لبنان يكرّم الفنانة الراحلة إيتيل عدنان بأفلام تسرد حياتها

بيروت - كرّم مهرجان بيروت للأفلام الفنية والوثائقية في دورته الاستثنائية التي تمتدّ على مدار عام كامل، إيتيل عدنان التي توفيت في الرابع عشر من نوفمبر الجاري بالعاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز ستة وتسعين عاما، مخلفة إرثا كبيرا من الأعمال الشعرية والأدبية والفلسفية بالعديد من اللغات، إضافة إلى رسومات تشكيلية ومنحوتات.
وفي أمسية خاصة تم عرض ثلاثة أفلام وثائقية عن حياة الراحلة وبعض المقابلات التي أُجريت معها، وذلك ضمن فعاليات الدورة السابعة من المهرجان الذي تستمرّ عروضه حتى الثامن والعشرين من نوفمبر 2022.
ومن ضمن هذه المواد المصوّرة مقابلة تعود إلى العام 1975 مأخوذة من أرشيف تلفزيون لبنان الرسمي تتحدّث فيها عدنان للصحافية الفرنسية مونيك سيبيل باللغة الفرنسية عن طفولتها وسنواتها التي عاشتها في الولايات المتحدة، حيث زاد عشقها للجبال وبفضلها نقلت تدرجاتها على القماش الأبيض، كما تحدّثت عن رسوماتها التي انطلقت في تشكيلها وهي في سن الخمسين.

وقال روبير الحاج (45 عاما) بعد عرض الفيلم إن أسلوب عدنان “هادئ وذكيّ وصادق وشفاف ولامبال بقوانين المجتمع. إيتيل عدنان لم تخف من التقلبات التي عاشتها. بل حوّلتها إلى رواية سردتها خلال المقابلة بعظمة وبساطة في آن واحد. أنا سعيد للغاية أنني حضرت الأمسية وبقيت حتى اللحظة الأخيرة في القاعة”.
ومن ثم تم عرض فيلم “كلمات في المنفى – إيتيل عدنان” الذي أُنجز عام 2007 ومدته اثنتان وخمسون دقيقة وتضمن حوارات أجرتها اليونانية فوفولال سكورا مع الراحلة في العاصمة الفرنسية باريس وجزيرة سكوبيلو اليونانية، وهو يرتكز على مراسلاتها مع البروفيسور فواز طرابلسي المتخصّص في التاريخ.
وفي العمل الثالث بالأمسية التكريمية عرض المهرجان الشريط الوثائقي “مدينة وامرأة” الذي أُنجز عام 2020 للمخرج نيكولا خوري، حيث ينطلق المخرج من رسالة كتبتها عدنان عام 1992 إبان انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية ليعالج آثارها الإنسانية التي سيطرت على العاصمة اللبنانية، وصولا إلى الانفجار في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 الذي دمّر مساحات شاسعة من بيروت.
واللافت أن الجمهور تألف في معظمه من شبان وشابات يتعاملون مع الراحلة وكأنها الأم والأخت والمرشدة والثائرة التي تلهمهم على الطرق التي تليق بجنونهم وإبداعهم وقدرتهم على الابتكار.
وقالت جهينة الرامي (35 عاما) “إيتيل، أدعوها باسمها الأول، لأنني أتعامل معها وكأنها أمّي الروحية وملهمتي ، قدّمت للإنسانية هدية تقبل الآخر وهدية المحبة.. عندما يقيّدنا المجتمع نحتاج إلى يد العون من قبل هكذا شخصيات تتمتّع بالجرأة”.
وقالت صديقة إيتيل ومؤسسة المهرجان أليس مغبغب إن الأمسية لم تتخللها أيّ كلمات ترحيبية كما جرت العادة، لأن “الكلمة كانت لإيتيل وحدها لتروي من خلال الأفلام الثلاثة عن حياتها الغنية والصاخبة، هي التي كانت أكبر من الحياة وفي الوقت عينه محبة وشغوفة وذكية بمعنى أنها كانت تحب الجميع، ولكنها تخصّص للذين ترتاح لهم وتعرف طينتهم جزءا سريا من شخصيتها فائقة الذكاء”.
وولدت إيتيل عدنان في بيروت عام 1925 لأم يونانية وأب سوري ونشأت إبان ازدهار الحركات الفكرية والفنية في المدينة، وفي سن الرابعة عشرة سافرت إلى باريس حيث درست الأدب والفلسفة في جامعة السوربون، ثم أكملت دراستها في الولايات المتحدة.
عملت بتدريس الفلسفة في جامعة الدومينيكان بكاليفورنيا، وهناك اكتشفت حبها للرسم بتشجيع من الفنانة الأميركية آن أوهانلون، وبدأت لاحقا في دمج اللغة العربية بأعمالها.
وفي عام 1977 نشرت رواية “الست ماري روز” عن الحرب الأهلية اللبنانية، وهو العمل الذي حقّق نجاحا كبيرا استحقت عنه جائزة الصداقة الفرنسية العربية.
تميّزت في الشعر وكتابة المقال والتأليف المسرحي والرسم والنحت وأصدرت نحو عشرين كتابا بالإنجليزية والفرنسية، وساعدتها مواهبها المتعدّدة وانغماسها الدائم في التجريب وحبها للتنقل وتمكنها من أكثر من لغة في بلوغ العالمية.
ومن أعمالها الروائية “سفر الرؤيا العربي” و”عن مدن ونساء.. رسائل إلى فواز” و”قصائد الزيزفون” و”سيد الكسوف” و”باريس عندما تتعرّى”.
أما لوحاتها فاتسمت بالصفاء والهدوء والميل إلى تصوير الطبيعة البشرية، وجاءت معبّرة عن الحياة والحب والنقاء، فاقتنتها العديد من المتاحف الكبرى حول العالم.

وفي عام 2018 أقام غاليري “ماس موكا” الأميركي معرضا لمجمل أعمالها بعنوان “شمس صفراء وشمس خضراء وشمس صفراء وشمس حمراء وشمس زرقاء” امتد على غرفتين، إحداهما للوحاتها والأخرى لشعرها، وركّز على الاختلافات في الإدراك بين النظر إلى اللوحات وقراءة الشعر.
وحصلت الراحلة على العديد من الجوائز على مدى حياتها منها لقب “فارس” في الفنون والآداب من الحكومة الفرنسية.
ويشهد مهرجان بيروت للأفلام الوثائقية هذا العام دورة استثنائية تمتدّ لعام كامل، حيث انطلق في الثامن عشر من نوفمبر الجاري ويتواصل حتى الثامن والعشرين من نوفمبر 2022.
ويستعرض المهرجان في دورته السابعة التي أتت تحت شعار “الوحي”، المحطات الثقيلة التي مرّت بلبنان في العامين الماضيين، ويتوقف عند وباء كورونا، والفشل الاقتصادي، وانفجار الرابع من أغسطس 2020، كأسباب لإقفال صالات السينما الواحدة تلو الأخرى، والتي وضعت اللبنانيين في عزل طويل الأمد ثقافي واجتماعي في آن.
وافتتح المهرجان بتكريم المخرج اللبناني الراحل برهان علوية، الذي وصفته نشرة المهرجان بـ”أبو السينما اللبنانية الحديثة”.
ويتضمّن المهرجان ثمانية أفلام بالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي، وستة أفلام مع السفارة الأميركية، وأربعة أفلام مع “معهد غوته” الألماني، وثلاثة أفلام مع السفارة السويسرية، وفيلمان مع سفارة بلجيكا، وفيلمان مع سفارة إسبانيا والعديد من الأفلام اللبنانية التي تمّ إنتاجها خلال سنتيْ 2020 و2021.