لا خارطة واضحة لمصالحة الشباب مع الإعلام في مصر

ترميم العلاقة بين الشباب والإعلام ليس مهمّة مستحيلة كما يتصور مسؤولون.
الثلاثاء 2022/03/22
إعلام مدجن لا يعكس الواقع

يكتشف المتابع للخارطة البرامجية في الإعلام المصري من الوهلة الأولى أنها بعيدة عن كل ما يرتبط باهتمامات وهموم وطموحات الشباب رغم كونهم الشريحة السكانية الأكبر في المجتمع، ما انعكس بشكل سلبي على علاقتهم بالإعلام، وكان طبيعيا أن ينجذبوا إلى منصات التواصل الاجتماعي التي تسد حاجاتهم.

القاهرة - لا يجد المتابعون لوسائل الإعلام المصرية من محطات فضائية وصحف ومواقع تغطيات جيدة لقضايا الشباب حاليا، وربما يجدون من يتحدث بصورة عابرة، غير أن الساحة تبدو خالية من التركيز المباشر على همومهم وقضاياهم وانشغالاتهم.

ويرجع خبراء هذه الحالة إلى أن الإعلام مشغول بالجري خلف ما ينسجم مع أهداف الحكومة في ما يتعلق بالاهتمام بشريحة معينة من الشباب تدور في فلكها وتؤمن بتطلعاتها وتشي بأنها قريبة منها من دون تخصيص برامج محددة لهؤلاء لتجنب فتح جدل ممتد حول مسألة الانتقائية الخاضعة لمعايير سياسية دقيقة.

وكانت هناك برامج موجهة إلى الفئات الشبابية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وحققت جماهيرية واسعة، مثل “شبابيك”، “ولاد البلد”، “عز الشباب” و”فريندز”، لكنها اختفت مع مرور الوقت جراء تراجع نسب المشاهدة على وقع عزوف الشباب عن متابعة وسائل الإعلام المحلية بشكل عام والتركيز على المنصات الرقمية التي صارت جماهيريتها أكبر من الصحف والقنوات، ناهيك عن تجاهل الحكومة بعدما عانت كثيرا من تصرفات شريحة منهم عقب ثورة يناير التي لعب فيها الشباب دورا بارزا.

ويطرح هذا الواقع العديد من التساؤلات حول علاقة الشباب بالإعلام، ومن أين بدأت الأزمة، هل بعزوف الشباب عن متابعة المنابر الإعلامية وتقليص الأخيرة لخطابها الموجه إليهم، أم أن هذا العزوف بسبب وسائل الإعلام نفسها لكونها لا تهتم بالقضايا الشبابية أو تخشى الوقوع في محاذيرهم وهو ما انعكس على الخارطة البرامجية؟

التحدي الأكبر أمام الحكومة يرتبط بالنزول من أعلى الشجرة والتعامل بطريقة غير فوقية مع قضايا الشباب في الإعلام

تصعب الإجابة من دون تسليط الضوء على الواقع الإعلامي نفسه، فالحكومة منذ سيطرت على أغلب الصحف والقنوات لم تضع لها استراتيجية واضحة للتعاطي مع قضايا الشرائح المختلفة أو تتمسك بأن يكون للشباب حضور استثنائي في الإعلام.

وأدركت الحكومة أنه لا بديل عن وجود ممثلين للشباب المدجّنين في الإعلام كمذيعين من الصف الثاني، ثم يتم تصعيدهم مستقبلا ليكونوا هم نجوم الشاشات، لكن هذه الخطة واجهت تحديات على رأسها سيطرة مراكز القوى من الوجوه القديمة على الإعلام المصري وغياب جماهيرية العناصر الشابة التي يمكن التعويل عليها.

ورغبت الهيئات الإعلامية التي تدير المشهد في وجود وجوه شابة تتبنى قضاياها، وتفهم الطريقة التي يمكن أن تتم بها مخاطبة الشباب واستمالتهم، لكن المعضلة ارتبطت بأن المذيعين الشباب تدربوا في كنف مؤسسات تحوي خطوطا حمراء.

وصارت هناك برامج محدودة يقدمها شباب تسيطر على خطابهم النمطية، حيث اعتمدت على مسايرة موجة تمجيد الحكومة وتلميع سياساتها دون التطرق من قريب أو بعيد إلى القضايا الشبابية المرتبطة بمعاناة هذه الشريحة وطموحاتها.

وجاءت النتيجة أن ظهرت مجموعة من المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي أغلبهم من الشباب الذين دأبوا على توجيه خطابهم إلى نفس الشريحة وملامسة واقعها، وتسليط الضوء على أفكارها، فاستقطبوا فئة منهم، وباتت المنصات الاجتماعية هي البديل عن الإعلام التقليدي الذي صار خطابه مملا وليست له رؤية واضحة.

ولجأت الحكومة من خلال وزارة الدولة للإعلام قبل أن يستقيل وزيرها أسامة هيكل، إلى محاولة استقطاب المؤثرين في الشباب على الشبكات الاجتماعية بحجة وضع خارطة برامجية تستهدف الفئات الشبابية في الإعلام من صحف وبرامج ومواقع إلكترونية، لكن كانت طموحات هذه الشريحة من المؤثرين على المنصات الرقمية كبيرة.

وجرى عقد العديد من الجلسات بين الطرفين للاستقرار على تضمين الاستراتيجية الإعلامية ببرامج متخصصة في قضايا الشباب، لكنها لم تر النور بعد لأسباب ارتبطت بالصراع الذي كان قائما بين وزارة الدولة للإعلام والهيئات المسؤولة عن إدارة المشهد من ناحية، والخلافات المتصاعدة بين الوزير هيكل وقتها والجهة المالكة للقنوات والصحف.

وانتهى القرار ببقاء الخارطة الإعلامية كما هي دون تغيير خلال الأشهر الماضية بذريعة أن تبنّي خطاب إعلامي موجه إلى الشباب سوف يرتبط بارتفاع الانتقادات، وكان من الصعب القبول بذلك، ما أدى إلى تهميش قضايا الشباب أمام استمرار الخطاب الإعلامي أسيرا لرؤية عقيمة لمعالجة موضوعات جماهيرية.

كسر الحاجز النفسي بين الشباب والمؤسسات الإعلامية لم يعد يمثل معجزة، لكن الأمر يتطلب قدرا من الرغبة والإرادة والتصميم على تشخيص قضايا الشباب

ويرى خبراء أن التحدي الأكبر أمام الحكومة لإعادة ثقة الفئات الشبابية في الإعلام يرتبط بالنزول من أعلى الشجرة والتعامل بطريقة غير فوقية مع قضايا الشباب، والكف عن اعتبارهم بحاجة دائمة إلى النصح والإرشاد والوعظ.

ويعتقد الخبراء أن هناك حالة من الفهم الخاطئ لدى الإعلام بشأن احتياجات الشباب، فهذه الفئة لا تريد تخمة من البرامج الترفيهية كما يعتقد القائمون على إدارة المشهد المصري، بل تبحث عن نفسها وسط صفحات الجرائد والمواقع والقنوات وتريد أن تجد من يعبر عنها ويتحدث بلسانها، ويكون همزة الوصل بينها وبين صناع القرار.

وقال صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إن إشكالية الإعلام المصري في تعامله مع الشباب مرتبطة بأن القضايا التي يتم تناولها حولهم تتسم بالسطحية، فلا يتم تقديمهم على أنهم قادة المستقبل أو لديهم طاقات وطموحات يمكن أن تصنع الفارق، فالفئات الشبابية تريد أن تجد لنفسها مساحة في المشهد الإعلامي بالحضور المباشر.

وأضاف لـ”العرب” أن الشباب لديهم أجندة محددة ويريدون إيصالها إلى الحكومة على مستوى الأفكار والتطلعات والمشكلات والطموحات، وعندما يتحرك الإعلام بعيدا سيعاني من استقطاب الفئة المستهدفة لتكون ضمن جمهوره، مع أن هذه الأمور ليست صعبة أو مستحيلة، لكنها تفتقد إلى وضع خارطة برامجية موجهة ومتحدثة بلسان الشباب.

وإذا لامس الإعلام إشكاليات الشباب فإن ذلك يكون بشكل موسمي له صلة بإظهار الحكومة لاهتمامها بهم بصورة كرنفالية مثل عقد مؤتمر سنوي للشباب، والتي تداوم أجهزة الدولة عليها، وتحولت علاقة هذه الشريحة بالإعلام إلى النفور منه.

وتبدي بعض البرامج الحوارية اهتماما نسبيا بقضايا شبابية، لكن ذلك غير كاف لاستقطاب الفارين إلى المنصات بحثا عن إيصال صوتهم، ما يتطلب من الجهات القائمة على إدارة المشهد العام إجراء المزيد من البحوث للوقوف على احتياجات هذه الفئة بدقة وإدراجها في البرامج الإعلامية بشكل مدروس وبلا قيود.

ولم يعد كسر الحاجز النفسي بين الشباب والمؤسسات الإعلامية يمثل معجزة، لكن الأمر يتطلب قدرا من الرغبة والإرادة والتصميم على تشخيص قضايا الشباب، سياسيا وفكريا واقتصاديا واجتماعيا، لأن إزالة الجمود بين الطرفين تبدأ من الإعلام.

16