لصوص النحاس في تونس يطفئون النور ويقطعون الاتصالات

تونس - تنامت ظاهرة سرقة الأسلاك النحاسية في تونس خلال السنوات الأخيرة، وشملت استهداف الأملاك الخاصة والعامة للتونسيين، وسط تأكيد المراقبين على كونها أضحت ظاهرة منظمة في شكل شبكات “إجرامية” تطفئ النور وتقطع الاتصالات.
ويقول متابعون للشأن المحلي، إن سرقة النحاس ظاهرة استفحلت خصوصا بعد 2011، وشهدت تطورا وفق الاحتياجات وندرة المادة وغلاء أسعارها، وسط مطالب بضرورة تشديد الرقابة على المخالفين واعتماد الفوترة في عمليات البيع والشراء.
وتمكنت وحدات منطقة الحرس الوطني بقفصة (غرب) من الاحتفاظ بشقيقين يقطنان بمنطقة القصر، من ذوي السوابق العدلية، وذلك على خلفية تورطهما في قضية سرقة أسلاك كهربائية.
وقد تمت مداهمة مقر سكناهما، حيث تم حجز حوالي 600 متر من الأسلاك النحاسية، وتبين وفق المعاينة الأولية التي أجراها الممثل القانوني للشركة المتضررة أنها تابعة لذات الشركة، وفق ما جاء في بلاغ صادر عن الإدارة العامة للحرس الوطني.
كما تمكنت دوريات تابعة لمنطقة الحرس الوطني بمنوبة من إيقاف شاحنة خفيفة كان على متنها شخصان حيث تم حجز حوالي 500 كلغ من مادة النحاس المُهرّب داخل الشاحنة، بالإضافة إلى مبلغ مالي هام من العملة التونسية. وجددت الإدارة العامة للحرس الوطني دعوتها للمواطنين إلى ضرورة الإبلاغ الفوري عن كل تحرّك مشبوه أو أنشطة غير قانونية.
وتقف وراء السرقات شبكات منظمة، وتشمل عملياتها أسلاك كهرباء وخطوط اتصالات تستخرج النحاس منها وتبيعه إلى تجار ومهربين. تفشت الظاهرة خلال السنوات الأخيرة، إذ أحبطت أجهزة الأمن مئات من عمليات تهريب النحاس عبر الحدود البرية أو الموانئ.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “هذه الممارسات هي شكل من أشكال الإجرام وهناك شبكات إجرامية منظمة في هذا الشأن، كما أن الإجرام يتطوّر وفق الاحتياجات وندرة المواد، وبالتالي المحاصرة الأمنية ضرورية، ومن المفروض أن كل من يقوم ببيع هذه المادة يخضع للرقابة وإثبات مصدرها.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “شركات الاتصالات أيضا تعرضت لهذا الصنف من الإجرام، وبالتالي لا بدّ من اعتماد الفوترة عند بيع الأسلاك النحاسية وتنظيم المجال في علاقة بالسوق الموازية.”
وتابع ثابت “شبكات سرقة النحاس منظمة منذ 2011 بصفة خاصة، وربما يعود ذلك إلى ندرة المادة وغلائها، كما أنها تستهدف الأملاك الخاصة والعامّة، وهي شبكات تروّج المادة، وقد يكون هناك مصانع لإعادة تصنيع النحاس.” وتتواتر انقطاعات الكهرباء والماء الصالح للشرب في تونس، وتتعطل خطوط الاتصالات في عدة مناطق.
ولئن كانت تلك الانقطاعات تحدث أحيانا بسبب سوء الأحوال الجوية أو أعطال تقنية أو تنفيذ أشغال وإصلاحات في الشبكات، فإنها ترتبط في كثير من الأحيان بانتشار ظاهرة سرقة أسلاك وأنابيب نحاس صغيرة لتهريبها خارج البلاد أو بيعها في السوق السوداء.
وأكد المحلل السياسي والخبير الأمني، خليفة الشيباني أن “الظاهرة قديمة، والنحاس لديه بورصة في العالم مثل الذهب وغيره وأسعاره باهظة.” وأوضح لـ”العرب”، “أحياناً لسرقات النحاس المتسببة في قطع الكهرباء خلفيات سياسية لإثارة التذمر لدى المواطنين، وقد تصدى الأمن التونسي للعديد من العمليات، وتؤكد الظاهرة تطور الجريمة في البلاد.”
وكثيرا ما تصدر الشركة التونسية للكهرباء والغاز بلاغات تردّ فيها على شكاوى المواطنين من انقطاع الكهرباء، بالتأكيد على أنها ترتبط بأعمال تخريب تطاول الشبكات، خصوصاً في المناطق النائية والقرى التي لا تشهد حركة كبيرة ليلاً، ما يسمح بسرقة العصابات الأسلاك.
وكانت الشركة التونسية للكهرباء والغاز حددت في تقرير أصدرته العام الماضي خسائرها من سرقات كابلات الكهرباء بأكثر من 3 ملايين دولار خلال 9 سنوات تشمل مصاريف الصيانة واقتناء تجهيزات جديدة. ويقول مراقبون، إن الكلغ الواحد من النحاس يصل اليوم في السوق السوداء إلى أكثر من 20 دينارا (6.66 دولارا).
وفي وقت سابق، أفاد منجي خليفة عضو الجامعة النقابية للشركة التونسية للكهرباء والغاز أن “الشركة اقتنت سنة 2021 بما قيمته 20 مليون دينار (6.66 مليون دولار) من شراءات الكوابل بين التعويضات واحتياجات الشركة وأن قيمة التعويض في حدود 7 ملايين دينار (2.33 مليون دولار)، مشددا على أن الكابل الذي تتم سرقته هو مسالة حيوية وتقنية ولا يمكن للستاغ عدم تعويضه.”
وفي 2015 أكدت شركة الكهرباء والغاز وفاة 20 شخصا حاولوا سرقة النحاس وبعضهم وجد ميتا بصعقات كهربائية تحت العمود.. والقيام بهذه المغامرة المحفوفة بخطر الموت من طرف بعض الشباب يعود إلى سعر النحاس باهظ الثمن والذي يجعل بعض المجموعات تقوم بسرقته من أعمدة كهربائية وتهريب النحاس المسروق عبر ميناء رادس وهو ما كلف شركة “الستاغ” بالإضافة إلى سرقة الكهرباء حوالي 200 مليون دينار كما أكد ذلك مدير الشركة حينها.