لجان أسرية متخصصة للتقليص من ظاهرة الطلاق في مصر

تبدأ اللجان الأسرية المتخصصة في حل مشكلات الأزواج وثنيهم عن الوصول إلى الطلاق في عملها انطلاقا من محافظات القاهرة، ليتم تعميم التجربة على كافة مناطق جمهورية مصر التي بلغت فيها نسب الطلاق أرقاما مفزعة. وتتكون اللجان من شيوخ وعلماء اجتماع ونفس ومختصين في العلاقات الأسرية.
القاهرة - لجأت الحكومة المصرية إلى خيار جديد يستهدف تحجيم ظاهرة الطلاق التي أصبح من الصعب السيطرة عليها، وذلك باستحداث لجان من رجال دين وواعظات ومتخصصين في علمي الاجتماع والنفس، مهمتهم الجلوس مع الزوجين الراغبين في الطلاق عدة مرات قبل اتخاذ القرار النهائي بالانفصال.
وفق الاتفاق الموقع بين دار الإفتاء ووزارة العدل في مصر، سيتم البدء في التجربة بمحافظات منطقة القاهرة الكبرى، على أن يتم تعميم اللجان على نطاق الجمهورية لاحقا، بحيث تكون في صورة هيئات مشورة أسرية تقنع الزوجين أكثر من مرة بعدم اتخاذ قرار الطلاق وتحاول التوفيق بينهما حسب نوع المشكلة.
ويشمل الاتفاق تدريب المأذونين الشرعيين أنفسهم على عدم الانصياع لرغبة أي طرف من الزوجين بالطلاق سريعا، ويتم تعطيل الإجراء بإرسال الشريكين أولا إلى اللجان والجلوس مع المختصين وشرح المشكلة والتعرف على إمكانية الحل، على أن يكون الطلاق في هذه الحالة هو آخر الحلول الممكنة.
تهدف الحكومة من وراء الخطوة إلى إزالة الخلافات بين الزوجين بشتى السبل ومحاولة تقريب المسافات بينهما والجلوس مع كل منهما بشكل منفرد، ويقوم بذلك متخصصون اجتماعيون ونفسيون وشيوخ يشرحون لكل منهما مخاطر الانفصال وكيفية التعايش بهدوء ووسائل عبور الأزمات قبل الوصول إلى الطلاق.
وظلت دار الإفتاء بلا دور واضح في مواجهة الأسباب التي تقود الزوجين إلى تفكيك الأسرة، وستكون المهمة الجديدة أقرب إلى استطلاع الرأي في كل حالة ترغب في الطلاق لإقناع الزوجين أو أحدهما بتعديل القرار.
وتكمن المشكلة في أن المأذونين أنفسهم كانوا يستجيبون للأزواج بإقرار الطلاق بينهما دون العودة إلى أي جهة أو مؤسسة يمكن أن ترشدهم للصواب، وبعد الاتفاق بين وزارة العدل ودار الإفتاء سيكون ملزما أن يُرسل الطرفان للجان فض النزاعات الأسرية.
ولا يريد عدد كبير من الراغبين في الانفصال الوصول إلى هذه المرحلة، وكل أزمتهم في عدم وجود من ينير بصيرتهم إلى الصواب، لأن الكثير من الأزواج يتخذون هذا القرار بلا روية وانطلاقا من مشكلات واهية تغذيها تدخلات عائلية، وهو الأساس الذي بنيت عليه فكرة لجان الإفتاء للمشورة الأسرية.
البدء في التجربة سيتم بمحافظات منطقة القاهرة الكبرى، على أن يتم تعميم اللجان على نطاق الجمهورية لاحقا
ويعوّل متخصصون على الخطوة في تقليل معدلات الطلاق، لأن مؤسسة الأزهر لديها لجان لفض النزاعات الأسرية نجحت إلى حد بعيد في حل خلافات أزواج كانوا على حافة الطلاق بعدما شاركتهم المشورة وتجاوزوا مشكلاتهم بهدوء.
وتسعى الحكومة إلى مواجهة أزمة الطلاق بشتى السبل، ولا تملك سوى الخطوات الإرشادية وتشكيل لجان هدفها حل الخلافات وديا قبل الوصول إلى مرحلة هدم الأسرة.
وتحتل مصر مرتبة متقدمة عالميا في معدلات الطلاق، ما يشكل خطرا على المجتمع، لذلك تتعامل الحكومة بجدية لانعكاساته السلبية على العلاقات الاجتماعية وما يترتب عليها من نزاعات، فقد صار الملف مزعجا لرئيس الدولة شخصيا.
وتتحرك الحكومة في مسارات عديدة لتحجيم ظاهرة الطلاق، عبر وزارة التضامن من خلال جلسات المشورة الزوجية بالتعاون مع الكنيسة ودار الإفتاء أو إلزام المأذونين بعدم توثيق الطلاق قبل خضوع الزوجين لدورات إرشاد أو اللجوء إلى متخصصين في المحاكم مهمتهم حل النزاعات قبل الطلاق الرسمي.
ومع ذلك لا تزال الأزمة تتصاعد بعدما صار الطلاق الخيار الأول للكثير من الأزواج الشباب بسبب قلة الخبرة بطبيعة العلاقة الزوجية وغياب الوعي في ما يخص إنهاء الخلافات وزيادة الضغوط المعيشية وعدم تأهيل الشباب والفتيات ليصبحوا قادرين على تكوين أسرة مستقرة.
وسبق للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن عبر عن انزعاجه من إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الذي انتهى إلى وجود قرابة 40 في المئة من المتزوجين الجدد يصلون إلى مرحلة الطلاق في السنوات الخمس الأولى من الزواج، وهي نسبة كارثية تجب مواجهتها بالوعي أو الإرشاد أو اتخاذ إجراءات تشريعية معرقلة للطلاق.
وميزة اللجان أنها تتكون من متخصصين من علم النفس والاجتماع وخبراء في العلاقات الزوجية، لأن المؤسسة الدينية اعتادت مواجهة الطلاق عبر رجال الدين فقط الذين اعتادوا اختزال الأزمة في الحلال والحرام بعيدا عن النظر إلى الأبعاد الإنسانية والمخاطر التي تحاصر الزوجين مستقبلا والمصير المجهول الذي ينتظر الأبناء.
من مهام لجنة الخبراء الجلوس مع كل زوج بشكل منفرد لسماع المشكلة وسببها، ووضع حلول عقلانية لها، بعيدا عن سماع آراء الأقارب والأهل والأصدقاء، بحيث يتم توجيه كل منهما للصواب، ثم يتم جمعهما في جلسة واحدة للاتفاق على نمط محدد للحياة الزوجية بعيدا عن الخلافات والصدامات بينهما.
ويرى متخصصون أن الخطوة بادرة لإعادة تأهيل الأزواج الذين يتجهون إلى منطقة الخطر ويفتقدون الحدّ الأدنى من أبجديات الحياة الأسرية، في ظل ضعف دور المجتمع والمؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية عن القيام بدورها للحدّ من تأثيرات هذه المشكلة.
وأكدت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة أن أكبر أزمة تواجه الزوجين المقبلين على الطلاق ترتبط بعدم وجود من يرشدهما للصواب، ويسمع منهما تفاصيل المشكلة ويحاول حلها لمنع انهيار الأسرة، ولو وجد كل شريك من يتدخل بينهما للصلح دون مصلحة ذاتية ستنخفض معدلات الطلاق، ويأتي دور الإرشاد الأسري.
وجود هذه اللجان تحت مظلة لجنة منهجية تحظى بالثقة يزيل الكثير من العقبات لكن الأهم أن تنتشر فكرة هذه اللجان بين الأسر نفسها
وأضافت لـ”العرب” أن جلوس الزوجين مع متخصصين والحديث بشكل تفصيلي يمكن من الوقوف على ظروفهما الاجتماعية والنفسية والدوافع التي أوصلتهما إلى هذه المرحلة، ومن المؤكد أن قرارهما سيتغير بنسبة كبيرة ويعدلان عن الانفصال، بعد تعريفهما بمخاطر ما بعد الطلاق، فقد باتت غالبية أسباب الانفصال واهية ويمكن حلها بسهولة بمعرفة المتخصصين وأصحاب الخبرة.
وذكرت أن وجود مثل هذه اللجان تحت مظلة لجنة منهجية تحظى بالثقة يزيل الكثير من العقبات، ومن المهم أن تنتشر فكرة وجود مثل هذه اللجان بين الأسر نفسها، لأن بعض العائلات لا تعرف شيئا عن لجان الإرشاد الأسري ودورها، وهنا تقع المسؤولية على المأذون في عدم توثيق أي عقد طلاق دون استفتاء رأي اللجان أولا.
ويتهم المأذونون الشرعيون في مصر بأنهم من أسباب تفشي الطلاق لأنهم ينفذون رغبة الزوج في الطلاق ولا يرشدون الشريكين إلى الطريق الصواب، بزعم أن وظيفتهم هي الزواج والطلاق، لكن صار إلزاميا عليهم عدم توثيق إنهاء العلاقة قبل خضوع الطرفين لجلسات مشورة ونصح.
يخشى البعض من الخبراء أن تصبح خطوة اللجان مقدمة لتكريس الطلاق الشفهي دون التعاطي مع توجه الحكومة، الذي يرمي إلى إقرار الطلاق الموثق فقط من خلال إظهار أنها تحاول حل المشكلة بعيدا عن تغيير صيغة وطريقة الطلاق من الشفهي إلى الموثق عبر لجان لحل النزاعات الأسرية.
وتعد دار الإفتاء هي الجهة الوحيدة التي تقول إن طلاق الزوج وقع أم لا، لكن الحكومة ترفض استمرار هذا الوضع لأنه يصعب تحديد مصير علاقة أسرية ومستقبل الأبناء وفق قناعات شخصية وأحكام يصدرها رجال الدين وحدهم، ولذلك فلا بديل عن تدخل حكومي بتشريع مدني لا يقر إلا بالطلاق الموثق.