى الرقمنة الكاملة لأنشطتنا المجتمعية من التنظيم، إلى التعليم والاقتصاد والصحة. ليصبح هناك رقم هوية موحد عالمي لكل شخص. وكورونا ذريعة فقط لإعطائنا اللقاح، الذي يحوي الشريحة في الجسم لتحدد موقع الإنسان والمعلومات البنكية، والتواريخ المرضية عن كل فرد، وهي مربوطة بالأقمار الصناعية. يهدف المشروع في المستقبل إلى التحكم بأعصاب الناس، ودفعها إلى القيام بأفعال لا إرادية”.

تبين الدراسات أن 52 في المئة من الفرنسيين يرفضون أخذ اللقاح، وفي لبنان تصل هذه النسبة إلى 38 في المئة، وإذا نظرنا إلى الأسباب المتعددة لرفضهم ذلك، فإننا نجد أن بينهم نسبة 35 في المئة يرفضون أخذ اللقاح لتضارب المعلومات حوله.

كما انتشر مقطع مصور يعود إلى شهر أغسطس 2020، حصد الملايين من المشاهدات، يزعم أن الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب هو من يمكنه إحباط هذا المخطط السري، الذي يستخدم كوفيد – 19 لإخضاع الاقتصاد الأميركي.

نظريات المؤامرة التي استخدم فيها اسم منظمة الصحة العالمية تجد مؤيدين لها بين شخصيات مرموقة في الغرب

ولن نستغرب أن يكون 52 في المئة من الفرنسيين يرفضون أخذ اللقاح، إذا علمنا أن فيلما انتشر على يوتيوب وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى يتحدث عن مخطط عالمي، سري بالطبع، يروج لمعلومات مضللة ونظريات مؤامرة بشأن فايروس كورونا واللقاحات لا أساس لها. ومنها مزاعم أن صفوة العالم خططت للوباء بصورة ما.

وكذلك تم تداول مقطع مصور على صفحة مناهضة للقاحات على موقع فيسبوك وعلى على تطبيقي واتساب وإنستغرام.

يزعم المقطع أن الشركات المصنعة استخدمت أنسجة أجنة مجهضة في لقاح كورونا، وأنه يقوم بتغيير حمضها النووي.

وضمن جهودها لمواجهة الشائعات نقلت شبكة “بي.بي.سي” عن الدكتور مايكل الخبير في جامعة “ساوثهامتون” القول، إنه “لا يتم استخدام خلايا جنينية في أي عملية لإنتاج لقاح”.

هذا علاوة على الملايين من التدوينات والتغريدات التي تقارن بين اللقاحات المختلفة بطريقة كوميدية.

مكافحة الكراهية الرقمية

​​​​​​ما بني حول لقاحات كورونا من شائعات سببه الأول الجهل وسببه الثاني الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي
​​​​​​ما بني حول لقاحات كورونا من شائعات سببه الأول الجهل وسببه الثاني الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي

لم يتوان مروجو الشائعات عن استخدام أسماء علمية بارزة، يقوّلونها ما لم تقله. وتزعم رسالة انتشرت على موقع واتساب باللغة الهندية أن منظمة الصحة العالمية قامت بتحديث لموقعها الإلكتروني، قالت فيه إن فايروس كورونا لا يمثل تهديدا أكثر من الأنفلونزا الموسمية، وبالتالي لا يتطلب إجراءات إغلاق وتباعد اجتماعي وارتداء كمامات.

بالطبع منظمة الصحة العالمية، سارعت إلى نفي ما جاء في الرسالة قائلة إنها لم تصدر عنها، وأن إرشاداتها بخصوص ارتداء الكمامات وإجراءات التباعد الاجتماعي لم تتغير.

نظريات المؤامرة التي استخدم فيها اسم منظمة الصحة العالمية تجد مؤيدين لها بين شخصيات مرموقة في الغرب، أبرزهم الكاتب الإنجليزي ديفيد آيك، الذي قال إن منظمة الصحة العالمية ستسيطر على ما يحدث في العالم.

وحظر موقع فيسبوك صفحة آيك مبررا ذلك بأن الكاتب يقوم بنشر “معلومات صحيّة مغلوطة قد تسبّب أذى جسديا”.

ونشر آيك، ادعاءات مغلوطة عديدة حول فايروس كورونا، من بينها أنّ شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس (5G) مرتبطة بانتشار الفايروس.

وبعد الحظر، نشر حساب آيك على تويتر تغريدة جاء فيها “فيسبوك الفاشي يمحو (صفحة) ديفيد آيك. النخبة مذعورة”.

جاء الحظر بعدما طالب “مركز مكافحة الكراهية الرقمية” في بريطانيا، في رسالة مفتوحة لشركات التقنية، بحظر حساب آيك.

وجاء في الرسالة أنّ أمازون وفيسبوك وتويتر ويوتيوب، ساهمت بتضخيم “عنصرية آيك وأكاذيبه حول كوفيد – 19، وإيصالها إلى الملايين”.

وتقول ماريانا سبرينغ مراسلة بي.بي.سي المختصة بالأخبار الكاذبة ومواقع التواصل، إنّ ديفيد آيك روّج لعدّة نظريات مؤامرة على مواقع التواصل خلال الجائحة، ما تسبّب له بأزمات مع الشركات المشغلة لمواقع التواصل، والهيئات المسؤولة عن البث.

ولئن كانت الدول الغربية قادرة بمواردها المالية والاقتصادية على امتصاص التأثير السلبي لنظريات المؤامرة، فإن دول العالم الثالث التي تعاني من مشكلات اقتصادية، قد تعجز عن تجنب الآثار المترتبة عن مثل هذه الشائعات.

والخوف أن يتحوّل ترويج مثل هذه النظريات إلى مؤامرة تكون شعوب العالم الثالث أول ضحاياها.

12