لا حل في نظر نتنياهو إلا بردّ الصاع صاعين

بنيامين نتنياهو يمتلك الآن الذرائع للرد الهجومي داخل إيران وخارجها، لهذا تستعد طهران لهجوم إسرائيلي وشيك سواء داخل أراضيها أو ضد “وكلائها” في المنطقة، وذلك وسط ضغوط من الولايات المتحدة والدول الأوروبية على تل أبيب من أجل الرد بشكل لا يرفع من منسوب التوتر بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل. وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، الأربعاء، إلى أن إيران وتحسبا للرد الإسرائيلي انطلقت في تجهيز قواتها الجوية، كما ستبدأ قواتها البحرية بمرافقة السفن التجارية الإيرانية في البحر الأحمر.
لا توجد إشكالية في التواصل، بعد أن تبوأت تركيا دورا مركزيا في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران فيما يجري اليوم من الحرب على غزة، ودور طهران في دعم حماس، وما قامت به طهران قبل أيام من إطلاق المسيرات ضد أهداف إسرائيلية، وتصر إسرائيل اليوم على ضرب المصالح الإيرانية في المنطقة، وهذا حسب الاتفاق غير المباشر عبر الوسيط التركي، فإسرائيل كعادتها لا تنام إلا بعد أن تشفي غليلها ليس لشيء وإنما لتبقى هي المهيمنة أكثر من غيرها، وهذا السبب الرئيس في الخلاف بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم، مسرحية تمت حياكتها بهدوء.
ولعل من نافلة القول إن هناك خلافا على حجم الضربة، لكن حسب ما رشح من قادة الاحتلال فإن الضربة ضد إيران ستكون أضعف من سابقتها بمعنى الحفاظ على ماء الوجه.
◄ الحرب بين إيران وإسرائيل سواء من خلال الوكلاء أو الحرب المباشرة، كما حصل مؤخرا، من شأنها أن تنتج صراعا لن ينتهي على كل المستويات
السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبي هوتوفلي، قالت لبي بي سي الثلاثاء أيضا إن “إيران لم تتوقف أبدا عن العمل على تطوير أسلحة نووية وصواريخ قادرة على حملها”. فسعي إيران للأسلحة النووية يشكل خطرا على عموم العالم. من خلال هذا التصريح يُفهم أن الحرب بين إيران وإسرائيل تأخذ بعدا آخر وهو الملف النووي، إسرائيل تدور في نفس الحلقة. جاء ضرب سفارة طهران في دمشق انتقاما من إيران حول دعمها لحماس، وتأكيد إسرائيل بأن لطهران بصمات في 7 أكتوبر، والأهم هو محاولة إسرائيل الدؤوبة لجر الولايات المتحدة لضرب إيران.
ترتفع أصوات متفائلة هذه الأيام، تشبه تلك التي برزت عندما ضرب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إسرائيل بـ39 صاروخا في حرب الخليج الثانية، لقد استطاع نتنياهو أن يخلط الأوراق، فضرب السفارة الإيرانية في سوريا لكي يهرب من المظاهرات الأسبوعية ضده داخل إسرائيل، ويحرف البوصلة عما يجري في غزة، والتمهيد لاجتياح رفح.
أمام نتنياهو عدة ملفات، لا يريد إنجازها في وقت واحد فهو يحاول قدر المستطاع إطالة أمد الحرب في غزة مع مناوشته لإيران وحزب الله في جنوب لبنان، وهو يبحث عن نصر شامل يحقق من خلاله حزمة فوائد، منها القضاء على حماس وتقسيم غزة وإعادة بناء المستوطنات فيها، وتقطيع أوصال القطاع شمالا وجنوبا، أي عمل كانتونات على غرار الضفة الغربية، وهذا حلمه منذ زمن، إلى جانب تعطيل مشروع إيران النووي بل القضاء عليه.
نتنياهو يريد القضاء على الجميع من أجل أن تبقى إسرائيل الدولة المهيمنة في الشرق الأوسط، وهذا جزء من عقيدة إسرائيل الأمنية التي تنص على البقاء في حالة حرب مستمرة مع دول الطوق وداخل الضفة الغربية وقطاع غزة، ليبقى جيشها في حالة استنفار ونشاط دائمين.
◄ نتنياهو استطاع أن يخلط الأوراق، فضرب السفارة الإيرانية في سوريا لكي يهرب من المظاهرات الأسبوعية ضده داخل إسرائيل، ويحرف البوصلة عما يجري في غزة، والتمهيد لاجتياح رفح
طالما حذرت إسرائيل، على وجه الخصوص، من قيام إيران بتجهيز قذائف وصواريخ دقيقة التوجيه لوكلائها الموجودين في مناطق تجعل المدن الإسرائيلية ضمن مدى أسلحتهم تلك. وقد شنت عددا كبيرا من الضربات الجوية على قواعد هذه الصواريخ وعلى خطوط الإمدادات اللوجستية في سوريا، ولم تظهر سوى ردود فعل قليلة من إيران. حتى الآن هذا ما تصبو إليه وهذا يعني بقاءها دولة قوية تتمتع بتمدد داخل الجوار العربي بدرجة كبيرة. نحن أمام دولتين، كل واحدة لها مصالح في العالم العربي ولكن من سيفوز ويظفر بالغنيمة؟ الحكم على ذلك سابق لأوانه.
من المفهوم أن مثل هذا الإقصاء للآخر يولد نتاجا من الصور النمطية السلبية حول المنافس، وهكذا فإن هذه الحرب بين إيران وإسرائيل سواء من خلال الوكلاء أو الحرب المباشرة، كما حصل مؤخرا، من شأنها أن تنتج صراعا لن ينتهي على كل المستويات، ولا تزال الحرب تلوح في الأفق، ولكن في النهاية المنتصر لا يريد أن ينهي الطرف الآخر.
التدقيق في تاريخ الدولتين يكشف عن الالتقاء في الهدف المخفي بينهما، وهو تمزيق العالم السني، والدليل على ذلك ما قدمته طهران للولايات المتحدة حليفة إسرائيل وداعمها الأساسي عندما قامت الأخيرة بغزو أفغانستان، فضلا عما قدمته لواشنطن في العراق وصفقات السلاح بين إيران وإسرائيل في حرب الخليج الأولى، هذه هي الحقيقة المغيبة والمفجعة والتي للأسف نتجاهلها. من هنا يمكن للقارئ أن يدرك أن لا مجال للحديث عن دولتين متخاصمتين أيديولوجيا، مع اتفاقنا الكامل حول وجود عدد من الإشكالات وفقا لرواية كل طرف منهما.