كيف ستتعامل السلطات التونسية مع تجاهل رجال الأعمال للصلح الجزائي

رئيس لجنة التشريع بالبرلمان: مداخيل الصلح شملت 14 متصالحا فقط.
الثلاثاء 2024/01/09
تونس تحتاج إلى الأموال لإنعاش الخزينة

تونس - طرح تباطؤ مسار الصلح الجزائي الذي يفرض على رجال الأعمال الموقوفين في تونس في قضايا فساد وجرائم مالية دفع الأموال المطالبين بإعادتها مقابل مغادرتهم السجون، كيفية تعامل السلطات مع تجاهل رجال الأعمال لهذه الخطوة وتفعيلها.

ويقول متابعون للشأن المحلي إنه يجب إضفاء بعد تشريعي أقوى وأعمق في التعاطي مع الملف من أجل تحقيق نتائج في هذا التوجه، واسترجاع أموال تحتاجها خزينة الدولة المأزومة أكثر من أي وقت مضى.

ولا يزال التقدم في ملف استرجاع الأموال المنهوبة متعثرا، وهو الملف الذي يعتبر من بين أبرز الملفات التي تعهد الرئيس قيس سعيّد بتسويتها بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021

وإلى حد الآن، تتضارب الأرقام النهائية المحدّدة لعدد رجال الأعمال المعنيين بالصلح الجزائي، مع تأكيد المراقبين على تخوّف رجال الأعمال من تبعات هذا الإجراء، لكن الرئيس التونسي يكرّر “أن لا صلح مع من نهبوا أموال الشعب التونسي إلا بعد الدفع أو ستتم ملاحقتهم جزائيا”.

عبدالعزيز القطي: الصلح الجزائي فرصة رجال الأعمال للمصالحة مع الدولة
عبدالعزيز القطي: الصلح الجزائي فرصة رجال الأعمال للمصالحة مع الدولة

وعرض قيس سعيد ما سماه بالصلح الجزائي في مرسوم أصدره في 2022، على عدد من رجال الأعمال الملاحقين في قضايا فساد مالي يفرض عليهم إطلاق مشاريع استثمارية في المناطق الفقيرة والأقل حظا في التنمية، تتعلق ببناء مدارس ومستشفيات ومرافق خدمات وخلق موارد رزق للعاطلين عن العمل في البلاد، لكن تعثر تطبيق القانون منذ صدوره لتعقبه بعد ذلك حملة إيقافات.

ويهدف الصلح الجزائي، بحسب نص المرسوم الرئاسي، إلى استبدال الدعوى العمومية أو ما ترتب عليها من تتبع أو محاكمة أو عقوبات أو طلبات ناتجة عنها تم تقديمها أو كان من المفروض أن تقدم في حق الدولة أو إحدى مؤسساتها أو أيّ جهة أخرى، وذلك بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة.

وقال رئيس لجنة التشريع بالبرلمان ياسر قوراري، الاثنين، إنّ “مداخيل الصلح الجزائي بلغت إلى حدّ الآن 26.9 مليون دينار (8.69 مليون دولار)، وشملت 14 متصالحا فقط”، مشيرا إلى أنّ “المبالغ تراوحت بين 11 مليون دينار (3.55 مليون دولار) وبضعة آلاف من الدنانير”.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أنّ “الصلح الجزائي لن يشمل كل رجال الأعمال بل المتورّطين في الاستيلاء فقط”، مشيرا إلى أنّ “مسار الصلح أثار تخوّفات في صفوف المستثمرين ورجال الأعمال”.

وأضاف قوراري أنّ “الأمر سيشمل الأشخاص المتورطين في تبييض الأموال والاستيلاء على المال العام”، لافتا إلى أنّ “الحيتان الكبيرة لم تستجب لمسار الصلح”.

وأفاد المحلل السياسي عبدالعزيز القطي بأن “بعد العام 2014، كونت الدولة التونسية 685 ملفا لرجال الأعمال الذين تعتبر أنهم مطالبون بالتتبع والمحاسبة، وملف الصلح الجزائي قديم، وكان يدار بالولاءات السياسية، حيث تم ابتزاز جزء من رجال الأعمال من قبل الأحزاب بتلك الملفات وتم التلاعب بها”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “الصلح الجزائي الذي أعده الرئيس سعيد هو فرصة لرجال الأعمال للمصالحة مع الدولة، لأن العملية ستشرف عليها السلطة ودون تدخل أي طرف سياسي آخر”، معتبرا أن “هؤلاء ليس من مصلحتهم البقاء في السجن، كما يجب أن يتحمل كل رجال الأعمال مسؤولياتهم لمناقشة عملية الصلح والخروج بأخف الأضرار”.

ولفت القطي إلى أن “المسألة ستنضج خلال الأيام القادمة في علاقة بعمل اللجنة التي يشرف عليها الرئيس سعيد وهي خطوة لطمأنة رجال الأعمال”.

ويقبع في السجن أيضا منذ سنوات رجال أعمال على صلات بنظام الحكم السابق قبل ثورة 2011، وفشلت جلسات التحكيم التي عرضوها مع الدولة.

ويردد الرئيس التونسي في تصريحاته أن الفساد متفش على نطاق واسع في مؤسسات الدولة. وفي 2021 قُدّر حجم الأموال التي يطالب باستعادتها من قائمة تضم 460 من رجال أعمال متورطين في جرائم مالية، بـ13.5 مليار دينار تونسي (حوالي 4.5 مليار دولار أميركي) نهبت من المال العام.

وشكل سعيّد لجنة الصلح الجزائي بهدف جمع أموال من رجال أعمال تحوطهم شبهات فساد مالي، لكن لم تعلن لجنة المصالحة عن أيّ مبالغ كبيرة تذكر ما دفع الرئيس التونسي إلى حلّها.

وكان سعيّد قد أقال في مارس الماضي مكرم بنمنا، رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي، وذلك تعبيرا عما يبدو عن استيائه من التقصير في استرداد الأموال المنهوبة بينما تواجه تونس أسوأ أزماتها المالية على الإطلاق، والتي تفاقمت بسبب الفشل في دفع عجلة التنمية.

المنذر ثابت: توجد مخاوف من أن يتحول الصلح الجزائي إلى خيار أيديولوجي
المنذر ثابت: توجد مخاوف من أن يتحول الصلح الجزائي إلى خيار أيديولوجي

وأكد المحلل السياسي المنذر ثابت أنه “توجد مخاوف من أن يتحول الصلح الجزائي إلى خيار أيديولوجي”، قائلا “الآلية كما اقترحها الرئيس سعيد جيّدة ومرنة وتجنّب رجال الأعمال المسلك القضائي والعقوبات السجنية، وتمنح فرصة للقطع مع الابتزاز الذي كان يمارس عليهم في السابق”.

وصرّح لـ”العرب”، “أعتقد أنها آلية مناسبة، ومن الضروري أن تكون صريحة ومباشرة لأن العديد من رجال الأعمال يقولون لم يطلب منّا شيء في غياب الدقة في ما هو مطلوب، وهناك من يقول إن الأرقام غير دقيقة»، متسائلا «ما هي هذه الأرقام حتّى نناقشها”.

ولفت ثابت إلى أن “أموال الصلح الجزائي هي قروض غير مسدّدة وجباية غير مدفوعة، لكن الملفات تداخلت وأحدثت حالة من الغموض والخوف، ويفترض أن يكون الموضوع خاضعا للنقاش أمام لجنة الصلح الجزائي مع الحقّ في الدفاع، وعلى اللجنة أيضا أن تشتغل بدقة وتحدّد مكمن التجاوز”.

ودعا منذر ثابت إلى “ضرورة ألاّ يضرّ الصلح الجزائي بالاشتغال الطبيعي للمنظومة الاقتصادية وألا يشوب مناخ الأعمال الخوف والغموض”.

وتسعى تونس لتحقيق تقدم في هذا الملف للخروج من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، حيث يمثل المبلغ أكثر من ضعفي التمويل الذي تطالب به تونس من صندوق النقد الدولي والمقدر بنحو 1.9 مليار دولار.

4